تفاعلا مع التنامي المطرد لحوادث اغتصاب وقتل الأطفال، والمطالب المتزايدة على الشبكات الاجتماعية بتنفيذ أحكامالإعدام وتشديد العقوبات في حق مرتكبي مثل هذه الجرائم، جددت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوقالإنسان، دعوتها الحكومة إلى التصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يدعو إلى وقف تنفيذ عقوبةالإعدام، في أفق إلغائها، والانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيةوالسياسية الهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام. واعتبرت بوعياش، في مقال عنونته ب«من أجل أطفالنا»، أن النضال الطويل لجميع المدافعين عن حقوق الإنسان ضدعقوبة الإعدام لا تحكمه أية أيديولوجيا أو ثقافة معينة، ولا أية دوغمائية مملاة من «الغرب»، مؤكدة أنه «نضال نابع،بالأحرى، من التفكير والبراغماتية والتشبث بمبادئ الكرامة والعدل والحرية الكونية»، على اعتبار أن «إلغاء عقوبةالإعدام هو أكثر من متطلب لدولة الحق والقانون، وضرورة لكل مجتمع عادل وحر حيث لا تحظى كرامة المواطنين بالاحترامفحسب، بل وتحظى بالحماية أيضا، إذ تظل عقوبة الإعدام، بالفعل، أحد الانتهاكات الجسيمة للحق في الحياة»، على حدتعبير بوعياش. ولفتت بوعياش في مقالها أيضا إلى أن صون الحق في الحياة، باعتباره أصليا وساميا ومطلقا ودونه لا وجود لأية حرية أوعدالة، هو «ما دفع المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي ترأسه، وقبله المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئةالإنصاف والمصالحة، في تقريرها النهائي، إلى الدعوة إلى مصادقة المغرب على البروتوكول الاختياري الثاني للعهدالدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الخاصة بإلغاء عقوبة الإعدام تحت أي ظرف كان»، تقول بوعياش، مذكرةأيضا بأن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية «لا ينص على عقوبة الإعدام ضمن العقوبات التي يحددها، وإندل ذلك على شيء، فإنه، في الحقيقة، يدل على أن هذه العقوبة تبقى خطا أحمر لدى كل الذين يدافعون بكل صدق عنالكرامة والعدالة». وأكدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن تطبيق عقوبة الإعدام بالمغرب «لادستوري»، وذلك من منطلق أنالفصل 20 من دستورنا واضح وحاسم دون أي التباس، عندما اعتبر أن «الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق»، موردة في هذا الشق أن «القانون الأسمى في البلاد لا ينص على أي استثناءات للحق فيالحياة، كيفما كانت، بل يضع أيضا على عاتق المشرع الواجب الدستوري لحماية هذا الحق من أي مساس أو انتهاك». وسجلت بوعياش، كذلك، أنه وإلى جانب ما سبق، تؤدي عقوبة الإعدام إلى «تعنيف» المجتمع لما لها من تأثير «همجي» عليه، في قولها: «لا ينبغي أن نفاجأ من أن مواطني المجتمعات التي تطبق فيها عقوبة الإعدام، وبالتالي، لا تحترم فيهاالدولة ذاتها الحق في الحياة، أقل ميلا إلى احترام هذا الحق، وأن يسجل بهذه المجتمعات ميلا أكبر إلى ارتكاب أفظعالجرائم وأكثرها وحشية. ذلك لأنه ليس لعقوبة الإعدام أي تأثير رادع، بل على العكس من ذلك، فهي تغذي دائرة العنفالتي تحاصر المجتمع، الذي يتبنى منطق الانتقام إطارا جنائيا»، مستدلة بانخفاض معدلات جرائم القتل في الدول التيألغت عقوبة الإعدام. وتضيف بوعياش: «حتى لو افترضنا جدلا أنه جرى تنفيذ عقوبة الإعدام، على الرغم من كونها عقوبة غير رادعة وغيرفعالة ومضرة بالمجتمع (وهذا أمر يجب تأكيده دائما)، فإن ذلك لن يحل بأي حال من الأحوال إشكالية الاغتصابوالاعتداء الجنسي على الأطفال في المغرب، لأن الأحكام القانونية ذات الصلة تظل أحكاما ملتبسة ومرتبكة وغيراستباقية، فضلا عن أن القانون لا يطبق بشكل مؤسس وممنهج». ووقفت بوعياش أيضا عند «بعض الاختلالات»، حسب زعمها، والتي تشوب القانون الجنائي بهذا الخصوص، معتبرة أنه«لا يقدم أي تعريف لمصطلح «هتك العرض»، حيث يمكن، على سبيل المثال، أن «تطبق الأحكام المتعلقة بجنحة «هتكالعرض دون عنف» في حالات زنا المحارم ضد أطفال قاصرين، كما يمكن تطبيقها في قضية يافعين، فتاة وصبيا، فيحال ضبطهما ممسكين بيدي بعضهما البعض في الشارع العام!»، مشيرة إلى الأمر نفسه ينطبق أيضا على «العنف»،حسب المتحدثة التي أوردت أن القانون «لا يحدد له أي تعريف. ففي بعض الأحيان، يعتبر العنف عنصرا مفترضا فيهتك العرض، وفي أحيان أخرى لا يعتبر كذلك. وبسبب التطبيق غير المتكافئ والعشوائي لهذا المصطلح، يمكن أن نشهدأحيانا عقوبات ضعيفة للغاية ولا تناسب خطورة الأفعال المرتكبة». وأكدت بوعياش أن «اليقين من حتمية المتابعة القضائية الصارمة ومحاربة الإفلات من العقاب يظلان أنجع وسيلة لمحاربةالجريمة، والذي نشهده في المغرب بشكل يومي. فكل يوم يفلت عدد من مرتكبي جرائم الاغتصاب من العدالة ومن العقاببعد تراجع والدي الضحية عن الشكاية، مقابل «تعويض» مالي أو زواج العار. هكذا يُشترى صمت الضحايا كل يومبثمن باهظ، ثمن يدفعه ويتحمل تبعاته المجتمع بأسره». وشددت بوعياش في هذا الإطار على أنه «لا يمكن النيابة العامة، في أي وقت، أن تسمح بالتراجع عن إجراءات المتابعةضد أي متهم في قضية اغتصاب، حيث يجب أن تشرع في اتخاذ الإجراءات القانونية بمبادرة منها، وهنا نتحدث بالفعلعن رادع حقيقي، يتجلى في الشروع بشكل تلقائي وممنهج في إجراءات المتابعة، دون أن يكون هناك أي مجال للتراجعأو التنازل أو الهروب من قبضة العدالة».