لأول مرة يجمع المغاربة والعالم على أن القرارات الحكيمة التي كان سباقًا إلى اتخاذها الجالس على العرش، في عز أوقات اجتياح الفيروس الفتاك كورونا وبلوغه الذروة في دول أوروبا والغرب بشكل عام، كانت مهمة وحاسمة لكبح جماح هذه الجائحة العابرة للقارات. إلا أن أهم هذه القرارات، هو إعطاء الأوامر لوزارة الصحة أن تقتني كل مخزون الشركة الفرنسية سانوفي المستقرة بالمغرب قبل أن يتم إرساله لفرنسا من دواء ” Nivaquine ” المستخلص أساسا من عقار ” La chloroquine” ، الذي انعكس إيجابيا على مرضى ” COVID-19 ” وأثبت نجاعته في معالجة فيروس “كورونا”. ثم تبعه قرار آخر أكثر أهمية، وهو أن يأمر الملك محمد السادس بالترخيص للمستشفيات بمباشرة استعمال هذا الدواء فورًا. هذا القرار الأخير كان الملك سباقًا لاتخاذه، في الوقت الذي منع رؤساء دول متقدمة استعماله في مستشفياتها. والغريب أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وبعد يومين فقط من هذا الترخيص سارع إلى التراجع عن مرسوم منع استعمال الدواء بفرنسا الذي أصدره، وقام بتعديله ورخص بمعالجة المصابين بكورونا بالمستشفيات الفرنسية اعتمادا على نفس الدواء. يجب الاعتراف اليوم أن دولا متقدمة أخرى مثل إيطاليا، وإسبانيا وأمريكا أصبحت عاجزة أمام تفشي جائحة كورونا وتعد هذه الأيام موتاها بالآلاف ومصابيها بعشرات الآلاف نظرًا لقرارات قادتها المتعثرة والمتأخرة جدا في دخول الحجر الصحي. وبينما استهان رئيس الوزراء البريطاني بفيروس كورونا، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ظل يتبجح طيلة شهرين ونصف حتى أتت كورونا على الأخضر واليابس بولايات عديدة من أمريكا، فعرّض الأمريكيين بقراره دخول ولايات للحجر الصحي دون أخرى للفتك، ولا أدل على ذلك من الأرقام المهولة، وهي كالآتي: 116448 مصاب و2000 قتيل لغاية اليوم نهارا بسبب الاقتصاد. تعالوا نأخذ العبر مادام المغرب “لازال في بداية” الاجتياح. فالأرقام التي نسمعها اليوم هي مؤقتة ويجب أن تستعد لأرقام أخرى قد تكون مهولة إن لم نتبع خطوات ضرورية يوصي بها خبير الأمراض المعدية وصاحب البروتوكول المعالج نسبيا لوباء كورونا المستجد البروفيسور ديديي راؤول الذي يعتمد العالم نصائحه. لنبحث في أوجه الشبه والاختلاف بيننا وبين هذه الدول لنتخطى هفواتها. ولتعميق الفهم فهناك تجارب مهمة بالأساس، منها “كالتجربة الفاشلة جدا Le plan le plus pessimiste كإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدةالأمريكيةوفرنسا اليوم. رؤساء هذه الدول تجنبوا فرض الحجر الصحي في بداية الأزمة تغليبا “لمصلحة اقتصاداتها”، وتضحية بالشعوب ولبهذا يعيشون اليوم هول الكارثة. والنموذج البريطاني الذي استهان بوباء كورونا اعتقادا منه أن البريطانيين بملامستهم للفيروس سيكتسبون المناعة ويخرج بذلك الإنجليز منتصرين على المرض دون حجر صحي حفاظًا على الاقتصاد أيضا فخاب أملهم. ليضطر رئيس الوزراء بوريس جونسون للعدول على خزعبلاته ويفرض الحجر