برمج مجلس الحكومة، الذي أعلن عنه الخميس 25 يونيو، المصادقة على مشروع قانون يقضي بحل "مكتب التسويق والتصدير" وتصفيته، وتحويل أملاكه للدولة التي تقدر بملايير الدراهم. ويأتي هذا القرار بعد تقرير للمجلس الأعلى للحسابات صدر سنة 2016، خلص إلى أن هذه المؤسسة "غير قابلة للاستمرار في شكلها الحالي"، بسبب تعثر الإصلاحات المؤسساتية التي كان يتعين على المكتب القيام بها سواء على مستوى الهيكلة، أو إعادة التموقع وتحويل المكتب إلى شركة مجهولة الاسم. ويتعلق الأمر بمؤسسة عمومية أسست منذ الستينات لتكون أداة الدولة في مجال التصدير، وهي تضم فروعا على شكل شركات مساهمة خاضعة للقانون الخاص وكلها سيتم تصفيها، باستثناء شركة تسويق الحوامض وباقي الفواكه والخضر المغربية "سوكامار"، التي تعد إحدى أكبر وأهم شركات المكتب، والتي لازالت تمارس نشاطها. وتبرر الحكومة حل وتصفية المكتب، بكون عملية "إعادة هيكلته لم تحقق الأهداف المتوخاة منه"، كما أن النطاق المؤسساتي في مجال تسويق المنتجات الزراعية عرف إصلاحا في إطار تنفيذ مخطط المغرب الأخضر من خلال إحداث وكالة التنمية الفلاحية. ويقضي مشروع القانون، بحل المكتب وإعادة هيكلة شركة "سوكامار"، وسيتم نقل كامل ملكية المكتب إلى الدولة من منقولات وعقارات بالمجان، وستعفى عمليات نقلها من رسوم التسجيل والضرائب وكل الرسوم الأخرى. ثم إن جميع مستحقات المكتب المتعلقة بالديون الموجودة في حوزة زبنائه، ستقوم الدولة بتحصيلها لفائدة الميزانية، كما ستحل محل المكتب في جميع التزاماته وحقوقه، خاصة تلك الناشئة عن الصفقات والأشغال والتوريدات، والخدمات وجميع الاتفاقيات التي ابرمها المكتب والتي لم يتم إتمام تنفيذها، وبخصوص المستخدمين العاملين في المكتب، فإنهم سينقلون بقوة القانون ابتداء من دخول القانون حيز التنفيذ إلى مؤسسات عمومية تحدد قائمتها بنص تنظيمي، ويدمجون فيها بنص تنظيمي. ونص مشروع القانون، على ألا تكون وضعيتهم أقل فائدة من وضعيتهم النظامية والتعاقدية التي كانوا يتمتعون بها في المكتب، مع استمرار انخراطهم في نفس أنظمة المعاشات التي كانوا منخرطين فيها. وسيكون على المكتب أن يحيل على الدولة أرشيفه وجميع الوثائق التي بحوزته، على أن يصدر نص تنظيمي يحدد كيفية تصفية المكتب، وقائمة المنقولات والعقارات المعنية بالتصفية أو بنقلها للدولة. أزمة مكتب التسويق والتصدير يعد مكتب التسويق والتصدير، مؤسسة عمومية، أحدثت منذ 1965 ليكون أداة الدولة في مجال تصدير المواد الفلاحية، ثم أصبح يدعم الفلاحين الكبار والصغار، بالقروض، وله شركات تعمل في مجال التخزين والتبريد والتلفيف. وبدءا من منتصف الثمانيات جرى وضع حد لاحتكار المكتب لعمليات التصدير، ولكنه استمر في أنشطته قبل أن تبرز اختلالات كبيرة في تدبيره، تمثلت أساسا في عدم استرجاع ديونه التي بلغت حوالي 216 مليون درهم، والتي منحت في عهد مديرين سابقين هم عبدالله لحلو، وكسوس، وعبدالعزيز الفلاحي. ومن هنا بدأت أزمة المكتب، ففي سنة 2004 تشكلت لجنة وزارية لدراسة وضعيته وقررت توقيف منح المكتب لتسبيقات للفلاحين، وتكليف شركات لتحصيل ديونه، فتم استرجاع جزء منها، لكن معظمها فتحت بشأنه ملفات قضائية. تفويت عقارات ومغادرة طوعية سخية وأظهر تقرير للمفتشية العامة للمالية أنجز في 2010، أنجز بطلب من مديره السابق نجيب ميكو، الذي يعد آخر مدير للمكتب، عدة اختلالات أخرى، فقد جرى بيع عدد من ممتلكات المكتب بما فيها شركات بالخارج، وشركات تجارية للحوامض، وفي عهد المدير السابق عبدالعزيز الفلاحي، جرى بيع عمارة تابعة للمكتب في باريس، ومقر