لايزال دواء “الكلوروكين” موضوع جدل دولي كبير، بالرغم من اعتماده كعلاج من طرف عدد من حكومات الدول بما فيها المغرب، وذلك في ظل انعدام الخيارات لمواجهة فيروس “كورونا” ومجابهة سرعة انتشاره، لكن النجاح الذي أبانه في التجارب السريرية إلى حدود اليوم، جعله يتربع على عرش العقارات الممكنة كعلاج واعد يوقف زحف هذا الفيروس ويخلص البشرية من مواجعها. ولعل هذا المنطق هو ما دفع المغرب أخيرا، إلى إقرار تعميم علاج الكلوروكين على كل حالة محتملة مصابة بفيروس كورونا المستجد تظهر عليها الأعراض، دون انتظار النتائج المختبرية، وذلك بالرغم من الموقف المعاكس لمنظمة الصحة العالمية التي تستند إليها وزارة الصحة عادة، والتي حذرت من مغبة استخدام عقاقير لم تثبت فعاليتها للمصابين بكورونا ومن الآثار الجانبية للدواء، ومن إعطاء أمل زائف للمرضى. وتأتي التوجيهات الجديدة للمغرب في دورية بعثتها وزارة الصحة إلى المديرين الجهويين للصحة ومديري المراكز الاستشفائية الجامعية ورئيس المجلس الوطني للأطباء، قالت فيها إن القرار جرى اتخاذه بناءً على توصيات اللجنة التقنية والعلمية الاستشارية التابعة للبرنامج الوطني للوقاية ومراقبة الأنفلونزا والأمراض التنفسية الحادة. وبناء على المصدر ذاته، فإنه يتوجب على المستشفيات الإقليمية مباشرة العلاج، وفق البروتوكول المفصل في الدورية رقم 023 بتاريخ 24 مارس الخاصة باستعمال الكلوروكين، لدى كل حالة محتملة إصابتها بفيروس كورونا دون انتظار نتائج التحليل المخبري، على أن يتم توقيف العلاج إذا كانت النتيجة سلبية، أي ثبوت عدم إصابتها بالفيروس. رواية المؤيدين يبدو أن تجاوز المغرب سقف 1000 إصابة مؤكدة، بوتيرة سريعة خلال الأيام القليلة الماضية، ونشوء بؤر عائلية تكاد تربك حسابات الوزارة الوصية، دفع السلطات الصحية إلى إقرار هذا العلاج فورا على جميع الحالات المحتملة، وليس فقط الذين تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا المستجد، وهو ما يراه عدد من الأطباء والأخصائيين المغاربة “أمرا إيجابيا ومحمودا”، بالنظر إلى كون إيجابيات “الكلوروكين” أكبر بكثير من أضراره، وعلى رأسهم البروفسور شكيب العراقي، الذي كان قد طالب منذ مدة الحكومة باعتماد هذا الدواء على جميع الحالات المشكوك فيها أو المحتملة. البروفسور العراقي، وفي تصريحه ل”أخبار اليوم”، شدد على أن المنطق الطبي اليوم، يستدعي وصف دواء “الكلوروكين” لأي شخص يحتمل إصابته بالفيروس، وإن كان مجرد شك بسيط، على اعتبار أن لا أحد يصاب بالأنفلونزا في شهر أبريل أو ما بعده. وثمن العراقي قرار الحكومة، مشيرا إلى أنه الحل الأخف والأكثر حكمة لتطويق المرض، والبؤر العائلية التي يتسبب فيها ويقطع الطريق أمام انتشاره، مضيفا “أن الدواء متوفر في المغرب وبثمن يراعي جيب المواطن والدولة، ثم إنه إذا لم يشفي، فالأكيد لن يضر وأنا هنا أتحدث من موقعي كطبيب أخصائي، أعراضه قليلة وضعيفة جدا، وإن كان أخذه ينبغي أن يكون تحت إشراف طبي”. من جانبه، رحب البروفسور الأخصائي في علم الفيروسات المصطفى الناجي، بدوره بقرار المغرب تعميم علاج الكلوروكين على كل حالة محتمل إصابتها بفيروس كورونا المستجد، مشيرا إلى أن ما دفع الوزارة إلى اتخاذ هذا القرار هو “انتشار رقعة المرض وظهور البؤر، وتجاوز عدد الحالات المحلية الداخلية 90 في المائة من مجموع الإصابات”. وقال الأخصائي والأستاذ الجامعي إن المغرب يسير وفق خطة محكمة من أجل تطويق هذا الوباء والحد