الصحي العام متأخراً بحوالي شهرين ونصف، حتى أصابته العدوى وبعده طالت حتى ولي لعهد البريطاني الأمير تشارلز. وهذا مؤشر على إغراق البلاد في مستنقع الموت المحقق. وهناك نموذج ناجح هو نموذج كوريا الجنوبية الذي يحتذى به، إذ اعتمد رئيس البلاد “مون جي إن” خطة الهجوم على بؤر الوباء في عقر داره، بالذهاب للبحث عن الفيروس لدى المواطنين باعتماد الكشوفات المكتفة بمعدل 12 ألف عملة تحليل في اليوم، ما أدى بذلك إلى محاصرة المرض. وهو النموذج الذي تعتمده ألمانيا اليوم بمعدل نصف مليون عملية تحليل في الأسبوع، وستكون بذلك ألمانيا أول دولة أوربية تخرج من هذه الجائحة حسب الخبراء. وبهذا تكون طريقة تدبير كوريا الجنوبية التي تبنتها ألمانيا، وتحذو حذوها أمريكا اليوم بعشرة آلاف عملية تحليل في اليوم هي الأنجع لإتباعها، وهي طرق من أفضل للتحايل على الوباء لخنقه في غياب لقاح فعّال. بالرجوع إلى حالة المغرب، انطلاقا من الأرقام المصرح بها من طرف لجنة اليقظة، نقرأ من خلال ما يلي: أولاً: أ: المغرب لم يفحص مخبرياً منذ الثالث من مارس الجاري أول ظهور لفروس كورونا بالمغرب إلاّ قرابة 2000 مشتبه في إصابته. هذه التحليلات الألفين المذكورة شملت فقط ذوي الأعراض التي قد تفيد الإصابة بالمرض. إلا أنه بالموازاة مع ذلك فإن 25 حالة وفاة من أصل 390 حالة مؤكدة، أي بنسبة 6,41 % تبقى جد مرتفعة بالنسبة لألفي حالة اضطررنا لفحصها. فبمقارنة بسيطة مع فرنسا رغم أرقامها المهولة فإن نسبتها لا تتعدى 5,7 % بعدد موتى يتعدى 1696 من أصل 29581 حالة مؤكدة. وبالرجوع لمعدل الوفيات العالمي الذي هو 4,52 %: أي 24863 حالت وفاة من أصل 549604. إذن إلى حدود اليوم 27 مارس 2020 الجاري وحسب ارقام منظمة الصحة العالمية، فإن المغرب ملزم بتوخي الحذر لكونه لم يقطع بعد أي شوط من الأشواط في عمليات التحليلات المخبرية ليقف على الحالات التي تستوجب العلاج. بمعنى آخر فإن المغرب ملزم والحالة هاته بالعمل على تبنى الخطوات التي اتخذتها كوريا الجنوبية، وبعدها الدول الأخرى سالفة الذكر أو حتى ابداع طرق أخرى تمكنه من فحص حالات كثيرة في اليوم الواحد. لنبدأ بأطبائنا في القطاعين الخاص والعام، فهم يجمعون على أنهم مستعدون روحا وجسدًا ليتحملوا مسؤوليتهم كاملة في أداء واجبهم تجاه هذه الآفة التي تجتاح الوطن. وقد عبروا عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر البلاغات التي أصدروها، وذلك مند اندلاع اجتياح كورونا للمغرب. إن قرار اشتغالهم بعياداتهم واستقبال المرضى سواءً المصابين بكورونا أو بغيرها، كما أوصت بذلك هيئة الأطباء بالمغرب قرار فيه نقاش: يبرر هؤلاء هذا بكون معظم عياداتهم تتواجد بعمارات قد يتعرض سكانها للعدوى حين دخول وخروج المرضى لهذه البنايات دون أخدهم للاحتياطات اللازمة وليس هناك ضمانات. و تفاديًا لتفشي فيروس كورونا من المفيد تخصيص المستشفيات لاستقبال الأطباء المرضى في الوقت الراهن، أو استغلال المصحات التي جعلها أصحابها طوعا رهن إشارة