لم يتردد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، طوال شهرين كاملين إلى حدود منتصف شهر مارس الماضي، في إطلاق تعليقات تستخف بالخطر المحدق ببلاده، وبباقي بلدان العالم، جراء انتشار فيروس كورنا المستجد، الذي أعلنت منظمة الصحة العالمية، آنذاك، عن تحوله إلى جائحة عالمية، لكن ترامب نفسه عاد، بعد أن تفشى الفيروس بشكل مرعب داخل الولاياتالمتحدة، ليعدل من خطابه بشكل معكوس تماما. في بداية الأزمة، ومع تسجيل أولى حالات الإصابة بين الأمريكيين، رفض ترامب التجاوب مع دعوات، طالبته باتخاذ إجراءات احترازية لمنع تفشي الوباء في البلاد، مبررا ذلك بالكلفة السلبية، التي سيتكبدها الاقتصاد، ومتهما خصومه، لاسيما الديمقراطيين، بتسييس موضوع كورونا لكسب الأصوات في سنة انتخابية، ولم يعدل من خطابه إلا مع بلوغ عدد المصابين عشرات الآلاف، جلهم في نيويورك، حيث أعلنت حالة الطوارئ. ومنذ ذلك، أصبح ترامب يخصص، يوميا، ما يصل إلى ساعتين خلال فترة ذروة البث التلفزي، ليوجه مزيجه الفريد من الإهانات، والمزاح، والتباهي، حيث لا يتردد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في إظهار امتعاضه تجاه الصحافيين، فيصف أحدهم ب”البغيض”، ويصنف آخر “من الدرجة الثالثة”، لكنه في الوقت نفسه لا يتأخر في عقد مؤتمراته الصحافية الصاخبة حول مستجدات فيروس كورونا. وبدأت إيجازاته الصحافية كسبيل لإطلاع أمته القلقة على مستجدات وباء كوفيد-19، لتجعل من مسؤولين في قطاع الصحة مثل الخبير في الأمراض المعدية أنتوني فاوتشي اسما في كل بيت أمريكي، أما نائب الرئيس، مايك بنس، صاحب الشخصية الباهتة، فقد حظي بالاحترام لتقاريره الهادئة، ولكن الصريحة حول أعداد المرضى، والوفيات. وتلك المؤتمرات تحولت للحديث حول أكثر الرؤساء المحبين للأضواء، إذ جعل ترامب نفسه الممثل البطل، والمنتج، والمخرج لآخر برنامج من تلفزيون الواقع دأب على أداء دوره معظم حياته — رئيسا قويا سريع الغضب. لكن، لا بد أن العديد من أولئك المشاهدين هم أمريكيون يأملون فقط الحصول على معلومات حول الوباء، أي مجرد جمهور متلق. وبحلول أمس الخميس، ضاق ذرع كثيرين، من بينهم مجلس التحرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، الذي حض ترامب على ترك المؤتمرات الصحافية للخبراء، وعدم إكثار انخراطه فيها. وسارع ترامب للرد بغضب على صحيفة “وول ستريت”، في تغريدة، وقال فيها “أخبار مضللة”، لكن ترامب، وفي شبه استجابة لمقال الصحيفة، غادر، أمس، وللمرة الأولى الإيجاز الصحافي بعد قرابة 20 دقيقة فقط. وبقي الخبراء لتقديم المعلومات، تماما كما أوصت صحيفة وول ستريت. وحتى واقعة، أمس، كانت الايجازات تتبع نمطا منسقا بعناية مخصصا لتعظيم ترامب، وعندما يأتي دور مرافقي الرئيس للحديث، كان أول ما يفعلونه هو الإشادة به، ومن الأمثلة البسيطة على ما قيل:” الرئيس قام بعمل جيد جدا ….” و”أود أن أبدأ بشكر الرئيس ترامب” و”مثال آخر على القيادة الجريئة للرئيس ترامب”، و”من الرائع أن نرى دول العالم تجتمع خلف الرئيس ترامب” . وليست الأمور بهذه الحماسة بين ترامب والصحافيين، إذ هجماته على وسائل الإعلام ليست بالشيء الجديد، لكن في قاعة تضم عددا قليلا من الصحافيين، المسموح لهم بالدخول وسط إجراءات التباعد الاجتماعي، فإن عدوانيته تأخذ طابعا شخصيا متزايدا.