من انتشاره، فبعد قرار الحجر الطبي جرى تعميم الكمامات، إضافة إلى تعميم دواء “الكلوروكين” على كافة الأشخاص المحتمل إصابتهم، خاصة وأنه في كل بؤرة عائلية يعادي المصاب الصفر باقي أفراد الأسرة الواحدة، وهذا ما أثبتته التجربة المغربية، كل مصاب يكون معه مصابين آخرين من المخالطين في البيت عينه. أمام هذا الوضع أقرت الهيئة المكلفة هذا التعميم، خاصة وأن في انتظار الأعراض إهدار للكلفة الباهظة، وإهدار للوقت أيضا. ويعتبر الناجي أن هذا القرار الجديد، يدخل في إطار الخطة الاستباقية، خاصة وأن علاج الكلوروكين ، والإيدروكسي كلوروكين، مع الزنك في بعض الأحيان، يعطي فعالية كبيرة، “وهو ما أثبته عدد من التجارب، بحيث أنه عندما يوصف هذا الدواء في بداية المرض يسهل عملية الشفاء، ثم إن الأخصائيين والأطباء، حاليا، يؤكدون على أنه إذا جرى رصد عينة لحالة واحدة مصابة وجب وصف الدواء لجميع المخالطين، وهذا الدواء إذا لم ينفع أكيد لن يضر”، على حد تعبير الأخصائي. وبخصوص الأعراض الجانبية للدواء، يقول الناجي، “هذه الأعراض الجانبية لا تكون إلا إذا كانت الحالة مصابة، أساسا، بأمراض أخرى مرتبطة بالكلي، أو القلب والشرايين أو أمراض مزمنة أخرى، ولكن في غالب الأحيان لا توجد أعراض، فالطبيب يقوم بتشخيص قبلي على المريض قبل أن يصف الدواء”. وشدد المتحدث على أن الحالة كلما كانت شابة وذات قوة بدنية تسهل عملية الشفاء من الوباء بالكلوروكين، “خاصة قبل بلوغ 50 سنة، كما أن الطبيب وفي جميع الحالات يقوم بتتبع كل حالة على حدة ويصف لها الدواء. ففي اليوم 9 تؤخذ عينة لمعرفة مستوى الفيروس، والأمر عينه في اليوم العاشر، وفي حالة لم يكن الفيروس يكون الشفاء قد تحقق، وهذه الطريقة ستمكننا من نقص الحالات للخروج من الأزمة سريعا”. مخاوف المشككين في المقابل، هناك مخاوف من استعمال هذا الدواء. مصطفى كرين، يعتقد من جهته، أن الكلوروكين أثبت نجاعته في علاج الملاريا والروماتيزم لما يزيد عن 60 سنة، لكن في حالة كوفيد 19 حاليا “لا نملك الحد الكافي من الدراسات لنجزم بأنه فعال أو غير فعال”. كرين، وفي تصريحه ل”أخبار اليوم” أشار إلى أنه ولحد الآن يوجد رأيين منقسمين بخصوص الكلوروكين، بين من يقول إنه أثبت نسبة من الفعالية من خلال دراسات ديديه راؤول، وبين من يقول العكس، لكن لا يمكن في كلتا الحالتين الجزم بموقف ثابت. وشدد الدكتور كرين، على أن الآراء المؤيدة لدراسات ديديه راؤول تعزز طرحها بكوننا أمام حالة استعجال، لذلك وجب استعماله وإقراره، لكن هذا المنطق، إذا ما استندت عليه الحكومة في قرارها، حسب الأخصائي، فإنه “يمكن أن نطبقه، أيضا، على بعض اللقاحات التي توصلت لها دول أخرى، والتي يمكن أن تكون هي الأخرى فعالة”. وأضاف المتحدث “أن هذا المنطق الذي تعاملت به الحكومة مع الكلوروكين، لماذا لا يتم اعتماده إذن، مع هذه اللقاحات التي نقول إنها فعالة. إذن لماذا لا نلقح العالم؟”، يقول كرين متسائلا، قبل أن يضيف “لم نلقح لأن هذه اللقاحات يجب أن تخضع لعدد من التجارب وعدد من الدراسات من أجل أن تثبت نجاعتها، لأن المهم ليس فقط، الفعالية، بل، أيضا، السلامة على المدى القصير والمتوسط، وكذلك، على المدى الطويل”. وشدد كرين على أن معطيات السلامة في المدى القصير والمتوسط والطويل بخصوص “الكلوروكين” نتوفر عليها فقط، فيما يتعلق بحالات الناس الذين لديهم الملاريا أو أمراض الروماتيزم، فيما “لا نتوفر على ما يكفي من الدراسات والتجارب السريرية