الدولة عبر تصريحات صريحة. أو أن تقوم الدولة بحجز مصحات إن اقتضى الحال وتضعها رهن إشارة الأطباء للاستعداد أيضا من الآن لاستقبال موجات المصابين الذين سيتقاطرون عليها بالآلاف إن لم نقل بعشرات الآلاف إن لم يلطف بنا الخالق. فعلى المغرب أن يستعد لكل الاحتمالات. ثانيا: إن أكبر الأخطاء التي وقعت فيها الدول الأوربية هي إخضاع الأطباء المتأخر للفحوصات المخبرية للتأكد من سلامتهم أولا مما ترتب عنه انتشار أكثر للعدوى، ونتيجة ذلك أصيبت المستشارة الألمانية. فهؤلاء الأطباء سيقومون باستقبال مرضى لمعالجتهم. كما يلزم على الدولة توفير المعدات والمستلزمات الوقائية لأعضاء الجسم الصحي ليقوموا بعملهم في أحسن الظروف. ثالثًا: فسح المجال أمام المختبرات دون احتكار أحد كما يتمنون لفسح المجال أمامهم وأمام المصحات لإجراء الفحوصات المخبرية: “الاجسام المضادة “Ig G et IgM” والغلوبولين المناعي ” Immunoglobulin ” للمواطنين وتقنية الكشف السريع على الأقل لإجرائها طوعا وبإمكانياتهم الخاصة في استباق للمرض وحماية للمواطنين وأفراد عائلاتهم وللأشخاص المصاحبين لهم أو المقيمين بجوارهم أو أثناء احتكاكهم بالغير. هدا الإجراء أولا سيخفف كاهل الدولة لتتمكن من اجراء الفحوصات المخبرية للحالات التي تتولاها المستشفيات المعدة لاستقبال المرضى المصابين بالوباء وغيرهم. وهي التي تظهر عليها علامات الإصابة، أو التي كانت تتواجد بالقرب من مصابين ومحتمل اصابتهم. المختبرات الرسمية التي تتوفر عليها الدولة هي ثلاثة فقط كما صرح بذلك رئيس الحكومة سابقا، إذن نحتاج إلى جميع الاحتياط المخبري الموجود داخل المغرب، إلى جانب المختبرات الجهوية البيطرية التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، والمعروفة ONSSA وكذلك مختبر شركة الإنتاجات البيولوجية والصيدلية البيطرية المعروفة اختصارا “ببيو فارما”. BIOPHARMA, هاتين المؤسستين تتوفران على إمكانيات لوجيستيكية وبشرية بإمكانها القيام بتشخيص فيروس سراس كوف 2 وهو اسم الفيروس المسبب لوباء كوفيد 19 أي المرض والمنتمي “لعائلة الكورونافيريد ي La famille des Coronaviridae”، وهو قديم قدم البشر.، وهو معروف ب “التاجيات” Corone “ ومع الأسف فإن شركة بيوفارما مدرجة للتفويت للقطاع الخاص وعدم اعتماد هذه المختبرات في التشخيص بالسرعة اللازمة كان من بين الأخطاء التي وقعت فيها العديد من الدول فتداركتها لآخر لحظه، بعد فوات الأوان بعض الأحيان. ففرنسا تختبر حوالي 5000 حالة في اليوم في الوقت الذي وصلت فيه ألمانيا: 500 ألف حالة في الأسبوع، وأمريكا 10 آلاف في اليوم، كوريا 12 ألف في اليوم. فعلى المغرب من الآن للانتقال للبحث عن بؤر تفشي كورونا استباقيا. ولأجل ذلك سخرت هذه الدول طائرات لاستقدام المعدات والآليات ولوازمها من دول مثل الصينوكوريا الجنوبية وبلجيكا وحتى أمريكا بتكلفة قليلة تخفض بدورها الدولة على المواطن ثمن التحاليل. والمختبرات تقول أنها مستعدة والأطباء مستعدون لكل هذا بالضمانات