بحث قضائي تمهيدي فتحته الشرطة القضائية بقلعة السراغنة، ابتداءً من صباح أول أمس الأربعاء، في شأن حادث مصرع مريض، على إثر سقوطه من نافذة مصحة خاصة بالمدينة نفسها، مساء الثلاثاء المنصرم، وهو البحث الذي استهلته الضابطة القضائية بالاستماع إلى مدير المصحة، في الوقت الذي أصدر فيه الوكيل العام للملك بمراكش تعليماته بإجراء التشريح الطبي للجثة المودعة حاليا في مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي “السلامة” بالمدينة، من أجل تحديد الأسباب الحقيقة للوفاة. واستبعدت مصادر مطلعة فرضية الانتحار، موضحة أن المريض، البالغ من العمر 70 سنة، المنحدر من الجماعة القروية “العثامنة”، سبق له أن خضع لعملية جراحية بالمصحة، الاثنين الماضي، من طرف طبيب مختص في المسالك البولية يعمل في مستشفى “ابن زهر” بمراكش، لعلاجه من احتباس البول بسبب تضخم البروستاتة، مرجحة أن يكون التدخل الجراحي استغرق وقتا طويلا أكثر من المعتاد، وهو ما قد يكون ناجما عن تسرب المحلول المستعمل في توضيح الرؤية للطبيب خلال إجراء العملية، عبر إدخال منظار في مجرى البول، مضيفة أن تسرب المحلول إلى الدم قد يكون تسبب في مضاعفات ظهرت على المريض، ساعات قليلة بعد انتهاء العملية، وهي الأعراض المتمثلة في الغثيان والقيء وضباب الرؤية وارتفاع ضغط الدم. وتابعت المصادر نفسها أن الحالة الطبية المفترضة المذكورة نادرة الحدوث، ومعروفة علميا ب Le TURP syndrome، وتعتبر إحدى مضاعفات جراحة البروستاتة عن طريق الإحليل، وقالت مصادرنا إن الإجراء الصحي الذي كان مفترضا اتخاذه من طرف المصحة هو أن يتم وضع المريض تحت العناية الطبية داخل قاعة مراقبة لا أن يُترك في غرفة عادية بالطابق الأول للمصحة المذكورة، وأن يتولى الطبيب الذي أجرى له التدخل الجراحي متابعته طبيا، لا أن يجري العملية ويغادر قلعة السراغنة إلى مقر عمله بمراكش، وتتكلف ممرضة متدربة، نيابة عنه، بمتابعة الحالة الصحية للمريض، الذي كان يعاني من مضاعفات خطيرة معروفة علميا بأنها قد تؤدي، أحيانا، إلى الغيبوبة أو حتى الوفاة. ورجحت مصادرنا أن يكون المريض نهض من سريره لقضاء حاجة طبيعية، غير أنه، وبسبب المضاعفات التي كان يعاني منها، سقط من النافذة التي لا تتوفر على شباك خارجي حديدي، حوالي الساعة الثامنة من مساء الثلاثاء الفارط، ليُصاب بكسور على مستوى الحوض والعمود الفقري ونزيف رئوي، ويقوم مستخدمو المصحة بإعادة إدخاله إليها، ونقله إلى قسم الإنعاش بها، الذي لم يرقد به سوى ساعات قليلة، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، حوالي الساعة السادسة من صباح اليوم الموالي. في غضون ذلك، وفضلا عن مطالبها بفتح بحث قضائي تمهيدي في شأن ظروف وملابسات الحادث، تطالب فعاليات حقوقية وجمعوية محلية بفتح تحقيقي إداري من طرف الجهات المختصة في وزارة الصحة ومديريتها الجهوية بمراكش، خاصة وأن الطبيب الذي أجرى العملية يعمل بالقطاع العام، ناهيك عن أنه خرق إجراءات الحجر الصحي، وانتقل من مراكش لممارسة عمل إضافي بقلعة السراغنة، وكذا في شأن عدم توفر شروط السلامة بالمصحة المذكورة، التي تقول الفعاليات المحلية إن دفتر التحملات الخاص بها لا يتضمن تخصص جراحة المسالك البولية. في المقابل، أكد مدير المصحة عدم وجود أي تفسير علمي للحادث، نافيا، في اتصال هاتفي أجرته معه “أخبار اليوم”، أن تكون المصحة أجرت جراحة للمريض عن طريق الإحليل، موضحا أن هذا النوع من العمليات يجُرى للأشخاص من ذوي البروستاتة الصغيرة، خلافا لحالة المريض الذي قال إنه خضع لعملية جراحية على مستوى سطح البروستاتة، نظرا لأنها من النوع الكبير. وأضاف أن الطبيب القادم من مراكش كان مساعدا لطبيب تابع للمصحة في التدخل الجراحي، معتبرا أن استقدام أطباء من مدن أخرى خير من إحالة مرضى المنطقة على مستشفيات خارج المدينة، مع كل ما يمكن أن يتسبب لهم فيه ذلك من احتمال انتقال عدوى “كوفيد-19″ إليهم. وأكد المدير أن مصحته أخبرت عائلة المريض فور وقوع الحادث، كما أشعرت السلطات المحلية والشرطة، التي قال إنها فتحت تحقيقا أمنيا، مشيرا إلى أن المريض كان يحظى بمتابعة صحية دقيقة من الطاقم الطبي الذي أجرى له العملية، التي قال إنها كانت بسيطة، لافتا إلى أن المريض كان طلب من الإدارة بأن يغادر المصحة في اليوم الموالي لإجراء العملية، قبل أن يُصاب كل العاملين بها بذهول وصدمة بعد وقوع الحادث. وأشار إلى أن دفتر تحملات المصحة يتضمن جميع التخصصات الجراحية، معبرا عن استيائه مما وصفه ب”الحملة الظالمة” التي قال إنه تعرّض لها بوسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مذكّرا أن مصحته سبق لها أن وضعت جناحا تحت تصرف المصالح الصحية المحلية المختصة في مواجهة “كورونا”، كما وضعت رهن إشارتها جهازين للإنعاش. وأصدرت المصحة بلاغا، أمس الخميس، أوضحت فيه أن الوفاة لا علاقة لها بموضوع فاتورة تكاليف العملية، التي قال البلاغ إنها تكللت بالنجاح، لافتا إلى أن المصحة وضعت كل ما تتوفر عليه من معلومات ووسائط مرئية (تسجيلات الكاميرات) رهن إشارة الشرطة القضائية استجلاءً للحقيقة.