المكتب في أكادير، وعقارات أخرى بأثمنة زهيدة لشخصيات في ظروف غير شفافة، وجرى منح تعويضات سخية لأطر المكتب في إطار المغادرة الطوعية في عملية بدت منذ ذلك الحين بأنها بداية تصفية المكتب. ومن الفضائح أن المدير التجاري للمكتب في باريس، حصل على 340 مليون بالعملة (الأورو)، كتعويض عن المغادرة الطوعية. متابعات قضائية وبعد مرور بضع سنوات من إثارة ضجة بشأن الاختلالات التي عرفها مكتب التسويق والتصدير، والتي وثقها تقرير المفتشية العامة للمالية سنة 2010، تحرك الملف في محكمة جرائم الأموال بالدارالبيضاء التي باشرت مسطرة متابعة المتورطين في هذه الاختلالات، بمن فيهم المدير السابق، عبدالعزيز الفلاحي الذي جرى اعتقاله، لكن لا يعرف مصيره ملفه إلى اليوم. كما فتحت عدة ملفات أمام القضاء تتعلق بتحصيل الديون من فلاحين كبار. مغرب تسويق منذ تعيين نجيب ميكو، مديرا جديدا، في يوليوز 2008، سعى إلى تغيير سياسة المكتب في اتجاه دعم تعاونيات الاقتصاد الاجتماعي، ومحاولة استرجاع ديونه، لكن عدم تغيير قانون المكتب ليصبح شركة مجهولة الاسم، شكل عائقا أمام انطلاقه نحو أفق جديد، وذلك بالرغم من المجهود الذي بذل في مجال استرجاع عدد من الممتلكات لصالح المكتب، وتسوية عدد من الملفات الاجتماعية، وإطلاق مشروع تسويق منتجات الاقتصاد الاجتماعي، ودعم الفلاحين الصغار عبر تجربة "مغرب تسويق". ومن العقارات التي جرى استرجاعها، أرض مساحتها 1360 مترا، تقع في قلب مدينة الدارالبيضاء، وتحديدا في شارع الجيش الملكي تضم مبنى وعقارا وكانت تستغلها الجماعة الحضرية للدار البيضاء، في إطار شراكة مع الوكالة الحضرية، وتناهز قيمة العقار 7 ملايير سنتيم. كما استرجع المكتب عقارا في مدينة إفران، عبارة عن مركب اجتماعي، مساحته حوالي 1500 متر، كان موضوعا للترامي من طرف أحد الخواص كان سيجري تفويته مقابل 64 مليون سنتيم، في حين أن قيمته تتجاوز 500 مليون سنتيم. كما تمكن المكتب من استرجاع محطة سيدي سليمان لتلفيف وتعبئة الحوامض، بعد إفلاسها وتوقفها منذ 1995 سنة. وكانت المحطة خضعت للتصفية القضائية ما بين 2010 و2013، وأدت مستحقات العاملين فيها، وتمكن المكتب من استعادتها وتحديثها، حيث جرت إعادة تشغليها من جديد. ورغم أن مشروع القانون المتعلق بإعادة هيكلة المكتب ومراجعة تموقعه، مر من مجلس الحكومة، إلا أنه تعرض "للعرقلة" في مجلس المستشارين، بتشكيل لجنة تقصي الحقائق حول وضعية المكتب في 2015، ما أدى إلى إقباره. وفي مارس 2016 صدر تقرير المجلس الأعلى للحسابات اعتبر أن المكتب عاجز عن إنجاز قيمة مضافة، واعتبر أن "المردودية المالية للمكتب، تظل ضعيفة أو سلبية في بعض السنوات"، ما يعني أن الأموال المستثمرة من طرف المكتب "لا تدر أرباحا"، وأن الحصة الأكبر من مداخيل المكتب تتأتى من مهامه الثانوية، "كإيرادات إيجار البنايات غير المستغلة من طرفه"، عوض أن تأتي من مهمته الأساسية، أي التصدير. ولهذا خلص تقرير جطو إلى أن المجلس "غير قابل للاستمرار في شكله الحالي"، متشبثا بما سبق أن خلص إليه في مهمة رقابية سابقة حوله عام 2010، بدعوته السلطات العمومية إلى "التفكير جديا في مستقبل مكتب التسويق والتصدير بالنظر إلى الوضعية الهشة، التي بات يوجد عليها". وحسب مصدر مطلع على أحوال المكتب، فإن حل وتصفية المكتب، قد تأخر كثيرا، لأن المؤسسة في شكلها السابق، "ماتت منذ عشر سنوات"، ولكن تجربة "مغرب تسويق"، الذي ولد من رحمها مركزا على الاقتصاد الاجتماعي وخلق تجربة المتاجر التضامنية، ودعم الفلاحين الصغار، تحتاج لتبقى حية بتفويتها لمؤسسة فلاحية لدعمها وتعزيزها".