علاقة توظيف، بين الوباء الجاثم على أنفاس العالم حاليا، ومعركة الجيل الخامس للاتصالات التي ستحدد مستقبل البشرية. اتصل بي قبل يومين صديق ممن يقرؤون بنباهة كبيرة، يخبرني بأنه وقع من جديد عن طريق الصدفة على مقال كتبته هنا قبل نحو عام، تحت عنوان: «نحن وحرب 5G المقبلة»، تحدثت فيه عن موقع المغرب في ساحة مواجهة عالمية حتمية الوقوع، بسبب الجيل الخامس للاتصالات الذي تتفوق فيه الصين. صادف هذا الاتصال انشغالا قائما لدي، حيث أعود بين الفينة والأخرى إلى موضوع ربط فيروس كورونا بمعركة 5G الحامي وطيسها بين صين الشرق وأمريكا الغرب. لا أقصد هنا الرجم بغيب لا أملك مفاتيحه، ولا ادعاء التوفر على القرائن العلمية التي تثبت أو تنفي وجود علاقة مباشرة بين شبكة الاتصالات الجديدة وانتشار الوباء. بل أقصد وجود علاقة معينة، إما علاقة سببية وإما وحتى أريح القارئ من عناء فهم هذه العلاقة المحتملة بين الأمرين منذ البداية، ألخص له هذه العلاقة في إحدى فرضيتين، متناقضتين نعم، لكنهما تسندان بعضهما البعض في واقع الأمر. تقول الفرضية الأولى إن طرفا صينيا استغل فيروس كورونا، بتسريبه من مختبرات البحث أو العمل على نشره أو تمهيد الظروف اللازمة لانتشاره، من أجل التغطية على الآثار الصحية الضارة لشبكة الاتصالات الجديدة، وبالتالي، إلصاق التهمة بكائن بيولوجي بدل التقنية الجديدة. وترجح الفرضية الثانية أن يكون طرفا غربيا، أمريكيا بالخصوص، وراء «دس» الفيروس التاجي ونشره في الصين، ومن ثم باقي مناطق العالم، خاصة منها تلك التي شرعت في إقامة بنيات خاصة بجيل الاتصالات الجديد، من أجل إلصاق تهمة إضعاف المناعة وتفشي الفيروس بالشبكة الصينيةالجديدة. هناك صدفة غريبة تؤكد هذا الارتباط الغامض بين وباء كورونا وشبكة 5G الجديدة، اسمها مدينة «ووهان» الصينية. فشركات الاتصالات الصينية العملاقة أعلنت، خلال السنة الماضية، أنها قررت جعل المدينة أولى المدن النموذجية (pilot cities) لتسويق خدمات شبكة الاتصالات الجديدة، 5G، بطريقة تجارية، ما سيسمح بتحويلها إلى «مختبرات» مفتوحة لأولى تجارب الإدارة التكنولوجية الشاملة للحياة البشرية، عبر استخدام الذكاء الاصطناعي و«أنترنت الأشياء». فاعتماد الجيل الجديد للاتصالات على عدد كبير من القواعد على الأرض، أي ما يشبه اللواقط الموجودة حاليا، إلى جانب نظام «بايدو» للملاحة عبر الأقمار الاصطناعية (BDS) الذي طورته الصين في العقود الماضية، وأطلقت شهر مارس الماضي فقط قمره ال54؛ يسمح بالتحكم في كل شيء عبر شبكة لاسلكية شديدة الدقة وعالية السرعة. أولى التجارب العلمية التي قامت بها الصين في هذا المجال تمثلت في تطبيقات تسمح بتطوير التدريس عن بعد من خلال الواقع الافتراضي، وذلك بفضل الصبيب المرتفع لتدفق المعطيات والدقة العالية في تحديد الموقع الجغرافي… ومما أفزع القوى الغربية، المتخلفة في هذا المجال مقارنة بالصين، أن هذه الأخيرة عرضت، في الدورة الأخيرة من معرض برشلونة لتكنولوجيا الاتصالات، نموذجا لسفينة مجهزة بتكنولوجيا الجيل الخامس، ويمكنها الإبحار دون حاجة إلى قبطان أو فريق قيادة بشري، وهو ما نقرأ عنه مقالا كتب بنبرة من الهلع في الموقع الرسمي