في خطوة جريئة وغير مسبوقة، وضعت لجنة إعداد النموذج التنموي الجديد ملف إشكالية زراعة القنب الهندي المنتشرة في مناطق واسعة من شمال المغرب، على طاولة النقاش العلني والمفتوح. اللجنة نظّمت، صباح أمس، ورشة نقاش مفتوح حول الشق العلمي للموضوع، بعدما كانت قد خصصت جلسات سابقة لمناقشة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمناطق التي تنتشر فيها هذه الزراعة، كما وعد مسيّر جلسة أمس، محمد فكرات، بعقد ورشات نقاش أخرى حول الجانب القانوني لهذا الموضوع. اللجنة استضافت مجموعة من الباحثين والمختصين علميا في مجالات بحث مرتبطة باستغلال نبتة القنب الهندي، كشفوا كل من موقعه البحثي عن الإمكانات العلمية التي تتيحها هذه النبتة، سواء في المجال الطبي والصيدلاني، أو في بعض المجالات الصناعية، علاوة على الأبعاد السياحية الممكنة في ارتباط بهذه النبتة. وأجمع المشاركون على الإمكانات الكبيرة التي يتيحها الاستغلال الصناعي والطبي لهذه النبتة، وفي الوقت عينه حجم الصعوبات والعراقيل التي تواجه الباحثين في هذا المجال، نظرا إلى ضعف الإمكانات المخصصة للبحث العلمي في المغرب، إلى جانب الصعوبات القانونية التي تحد من هامش تحرّك الباحثين في هذا المجال، عكس مجالات أخرى مثل إسبانيا وإسرائيل... بعد مداخلات الباحثين العلميين، ساهم بعض أعضاء لجنة شكيب بنموسى في النقاش، من بينهم رجل الأعمال كريم التازي، الذي قال إن 250 ألف من ساكنة المناطق المغربية التي تنتشر فيها هذه الزراعة، يعانون من تبعات ما قال إنه نفاق وضعف في التعاطي الرسمي مع هدا الموضوع. التازي قال إنه وفي الوقت الذي يعتبر فيه شراء القنب الهندي لاستهلاكه كمخدر "ما كاينش ما أسهل منو" في مدينة مثل الدارالبيضاء، يعتبر الحصول عليه من طرف أساتذة باحثين واستغلاله علميا، أمرا شبه مستحيل. وأكد كريم التازي ما قاله مشاركون آخرون في ورشة أمس، من كون الظهيرين الوحيدين اللذين يوجدان في التشريعات المغربية ويمنعان استهلاك القنب الهندي، صدرا في الفترة الاستعمارية، "ولم يسبق أن صدر قانون مغربي عن الدولة المغربية المستقلة لمنع استهلاك القنب الهندي وزراعته". من جانبها، الفاعلة الجمعوية حكيمة حميش، العضو في لجنة النموذج التنموي، قالت إنها شعرت بالأسف لما عبّر عنه الباحثون الأكاديميون، من صعوبة الحصول على نبتة القنب الهندي للاشتغال عليها علميا. وبعدما أضافت إلى هذه الصعوبة شح الموارد المالية الخاصة بالبحث العلمي في المغرب، قالت حميش إن المنع القائم في هذا المجال " فرض علينا خلال الفترة الاستعمارية منع القنب الهندي، في مقابل ترخيص التبغ الذي يقتل الكثيرين إلى جانب الكحول". وفيما تساءل محمد العمراني بوخبزة، الأستاذ الجامعي وعضو اللجنة، عن الاختلافات الموجودة بين مناطق زراعة النقب الهندي الموجودة في الريف وتلك المنتشرة في مناطق أخرى مثل إقليمتاونات، اعتبرت المخرجة السينمائية العضو في لجنة بنموسى، فريدة بليزيد، أن رفع التجريم في هذا المجال سيسمح ببحث حقيقي ونمو لهذا القطاع، كما سيطور وضعية المزارعين "بدل