المذكورة عبر بمستشفيات الدولة، أو المصحات، أو المستشفيات المتنقلة التي اعتمدتها معظم الدول. رابعًا: إن على الدولة أن تستعير فورًا المعدات اللازمة للتنفس الاصطناعي أو أن تحجز قاعات الإنعاش كما فعلت هذه الأيام فرنساوإيطاليا وإسبانيا ولكن دائما بعد فوات الأوان. وبعد أن تغلب عليها الفيروس ولم تجد ما تسد حاجات المرضى واضطرت إلى اختيارات أخرى خطيرة وصعبة وهي إعطاء الأسبقية للشباب والكهول وصغار السن فقط للاستفادة من الإنعاش أو استعمال آلات التنفس الاصطناعي مما أثار ثائرة العجرة والمسنين البالغين أكثر من 58 سنةً فما فوق والذين يشكلون 50 % من المصابين تركتهم يقضون نحبهم. رابعًا: ونظرًا للنقص الذي يعرفه قطاع الصحة في الموارد البشرية حيث يعرف الأطباء خصاص 7000 طبيب و 9000 ممرض في الحالة العادية للمغرب. هذا النقص يلزم معه أكثر من هذه الأرقام بكثير، ولهذا يجدر بالدولة أن تستدعي الأطباء المتقاعدين وغيرهم من الأطباء المغاربة المتواجدين بالخارج أو غيرهم من الأطباء المتطوعين من بلدان أخرى عاجلًا. ويجب الاشتغال على هذا بالتحفيز. كما يجب الاعتماد على طلبة كليات الطب وطلبة مدارس التمريض والإسراع في تكوينهم لسد الحاجة الملحة لهم اليوم، وتخصيص تعويضات مقابل خدماتهم. خامسا: لا يمكن حصر إدارة هذه الأزمات الصحية والوبائية عند وزارة الصحة بالأطباء العسكريين والمدنيين فقط. بل تحتاج البلاد اليوم أن يتدخل الملك لإحداث هيئة عليا للصحة تضم كفاءات مشهود لها دوليًا تتكون من خبراء في علم الأوبئة عند الإنسان والحيوان، وكذلك مختصين في علم الميكروبيلوجية، والإبدميلوجية من بياطرة وأطباء وخبراء الإحصائيات الطبية وغيرهم ممن يلزم وجوده بهذه الهيئة. فمعلوم اليوم أن العالم المتقدم يتداول مند سبع سنوات خلت حول مفهوم: الجديد للصحة تحت “صحة واحدة Une seule santé -One Health- بحيث يجمع هذا المفهوم بين صحة الإنسان وصحة الحيوانات وصحة النباتات والبيئة. لأن صحة الإنسان مرتبطة بكل هذا. وفي الأخير يجب رد الاعتبار لأطبائنا المغاربة وتشجيعهم وإبداء كل احترام لهم وكل تقدير لما يقومون به مند بداية اجتياح وباء كورونا، وما قدموا ويقدمون من تضحيات بأرواحهم. ويلزم الوقوف دقيقة صمت أو قراءة الفاتحة في أقرب فرصة ترحما ضحايا كورونا بالمغرب الذين توفوا هذه الأيام. خصوصًا الأطباء والممرضين منهم الذين لم يصبهم المرض فماتوا، بل قاموا بواجبهم وواجهوا الموت بذلك وهم مستعدون له اليوم وغدًا. وبعد قراءة الفاتحة يجب القيام بنفس الحركة الإنسانية التي فعلتها من قبل كل الدول التي مازالت تحارب هذه الجائحة الخطيرة بالقيام بالتصفيق للجسم الصحي برمته ولعناصر السلطة والأمن والدرك ورجال المطافئ وكل من يتولى أمرنا بعد الله اليوم. لا يسعنا إلاّ أن نرفع أكف الضراعة للعلي القدير أن يرفع عنا هذا البلاء مصداقا لقوله تعالى: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾. فارغبوا إلى الله تعالى، إن الله يحب العبد الملحاح.