من حق أولياء أمور التلاميذ والمتتبعين للشأن التربوي، أن يعبروا عن قلقهم من الصيغة التي اقترحتها وزارة التربية الوطنية لتنظيم الدخول المدرسي الذي تفصلنا عنه بضعة أيام. فقد وضعت الوزارة أولياء الأمور بين اختيارين صعبين: إما "تعليم عن بعد" فاشل، أو تعليم حضوري محفوف برائحة الموت. سيكون على ولي أمر التلميذ تحمل مسؤوليته إذا اختار التعليم الحضوري، فهو الذي سيتوجه للمدرسة للتعبير عن رغبته في ضمان تعليم حضوري لأبنائه، وبناء على الطلبات المجمعة سيتم تشكيل أقسام مقلصة من حيث العدد، وتطبيق "إجراءات صحية"، وتوفير تعليم حضوري لهذه الفئة، في حين أن من لم يعبروا عن رغبتهم، فإنهم سيستفيدون من التعليم عن بعد. هذه الصيغة المُرتبِكة تطرح العديد من التساؤلات والإشكالات؟ أولا، كيف سمحت الوزارة لنفسها بفتح باب التعليم الحضوري في ظل وضعية وبائية مقلقة؟ فخلال الأسبوع الماضي وصل عدد الوفيات لحوالي 233 وفاة، وعدد الإصابات فاق 1500 يوميا، والمستشفيات أصبحت مكتظة والطاقم الطبي أُنهك. فكيف تغامر الوزارة باعتماد التعليم الحضوري، وهي تعرف أنه من الصعب تحقيق التباعد وسط التلاميذ، حتى ولو وضعت برتوكولا صحيا صارما. لقد سبق أن وضعت بروتوكولات صحية في القطاعات الصناعية والفلاحية، ولم يتم احترامها، وأدى ذلك إلى إصابات بالمئات. فهل الوزارة مستعدة لاحتمال تفشي الوباء في المدارس ووسط التلاميذ، كما حدث في عدد من الدول، التي عادت لفرض حجر صحي على مئات من التلاميذ والأساتذة؟ ثانيا، من خلال قراءة بلاغ الوزارة الصادر في 22 غشت، تبين أنها تشير إلى "الوضعية الوبائية المقلقة" التي "تتسم بارتفاع كبير في عدد الحالات الإيجابية، وفي عدد الأشخاص في وضعية حرجة وعدد الوفيات"، ولهذا، فإن قرارها الأساسي هو "اعتماد التعليم عن بعد"، أما التعليم الحضوري فكأنه "استثناء" يهم التلاميذ "الذين سيعبر أولياء أمورهم عن اختيار هذه الصيغة". فالوزارة تقول بصيغة أخرى لأولياء الأمور إن الوضعية الوبائية صعبة ومقلقة، والوزارة قررت اعتماد "التعليم عن بعد"، ولكن بالنسبة إلى الآباء الذين لا يقبلون ويفضلون التعليم الحضوري، فيمكنهم طلب ذلك وتحمل مسؤولياتهم فيما يمكن أن يقع لأبنائهم إذا أصابهم الفيروس. أمام هذه الوضعية تخلق الوزارة ارتباكا وقلقا داخل الأسر المغربية. ويمكن من الآن، أن نتوقع أن الأسر لن تغامر بصحة أبنائها، لأن الآباء يفضلون سنة بيضاء على أن يُصاب أبناؤهم بسوء. ثالثا، ماذا عن تلاميذ العالم القروي الذين لا يتوفرون على وسائل الدراسة عن بعد؟ سبق للوزير سعيد أمزازي أن أعلن أن عدد التلاميذ المستفيدين من دعم "تيسير" يصل 2 مليون تلميذ، وأن تزويدهم بلوحات إلكترونية وبالإنترنت، سيكلف 2 مليار درهم، على أساس 1000 درهم لكل لوحة، لكن هذا المشروع لم ينفذ لحد الآن؟ فكيف سيتم تعليمهم عن بعد؟ أم سيتم تعليمهم جميعا حضوريا؟ رابعا، وهذا هو السؤال الأساسي، لماذا يجري اعتماد التعليم الحضوري في ظل وضعية وبائية صعبة وتحميل المسؤولية للأسر؟ الوزير أمزازي أشار في لقاء تلفزيوني، مساء أول أمس، أن وزارته سبق أن وضعت ثلاثة سيناريوهات للدخول المدرسي، الأول في حالة تحسن الحالة الوبائية سيتم العودة للتعليم الحضوري مائة في المائة. والثاني، في حالة تحسن يستدعي الالتزام بالتدابير الوقائية، وخلالها يمكن اعتماد التعليم بالتناوب بين الحضوري وعن بعد. أما الفرضية الثالثة، فهي في حالة تفاقم الوضعية الوبائية سيتم اعتماد التعليم عن بعد فقط. فلماذا قررت الوزارة المزج بين الفرضية الثانية والثالثة رغم أن الحالة الوبائية مقلقة؟ الجواب الوحيد الذي يفسر هذا القرار، هو الاستجابة لطلب أرباب المدارس الخاصة، الذين لا حل لهم مع الأسر سوى إشهار ورقة التعليم الحضوري. فمنذ اعتماد التعليم عن بعد في مارس الماضي، توقفت العديد من الأسر عن أداء رسوم التمدرس مطالبة بتقليصها، ودخل الطرفان في نزاع لازال مستمرا إلى اليوم. ولو أن الوزارة اعتمدت التعليم عن بعد وحده، لتفاقم وضع هذه المدارس عند الدخول المدرسي، لأن الآباء سيواصلون رفض أداء الرسوم كاملة، وهذا ما قاله رئيس رابطة التعليم الخاص لرئيس الحكومة ووزير التعليم في لقاء في يوليوز الماضي، "إذا لم تسمحوا لنا بالتعليم الحضوري، فإن عدة مدارس ستفلس". إنها صيغة مريحة للمدارس الخاصة تتيح لها التفاوض مع الأسر. فالمدرسة مستعدة للتعليم الحضوري، إلا إذا فضل ولي أمر التلميذ التعليم عن بعد، وسيكون ذلك اختياره، وفي الحالتين معا لا يمكن مراجعة الرسوم.. كل هذه الحسابات تجري دون مراعاة صحة التلاميذ التي يُفترض أن تكون فوق كل اعتبار..