باعتبارك عشت في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبعدها في أمريكا الجنوبية. ما تعليقك عما يحدث من احتجاجات ضد العنصرية والتعنيف العرقي في أمريكا ترامب؟ في الحقيقة الحركة الاحتجاجية الواسعة في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي اندلعت منذ ستة أيام، ردا على عملية القتل التي استهدفت الزنجي الأمريكي جورج فلويد، كانت أكبر مفاجأة في زمن كورونا لعدة اعتبارات، منها أن البلد منشغل بمخلفات الجائحة، حيث الإصابات بمئات الآلاف والوفيات تجاوزت 100 ألف، وحيث وجود ميزان قوة يميل لفائدة سياسة ترامب الرعناء بعد نجاته من العزل جراء المحاكمة السياسية في الكونغرس، رغم وجود أدلة قوية تدينه على خيانته وتجاوزاته للدستور، فضلا عن وجود مؤشرات أخرى تفيد أن الوعي السياسي للمجتمع الأمريكي بات ميالا نحو الاستسلام ويكتسحه ضعف شديد إزاء سلسلة المواقف والسياسات العنصرية والمعادية للنساء وللمهاجرين وللدول والاتفاقيات، التي مافتئ يعلنها بقوة الرئيس ترامب. لهذه الاعتبارات وغيرها، كانت الاحتجاجات مفاجئة للرأي العام الدولي لما أظهرته من ردود فعل قوية، ولما طرحته من مطالب تمس جوهر العدالة والرفض المطلق للممارسات العنصرية الناجمة عن عمل العديد من رجالات الشرطة في حق الزنوج الأمريكيين من أصول إفريقية ومهاجري دول الجنوب. وبرهنت بما يكفي على تجاوزها لشكلها الأول كحركة عفوية لتصبح حركة احتجاج منظمة، وفيها ما يكفي من مقومات المقاومة المدينة التي استحال على رجال الشرطة والحرس المدني على شلها وتوقيفها، مما جعل الرئيس ترامب يلجأ إلى عسكرة كافة المدن بمختلف الولايات، بعدما استنفد القبضة الأمنية. ما تداعيات هذا الربيع الأمريكي على المغرب والمنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر؟ تداعيات الحركات الاحتجاجية بأمريكا ستبدو لا محالة في التأثير الذي ستتركه في مجال العلاقات بين البلدان العربية وأمريكا، وعلى مستوى المجتمعات العربية نفسها، التي ستلتقط رسالة المنتفضين في المقاومة المدنية الأمريكية، خصوصا في مجالات يكتسحها الظلم والإجحاف مثل الحقوق المدنية والسياسية والحريات، وضمنها حرية التعبير والكرامة التي تداس يوميا، ومجال العدالة الذي لا وجود فيه لجهاز مستقل في كل خريطة العالم العربي. كما سيعاد للقضية الفلسطينية ورقة التضامن الفعال من داخل أمريكا، وستتعرض خطة ما يُسمى صفقة القرن، التي يراهن ترامب ونتنياهو إلى التلاشي والاندثار، وستقع حراكات مدنية سلمية تستهدف كل الأنظمة الرجعية التي تعاملت مع ترامب، وسوف تتمكن من أن تزيح علاقاتها التطبيعية مع العدو الصهيوني عن طريق تضامن الشعوب العربية وقواها الديمقراطية والتقدمية مع قضية الشعب الفلسطيني. وبكل تأكيد المغرب سيكون مجتمعه من بين المجتمعات التي ستستلهم روح ورسالة المقاومة المدنية في أمريكا. هل ستكون هذه الاحتجاجات القشة التي تقسم ظهر ترامب سياسيا، علما أن الرجل أشبه بطائر الفينيق، قادر على العودة رغم ضربتي كورونا والاحتجاجات؟ بكل تأكيد أن هذه الحركات الاحتجاجية ستكون القشة التي ستقسم ظهر ترامب وسياساته العنصرية والامبريالية، بعدما ضاق الشعب الأمريكي ذرعا من هذه السياسات منذ اللحظة الأولى، التي دخل فيها البيت الأبيض بأنانيته وعجرفته وجهله المطلق لمنطق السياسة والدبلوماسية المبنيين على الأخلاق والعقلانية وتوازن المصالح المتبادلة. وأمامه الانتخابات الرئاسية في شهر نونبر المقبل، وفي رصيده حصيلة أربع سنوات من ولايته مليئة بالسلبيات في كل المجالات. الكل يتذكر أكاذيبه اليومية في قضية “روسيا غيت”، وفضائحه الجنسية وحروبه في مواجهة كافة وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، ومعاداته المطلقة لحقوق الشعب الفلسطيني، ومصادرة حقوق الأقليات والفقراء في الخدمات الصحية ولازمته في بناء الجدار مع المكسيك لمحاربة الهجرة، وما استتبعها من ممارسات عنصرية في حق اللاتينيين. إن رصيده السلبي كاف ليميل ميزان القوة الانتخابي للمرشح الديمقراطي جون بيدون. وثمة إمكانية لإزاحته قبل الانتخابات عبر تحريك دعوات ضد الرئيس لأنه حرض على العنف في مواجهة المنتفضين المحتجين على سياسته العنصرية. ولا أحد حتى الآن، يضمن استمرار الرئيس ولو في الظهور، لأن حركة المقاومة المدنية تتبلور وتأخذ أشكالا قد تذهب بها إلى إعلان حالة العصيان المدني والمطالبة برأس ترامب.