عاد فيروس كورونا المستجد ليؤكد صعوبة تدبير العلاقات الدبلوماسية ذات الطابع الاستراتيجي بين المغرب وإسبانيا، عندما يتعلق الأمر بقضية الثغرين المحتلين سبتة ومليلية، نظرا إلى أن الرباط لا تعترف بسيادة الجارة الشمالية عليهما، رغم إقرارها بسياسة الأمر الواقع. إذ في الوقت الذي جرت فيه عملية عودة آلاف الإسبان العالقين في المغرب، برا وجوا، بشكل سلس إلى الجزيرة الإيبيرية، وحتى إلى الثغرين قبل أسابيع؛ تعرف عملية ترحيل مئات المغاربة العالقين في سبتة ومليلية، منذ يوم الجمعة الماضي، بعض التأخر، نظرا إلى الخلاف الحاصل بين الرباطومدريد بشأن عدد المغاربة العالقين. وقد تسببت هذه الحساسية المفرطة، التي ترافق كل القضايا المرتبطة بالثغرين، في حدوث خلاف بين الطرفين في تحديد مفردي «عالق» و«مهاجر غير نظامي»، حيث إن المغرب يرغب في ترحيل العالقين فقط، أي الذين كانوا يوجدون في الثغرين قبل إغلاق الحدود يوم 13 مارس الماضي، لأسباب صحية أو مهنية أو سياحية، لكنه يرفض استقبال المهاجرين غير النظاميين المغاربة والقاصرين المغاربة غير المصحوبين الذين لا علاقة لإقامتهم بالثغرين بأزمة كورونا؛ فيما تحاول إسبانيا التخلص من مئات المغاربة، قاصرين وراشدين، الذين تسللوا قبل الأزمة إلى الثغرين بهدف الإبحار صوب الفردوس الأوروبي، من خلال دمجهم بين العالقين. علما أن عملية طرد وترحيل المهاجرين المغاربة من إسبانيا وتسليمهم للمغرب تحكمها اتفاقية ثنائية بين البلدين، موقعة منذ نهاية القرن الماضي، ولا علاقة لها بالظروف الاستثنائية الحالية. وفي الوقت الذي أكدت فيه مصادر قريبة من ملف العالقين ل«أخبار اليوم» أن الأمور تسير في اتجاه ترحيل جميع العالقين بإسبانيا، كشفت وكالة الأنباء الإسبانية «إيفي» أن عملية إجلاء العالقين في سبتة ومليلية، والتي انطلقت يوم الجمعة الماضي، «جُمِّدَت» بسبب «التباين الحاصل بين المغرب وإسبانيا حول العدد الحقيقي للمغاربة المفترض أنهم عالقون في سبتة ومليلية». وتقول مصادر من الحكومة المغربية إن عدد المغاربة العالقين في الثغرين لا يتجاوز 420 عالقا مغربيا، وفي المقابل، تتحدث إسبانيا عن 1300 مغربي في الثغرين، وفق «إيفي». وأحصت الحكومة المغربية 340 عالقا مغربيا في مليلية منذ الإغلاق الشامل للحدود في 13 مارس الماضي، 203 منهم جرى ترحيلهم ما بين يومي الجمعة والسبت الماضيين، فيما لايزال 140 عالقا آخر ينتظرون دورهم؛ لكن السلطات الإسبانية ترغب في ترحيل 600 مغربي دون احتساب ال200 مغربي الذين رحلوا بين يومي الجمعة والسبت. وقالت مصادر مغربية ل«أخبار اليوم» إن حكومتي سبتة (اليمينية) ومليلية (اليسارية) تحاولان التخلص من المهاجرين المغاربة الراشدين والقاصرين غير المصحوبين بترحيلهم مع العالقين المغاربة، علما أن بعض المهاجرين غير النظاميين لا يرغبون في العودة إلى المغرب، إذ تشير بعض التقارير الإعلامية إلى هروب مهاجرين مغاربة من بعض مراكز الإيواء المؤقت خوفا من ترحيلهم مع العالقين. ويبدو أن الحكومة المغربية تواجه الصعوبات نفسها في سبتة، حيث إنها حددت عدد العالقين في 280 مغربيا منذ إغلاق الحدود، لكن السلطات الإسبانية تتحدث عن 700 عالق مغربي. وأوضح مصدر حكومي مغربي ل«إيفي» أنه لا يمكن أن يتحول المغاربة، الذين ولجوا الثغرين بطريقة غير قانونية، إلى عالقين في ظل أزمة فيروس كورونا، في حين تقول رواية أخرى إن مندوبية الحكومة الإسبانية بسبتة بعثت لائحة المغاربة العالقين إلى الحكومة المركزية بمدريد قبل أن تحيلها هذه الأخيرة بدورها على نظيرتها في الرباط، لكن الجهات المغربية وجدت أسماء لا علاقة لها بلائحة العالقين التي تتوفر عليها الجهات المختصة المغربية، وهو الشيء الذي جعل هذه الأخيرة تتريث في مباشرة عملية الترحيل، مؤكدة أن عدد العالقين المحصيين في سبتة لدى الحكومة المغربية لا يتجاوز 200 عالق. أما في داخل الجزيرة الإيبيرية، فأكد المصدر القريب من الملف للجريدة أن عدد العالقين المغاربة المسجلين لدى السفارة يستقر في 400 عالق، لكن بعض التقارير الإسبانية تتحدث عن 1700 عالق، ما يؤكد البون الشاسع بين الأرقام المغربية والإسبانية. هذا الخلاف الذي خرج إلى العلن بين المغرب وإسبانيا، رغم العلاقات الجيدة التي تجمع بين البلدين منذ يونيو 2018، لا يمكن فهمه إلا في سياق الصراع الدائر بين حاكمي سبتة ومليلية والسلطات المغربية منذ إغلاق هذه الأخيرة معبر بني انصار الجمركي في فاتح غشت 2018، ومنع التهريب المعيشي من سبتة في بداية أكتوبر الماضي، حيث زعم حاكما الثغرين أن الرباط تريد «حصار» الثغرين اقتصاديا، فيما تبرر الرباط قرارها السيادي بحماية الاقتصاد الوطني الذي يعاني جراء تزايد حجم معاملات اقتصاد التهريب المعيشي. فحاكما الثغرين يحاولان، في الآونة الأخيرة، الضغط على الحكومة الإسبانية للحصول على ما يزيد على 800 مليون سنتيم يقولان إنهما صرفاها على إيواء المغاربة العالقين في الثغرين منذ إغلاق الحدود. من جهته، يشتغل حزب فوكس اليميني المتطرف، بكل ما أوتي من قوة، لتسميم العلاقات الثنائية بين مدريدوالرباط، إذ يضغط على الحكومة لطرد العالقين والمهاجرين المغاربة من سبتة، إلى درجة أنه وصف حكومة مدريد ب«دمية المغرب»، حيث زعمت تيريسا لوبيث، النائبة البرلمانية عن حزب فوكس، أن «حكومة بيدرو سانشيز جعلت إسبانيا دمية في يد المغرب»، وتابعت بسخرية: «العلاقات الممتازة مع المغرب، والتي تفتخر بها هذه الحكومة، تتأسس على أن يُرحل العالقون في الوقت والكيفية اللذين يريدهما المغرب».6