على من تعافوا بالكلوروكين من كوفيد 19، لنؤكد أنه فعال وآمن، وهذان المبدآن أساسيان من أجل تبني أي دواء”، يقول المتحدث. ولتمحيص الفكرة أكثر، يقول كرين: “نسمع كثيرا عن سحب وزارة الصحة لدواء ما، وهذا تفسيره أنه كان فعالا، لكن أثبت بعد مرحلة من المراحل أنه غير آمن، لذلك يجري سحبه، وهنا تطرح الفعالية والأمان الواجب تحقيقهما لاعتماد أي دواء، بما في ذلك الكلوروكين في هذه الظرفية التي يعيشها العالم”. وختم كرين تصريحه بالقول “أنا لا أقول إن الكلوروكين غير فعال، أو غير آمن. فمن الممكن أن يكون العكس، ولكن المشكل هو كيف نثبت ذلك؟ اليوم يقارب عدد المصابين 2 مليون مصاب بفيروس كلوريكين. طيب، ما الذي سيضمن لنا أن لا نصادف مستقبلا ملايين الناس مصابين بأمراض معينة بسبب استعمال الكلوروكين في الشفاء من كوفيد في فترة ما، ثم كيف سنعلم غدا مضاعفات أخرى؟ وكيف سنتعامل معها؟”، يتساءل الطبيب، مضيفا “مسؤولية استعمال الكلوروكين يتحمل عواقبها من اتخذ القرار لتعميمه، في وقت لايزال النقاش مفتوحا ولم يُغلق بعد، ثم إن تطورات علاج الذين خضعوا للكلوروكين هي التي ستحدد لنا إلى أي مدى كان هذا القرار صائبا”. الموقف عينه لمصطفى كرين عبر عنه، أيضا، عبدالرحمان المشراوي، رئيس أطباء سابق في مستشفى فلنسبورغ بشمال ألمانيا، المتخصص في الأمراض الباطنية وأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم، الذي أكد في حوار صحافي مع أحد المواقع أن الدواء أثبت نجاعته منذ عقود في مكافحة الملاريا، فيما يفترض أن يساهم في تخفيض معدل الوفيات ب”كوفيد-19″، غير أنه إلى حد الآن، لم تثبت أي دراسة علمية ذلك على الإطلاق. المشراوي، قال إنه كان على المغرب استخدام بروتوكول العلاج بالكلوروكين كاختبار فقط، من خلال دراسة مقارنة، إذ لا يوجد حتى الآن، أي دليل على أن هذا العلاج يقلل إحصائيا بشكل كبير من الوفيات (المعيار الصلب الوحيد الذي يضمن الفعالية). ويعتبر الأخصائي، أن الكلوروكين، وجب أن يوصف فقط، كدراسة علمية أو “للاستخدام بدون تصريح” (Off-Label-Use). كما يجب إبلاغ المرضى بطبيعة هذه الدراسة وفقًا للمعايير المعتادة “للطب المسنود بالدليل”، كون جائحة “كوفيد-19″ هي حالة طارئة لا يبرر منح المرضى أملا غير مبرر، عبر عقار لم تظهر نجاعته في إنقاذ الحياة حتى الآن، لأنه لم تثبت أي دراسة حتى الآن، أن هيدرو كلوروكين بمفرده أو ممزوجا مع أزيثروميسين أو الزنك، يقلل بشكل كبير من الوفيات. ويحصي الأخصائي الآثار الجانبية ل”الكلوروكين” في إمكانية أن يتسبب المفعول غير المرغوب فيه عند استعمال جرعات عالية، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض عديدة، اضطرابات عضوية وظيفية مختلفة، مثل العمى وأمراض عضلة القلب واضطراب ضربات القلب وحالات الانهيار وفشل الكبد، وما إلى ذلك. عقار منافس على غرار “الكلوروكين”، الذي اعتبره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق “هبة من السماء” تسارع المختبرات العالمية، نحو العثور على دواء آمن لهذا العدو غير المرئي الذي أصاب أكثر من 1.5 مليون شخص وتسبب في وفاة نحو 90 ألفا آخرين حول العالم، إذ برزت عدة أسماء لأدوية وعقاقير أظهرت فعالية لمحاربة “كوفيد 19″، لكنها وإلى حدود كتابة هذه الأسطر لم تُعتمد بشكل نهائي. ومن بين هذه الأدوية التي سطع نجمها مؤخرا إلى جانب “الكلوروكين” باعتبارها من العلاجات المحتملة لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، نجد “أفيغان” الياباني، والذي يستخدم في الأصل لعلاج الأنفلونزا، إذ يعتقد باحثون أن تأثيره فعال تجاه الفيروسات الأخرى، خاصة بعدما أثبت نجاحه في أكثر من اختبار سريري مؤخرا. وستصبح ولاية ماساتشوستس أول ولاية أمريكية تجرب العقار الياباني على البشر، بعد الحصول على الضوء الأخضر من إدارة الأغذية والدواء، لاستخدامه كعقار محتمل ضد وباء كوفيد-19، وبدأت ثلاثة مستشفيات كبرى في بوسطن باختبار الدواء المضاد للفيروسات، على مجموعة عشوائية من البشر، فيما ذكر مسؤولون صينيون أن الدواء “فعال بشكل واضح ولديه درجة عالية من الأمان”، بعدما حقق نتائج إيجابية في عملية تجريبية شملت 320 مريضا من “ووهان”. الدواء الذي ظلت اليابان تروج له منذ أواخر مارس، كعلاج محتمل للوباء، والذي تنتجه شركة Fujifilm Holdings Corp، اليابانية التي تعتزم، أيضا، توفيره لنحو 50 دولة، في إطار شراكة دولية لتجريب الدواء، حصلت عليه كذلك الجمهورية المصرية لتكون بذلك أول دولة عربية تضع هذا الدواء الحامل للجنسية اليابانية قيد التجريب. وأعلن خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالي في مصر، إن بلاده حصلت على عينات من عقار “أفيغان” الياباني، لاستخدامه في إجراء تجارب لعلاج فيروس كورونا منذ شهر، مشيرا إلى أن “هناك عينات أكثر من هذا العقار ستصل مصر خلال الأسبوع المقبل، لإجراء تجارب سريرية ومعملية”، لافتا إلى أن هناك بحوثا مشتركة مع اليابان في هذا المجال. وبشأن أهمية دواء “أفيغان”، قال وزير التعليم العالي المصري إنه مُستخدم منذ فترة، ويندرج تحت فئة عقارات مواجهة الفيروسات، حيث يعمل على عملية انقسام الفيروسات. وذلك بعكس عقار هيدروكسي كلوروكين الخاص بالملاريا، مشيرا إلى أن مصر تعمل وفق بحوث علمية على هذين الدواءين، وتستخدمهما في محاولة العلاج من فيروس كورونا، لمعرفة مدى تأثيرها. وقال عبدالغفار إن مصر تواصلت مع الصين للحصول على كميات كبيرة من المادة الخام المستخدمة في إنتاج عقار “أفيغان” الياباني، كاشفا عن أن مصر تستعد للبدء في تصنيعه داخل البلاد. هل يكون «أفيغان» حلا؟ للإجابة عن هذا السؤال، كان لا بد من الرجوع إلى مصطفى الناجي، الأخصائي في علم الفيروسات ومدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، الذي قال إن من مميزات فيروس كورونا المستجد، والتي يستغلها في الانتشار بقوة وبوتيرة سريعة، هو غياب مضاد خاص به هو فقط، على عكس أغلب الفيروسات. وأشار الناجي في تصريحه ل”اليوم 24″ إلى أن دواء “أفيغان” الياباني برهن عن فعاليته الكبيرة في محاربة فيروس “كوفيد 19″، والتي تكمن أساسا في مكونه الأساسي: favipiravir، وهو عقار ظهر لأول مرة في 2014 من أجل معالجة فيروس الأنفلونزا، وهو فيروس من صنف عائلة corto-mixo virus، وهي العائلة التي تعطينا .la grippe وتتجلى فعالية هذا الدواء الجديد في كونه يوقف تكاثر الحمض النووي الذي يحتويه فيروس كورونا المستجد، ولهذا أبان عن فعالية مهمة ضد الأنزيم التي تجعل تكاثر جينات هذا الفيروس التي تسمى في arn البوليزيمات. وهذا الدواء، على حد تعبير الأخصائي، يوقفها “كما أن هذا العقار الجديد الذي تروج له اليابان أبدى، أيضا، فعاليته لدى الصينيين الذين أكدوا فعاليته ضد فيروسات أخرى، من بينها الحمى الصفراء وغيرها، وأيضا بيّن نجاعته في مجموعة من الفيروسات الأخرى المنتمية إلى فيروسات arn، ولكن إلى حد الآن، لا يمكن أن نجزم بأنه الدواء المثالي لكوفيد 19”.