يبدو أن المرحلة الثالثة من تدابير الحجر الصحي، بعد قرار الحكومة تمديد حالة الطوارئ الصحية إلى غاية يوم العاشر من شهر يونيو المقبل، لن تمر سهلة على شريحة واسعة من المغاربة، الذين يئنون تحت وطأة أضرار متعددة، بعضها مرتبط بظروف السكن الهشة، وبعضها الآخر مرتبط بغياب المدخول اليومي أمام هزالة الدعم المالي، والبعض الآخر مرتبط بأشخاص عالقين عند أقاربهم منذ أكثر من شهرين، غالبيتهم نساء جئن إلى الزيارة العائلية، فوجدن أنفسهن محرومات من العودة إلى بيت الزوجية. وعاب متتبعون للشأن العام الوطني، تمديد حالة الطوارئ الصحية دون إجراءات مصاحبة تتجه نحو تخفيف جزئي للقيود، عوض اللجوء إلى “سياسة كسب المزيد من الوقت”، والتي لن تكون عواقبها مضمونة بنسبة كبيرة، على اعتبار أن صبر المتضررين بشكل حاد من الجائحة، وخاصة أرباب الأسر الذين ليس لديهم دخل شهري قار يؤمنون به الحاجيات المتزايدة، بدأ ينفد حسب عدد من الملاحظين، وقد لمسته الحكومة في مظاهر “التراخي” بالشارع العام مع الإجراءات الاحترازية، بخلاف الالتزام الذي طبع المرحلة الأولى من الطوارئ، وهو ما جعل الدولة تكثف من حملات التعبئة للحجر الصحي من خلال المسؤولين الحكوميين، وعبر كبسولات توعوية على القنوات التلفزية الرسمية. لكن على مستوى الشارع، وخلال وقت النهار إلى غاية حظر التجوال الليلي، لاحظت “أخبار اليوم” خلال جولة لها بالمدينة، عودة الحياة إلى شبه طبيعتها العادية، حيث يظهر أن المتضررين الأشد من تداعيات جائحة كورونا، لم يعد من خيار أمامهم بعد تفاقم الوضع المعيشي والاقتصادي سوى استئناف خدماتهم الحرة، أو إعادة فتح محلاتهم، أو فرش بضاعتهم على الأرض، أو عرضها في أيديهم، ولو أن كسر الحجر الصحي سيكون على حساب عداد الإصابات بالفيروس التاجي. واستمعت “أخبار اليوم” إلى شهادات أشخاص لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فلكل عقدة حلول بديلة ولو أنها ذات تكلفة باهظة، فبالنسبة لعدد من التجار والمهنيين في منطقة “سوق الداخل”، و”حي المصلى”، و”ادرادب”، و”مسنانة”، و”بوخالف”، و”المرس أشناد”، و”بني مكادة القديمة”، فبدؤوا بفتح محلاتهم التجارية خلسة، حيث قال بعضهم إنه يعرف أنه يخالف قانون الطوارئ، لكن “الله غالب”، لذلك يلجؤون إلى التحايل أو يتفقون مع أعوان السلطة من أجل إخبارهم إذا ما ظهر ضيف ثقيل آتيا في الطريق نحوهم. وعلى نفس النحو، ابتكر أصحاب مهن الحلاقة بدائل أخرى، فانتعشت خلال الأيام الأخيرة ظاهرة “الحلاقة السرية” داخل البيوت والمنازل، والسبب في ذلك هو “عدم اتخاذ إجراءات مصاحبة لتمديد الحجر الصحي”، يقول بدر الدين الوهابي، حلاق مهني في حديثه مع الجريدة، موضحا أنه كان بإمكان الحكومة طرح بدائل على غرار المعمول بها في أوروبا، وذلك بتقليص عدد المتواجدين في المحل، وأخذ الأدوار بالمواعيد المسبقة، لكن أصحاب القرار لجؤوا إلى الخيار السهل، وهو أصلح للموظفين غير المتضررين من الإغلاق الاقتصادي ولو استمر لعام كامل، حسب قوله. وكشف عدد من المهنيين عن امتعاضهم الشديد من غياب المخاطب الرسمي على صعيد الإقليم، ففي الوقت الذي ينشغل فيه والي جهة طنجةتطوانالحسيمة، محمد مهيدية، بالمتابعة الميدانية للمستشفيات ومراكز التكفل بمرضى “كوفيد 19″، ومعاينة المرافق الكبرى بالمدينة، فإن عمدة مدينة طنجة، ورئيس الغرفة الجهوية للصناعة والتجارة والخدمات، وباقي المنتخبين يجد المواطنون عندما يلجؤون إليهم أنه لا حول لهم ولا قوة، وهو ما يزيد الوضع غموضا وإشكالا خاصة لدى المتضررين. من جهة أخرى، هناك أسباب أخرى دفعت البعض الآخر إلى كسر الحجر الصحي، مرتبطة بظروف السكن الهشة، حيث قال عامل صباغة يقطن في حي عشوائي، في تصريح للجريدة، عندما استفسرته عن سبب كسر إجراءات الطوارئ الصحية، “إنه يعيش هو وأسرته المتكونة من خمسة أفراد في بيت صغير متكون من مطبخ وبهو وبيت ومرحاض، هل هذه الظروف تساعد على الحجر الصحي؟”.. يتساءل المتحدث باستنكار.