للخارجية الفرنسية. هنا برز في الواجهة نقاش علمي حول تسبب شبكة الاتصالات الجديدة في إشعاعات مضرة بالصحة، تؤدي أساسا إلى إضعاف المناعة. ودون الخوض في التعقيدات العلمية، يكفي القول إن طبيعة ما يصدر عن هذه الشبكة من إشعاعات لا تختلف في شيء عن شبكة الجيل الرابع أو شبكة «الويفي» مثلا، وبالتالي، لا يمكن اتهام 5G بأضرار مختلفة عن تلك التي تسببها الشبكات السابقة. هنا نصل إلى تتمة الفرضيتين المتناقضتين، حيث تقول الفرضية الغربية إن الصين حقنت سكان منطقة «ووهان» بلقاح أضعف مناعتهم قبل بضعة شهور، ثم أطلقت فيروس كورونا ليغزو أجسامهم حتى يخفي الوباء النتائج الصحية السلبية لشبكة الاتصالات الجديدة التي أقامتها في هذه المدينة. في المقابل، تتهم الصين أطرافا غربية، أمريكية بالخصوص، بنقل فيروس كورونا المنحدر من سلالة الفيروسات التاجية المعروفة سلفا، إلى عاصمة التجربة الصينيةالجديدة في مجال الاتصالات، والعمل على انتشاره انطلاقا منها، لإلصاق تهمة الضرر الصحي بالجيل الخامس للاتصالات الذي تتفوق فيه الصين على بقية العالم. وقد صدر هذا الاتهام عن المتحدث الرسمي باسم الخارجية الصينية. بعد شهور قليلة من مقالي عن موقع المغرب في حرب الجيل الخامس المقبلة، وتحديدا في بداية دجنبر الماضي، استقبل المغرب كاتب الدولة الأمريكي، مايك بومبيو، في أول زيارة من هذا المستوى الدبلوماسي لمسؤول أمريكي إلى المغرب منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وفي الوقت الذي انشغل فيه الجميع بزوبعة المحاولة التي يفترض أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، قام بها لمرافقة بومبيو على متن طائرته إلى المغرب؛ حرصت الإدارة الأمريكية على «تسريب» التفاصيل الكاملة للزيارة، لتمرير رسالة تقول إن بومبيو جاء أولا وقبل كل شيء لتحذير السلطات المغربية من إقامة البنيات الخاصة بالجيل الخامس للاتصالات، باعتبارها وسيلة صينية للتجسس على الدول واختراقها. في واقع الأمر، باشر المغرب، بعد تلك الزيارة، استكمال مشروع استفادته من الشبكة الصينيةالجديدة، كما كان الشأن مع بريطانيا التي أعلنت بدورها مضيها في المشروع، مع استثناء المنشآت العسكرية والحيوية من مجال ولوج الأعين الصينية الواقفة وراء التكنولوجيا الجديدة. وبعد الهجوم الإعلامي المكثف الذي انطلق ضد الصين الصيف الماضي، بدعوى اضطهادها لمسلمي الإيغور، جاء وباء كورونا ليتسيّد المشهد منذ نهاية العام الماضي، ويصبح تهمة جديدة أكثر تسببا في الفزع، موجهة ضد الشبكة الجديدة للاتصالات. وحتى نبقى في دائرة ما يهمنا بشكل مباشر في «حرب النجوم» هذه، أعود إلى مقالي السابق لأذكر بأن شركة «هواوي»، التي تعتبر الذراع الصيني الأكبر في «تصدير» الجيل الخامس للاتصالات، تعتمد المغرب باعتباره إحدى منصاتها الأساسية في الزحف على العالم. وانطلاقا من المغرب، تغطي «هواوي» 29 دولة إفريقية، أي أكثر من نصف القارة، فيما يغطي مكتب جنوب إفريقيا 27 دولة. وإذا كنا اليوم نواجه بكثير من الفعالية وقليل من الخسائر البشرية وباء كورونا المستجد، فإن علينا أن نستعد لمواجهة أي أشكال جديدة لحرب الجيل الخامس وما بعده، فالآتي يبدو أكثر سوءا.