تركهم تحت رحمة الجريمة المنظمة". الباحثون والجامعيون المشاركون في ورشة أمس استعرضوا مجموعة من مجالات وإمكانيات استغلال نبتة القنب الهندي، حيث قال محمد الرامي، رئيس جامعة عبدالمالك السعدي، إنه شرع في الاشتغال علميا على هذه النبتة في التسعينيات، من خلال بعض الجامعات الإسبانية، حيث أبانت الدراسات المبكرة أن بعض مكونات القنب الهندي أبانت عن فعالية كبيرة في مجال محاربة السمنة، من خلال المفعول المتمثل في الحد من الشهية للطعام، أو منع زيادة الوزن رغم استهلاك الكثير من الأكل. وأوضح الرامي أن أبحاثا جرت في أمريكا في هذا المجال، لكنها توقفت بعد ظهور نوع من الاكتئاب، موازاة مع الحد من الشهية. تأثير نفسي قال رئيس جامعة عبدالمالك السعدي، إنه يحتاج إلى أبحاث إضافية، خاصة أن المناطق التي تتركز فيها هذه الزراعة تتميز بارتفاع نسبة الانتحار. وفيما استعرضت الأستاذة زهرة سوكار، من كلية العلوم بمراكش، مجالات اشتغال فريق مختص على التأثيرات العصبية لمستخلصات نبتة القنب الهندي، أوضحت أن بعض الدراسات أبانت عن وجود مواد مضادة للخصوبة في هذه النبتة، ما يفتح إمكانية استغلالها في إنتاج المواد المانعة للحمل مثلا. زميل زهرة سوكار بجامعة مراكش، محمد الإفريقي، قال بدوره إن المزارعين الذين ينتجون القنب الهندي ليسوا أحرارا في قرارهم، موضحا أن الشبكات الإجرامية المتحكمة في هذا المجال تفرض عليهم الاستمرار في هذا النشاط، وتمدهم بالبذور والأسمدة، ثم تعود لتجمع المحاصيل لتقوم باستغلالها في إنتاج المخدرات. وأضاف الإفريقي أن مردودية المنتجات البديلة ضعيفة جدا مقارنة بالكيف، ما يجعل استمرار زراعة هذا الأخير أمر حتمي مقارنة ببعض المنتجات الفلاحية والنباتات العطرية التي يمكن تقديمها كبدائل. الناشطة المهتمة بهذا المجال، والخبيرة في الاستراتيجية المقاولاتية، كاميليا بنسكور، قالت إن أولى استعمالات القنب الهندي في المجال الطبي تعود إلى 4700 سنة، "وبالتالي، فهو ليس دواءً جديدا، بل دجرى التخلي عنه لأسباب سياسية وأخرى ترتبط بمصالح بعض لوبيات الأدوية". وأضافت بنسكور أن مجلة علمية متخصصة نشرت عام 1938، دراسة تتوقع أن يصبح القنب الهندي الزراعة الأولى في أمريكا الشمالية لأسباب طبية، لكن تدخل اللوبيات الصناعية حال دون ذلك. وشدّت كاميليا بنسكور على أن القنب الهندي يتميز بعدة خصائص، منها أنه فلاحيا لا يستهلك الكثير من المياه، وينمو بشكل شبه تلقائي دون حاجة إلى الأسمدة ولا المبيدات، "بل يتخلص بنفسه من الأعشاب الضارة ورائحته القوية تطرد جل الحشرات، كما يمكن في بعض الأصناف الحصول على خمسة محاصيل في السنة الواحدة". واعتبرت بنسكور أن القنب الهندي الممنوع يعتبر أقل ضررا من الكحول والتبغ المباحين، "وبالتالي، فإن المنع كان لدواع اقتصادية أكثر منها عقلانية". أمر علّق عليه كريم التازي بالقول إنه يجعل 250 ألف شخص "في حالة أشبه بالمجرمين الذين يمكن أن يعتقلوا في أي دقيقة"، منتقدا ما قال إنه موقف غير مفهوم من الأحزاب السياسية التي يمكنها أن تمثل الساكنة وتدافع عن حقوقها.