علالأعلنت السلطات المغربية عن سلسلة من الإجراءات الاحترازية بهدف إبقاء فيروس كورونا المستجد تحت السيطرة، وقد اتّسمت التدابير المتخذة لمواجهة الفيروس بخاصية التدرج الحذر، حيث انتقلت من إجلاء المغاربة العالقين في منطقة ووهان الصينية، إلى تعليق الدراسة وإغلاق أبواب المساجد، ثم إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة فيروس كورونا، قبل المرور إلى المرحلة الأخيرة، المتمثلة في إعلان حالة الطوارئ الصحية لمدة شهر ابتداءً من 20 مارس إلى 20 أبريل 2020. وبالرغم من أن الإجراءات المعلن عنها كانت تهدف أساساً إلى التصدي لانتشار الفيروس المتسارع، إلا أن الممارسة العملية كشفت أن النص الدستوري لا يسعفُ دائماً في تأطير تلك التدابير، فجزء منها اتخذ من داخل النص الدستوري، فيما الجزء الآخر من خارجه. وفي هذا السياق، تحاول هذه الورقة رصد وتقييم الإجراءات المعلنة والقرارات المتخذة من زاوية النص الدستوري، منذ ترؤس الملك لأول جلسة عمل قصد متابعة وضعية المغاربة العالقين في مدينة ووهان الصينية يوم 27 يناير 2020، إلى حين نشر وحدات تابعة للجيش المغربي يوم 20 مارس بهدف تنزيل حزمة القرارات الحكومية المتعلقة باحتواء انتشار الوباء. جلسات العمل: الحضور التنفيذي للملك لا ينص دستور 2011 على صيغة "جلسات العمل"، كشكل من أشكال التواصل بين الملك وباقي السلط والمؤسسات الدستورية الأخرى، غير أنه تواتر خلال السنوات الأخيرة ترؤس الملك لجلسات عمل، باعتبارها أحد الأعراف الدستورية الناشئة على ضفاف دستور 2011، والتي تتميّز بوحدة الموضوع، وتنتج عنها قرارات ملزمة للسلطات العامة، وتعرف حضور عددٍ مصغّر من المسؤولين، تبعا لخصوصية الموضوع المدرج في جدول أعمال كل جلسة. ارتباطا بموضوع فيروس كورونا المستجد، تميزت جلسة العمل التي ترأسها الملك بتاريخ 27 يناير 2020، بطابعها الاستباقي، حيث خصصت للتدابير المرتبطة بإجلاء عدد من المواطنين المغاربة الموجودين في إقليم ووهان الصيني، أما جلسة العمل الثانية المنعقدة بتاريخ 17 مارس 2020، فاتسمت بطابعها المواكِب، إذ خصصت لتتبع تدبير انتشار وباء فيروس كورونا. فتوى المجلس العلمي الأعلى: السلطان والفرقان على إثر ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد، ونظرا لِما يمكن أن يشكّله اجتماع الناس في المساجد لأداء الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وقراءة الحزب الراتب، من بيئة محفزة على انتقال العدوى، أصدر المجلس العلمي الأعلى يوم الاثنين 16 مارس 2020 فتوىً تجيز إغلاق المساجد مؤقتا مع الإبقاء على رفع الآذان، وذلك بناءً على طلب الملك محمد السادس بصفته أميراً للمؤمنين. في هذا الباب، يمكن إبداء الملاحظات التالية: أولا: تجد فتوى المجلس العلمي الأعلى سندها الدستوري في أحكام الفصل 41 من دستور 2011، الذي ينص في فقرته الثانية على أنه "يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه". وتضيف الفقرة الثالثة منه "ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه (..)". ثانيا: كان لافتاً في نص الفتوى التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى، أنها جاءت مقتضبةً، وخاليةً من السند الدستوري، حيث تضمنت في البناءات إحالة واحدة على طلب الفتوى المرفوع إلى المجلس العلمي الأعلى من لدن أمير المؤمنين، دون إحالة على الفصل 41 من الدستور؛ كما أن الفتوى خلت من أي إحالة على النص القرآني أو الحديثي؛ وأنها جاءت منقطعةً من حيث السند التاريخي، من خلال غياب الإحالة على سوابق مماثلة في التاريخ الإسلامي، أو اجتهادات متواترة لدى أعلام الفقه المالكي، الذي يعدّ مذهبا رسميا للدولة، فضلا عن هذا وذاك، فإن لغتها وردت أقرب إلى اللغة المؤسساتية منها إلى لغة الفتاوى. ثالثا: وظّف الفصل 41 من دستور 2011 المصطلحات التالية: "دراسة القضايا"، و"إصدار الفتاوى"، و"في شأن المسائل المحالة إليه". في وقت ورد في متن فتوى المجلس العلمي الأعلى: "بناء على طلب الفتوى الموجهة إلى المجلس العلمي الأعلى من أمير المؤمنين". لكن بالعودة إلى الدستور والنصوص المنظمة للمجلس العلمي الأعلى لا نعثر على معطيات بشأن شكليات طلب الفتوى الذي يحيله الملك بصفته أميراً للمؤمنين إلى المجلس العلمي الأعلى، كما أن الفتوى لا تحمل رقماً ترتيبياً، كما هو الشأن مثلاً بخصوص الآراء التي تُصدرها اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، حيث تُفصح ديباجتها عن أصحاب الصفة في الإحالة، ورقم تسجيلها لدى الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى وتاريخه. رابعا: لا يوضح الفصل 41/فق.2 من الدستور الكيفيات التي يَدرس بها المجلس العلمي الأعلى القضايا والمسائل المحالة إليه، فإذا كان الفصل 41 من الدستور قد وظّفَ عبارة "يتولى دراسة القضايا"، فإن الفصل الرابع من الظهير المحدِث للمجلس العلمي الأعلى نصّ على أنه "تناط بالمجلس العلمي الأعلى المهام الآتية: 1- التداول في القضايا التي تعرضها عليه جلالتنا الشريفة"، في حين فإن المادة 10 من النظام الداخلي للمجلس العلمي الأعلى تنص على أنه يتخذ قراراته وتوصياته بالإجماع، لكن لا يوجد ما يفيد أن الفتاوى تندرج في باب القرارات والتوصيات، أو تخضع لمسطرة التصويت. خامسا: دأبت النصوص المنظمة لعدد من المؤسسات الدستورية (المحكمة الدستورية، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي..) على التمييز بين نوعين من الوضعيات: دراسة القضايا والنصوص في الحالات العادية، ثم دراستها في حالة الاستعجال، كما أن تلك النصوص اختلفت في تقدير المدد والآجال. في هذا الصدد لا يسعف الفصل 41 من الدستور، ولا نص فتوى المجلس العلمي الأعلى في معرفة ما إذا تم اللجوء إلى تدابير حالة الاستعجال أثناء طلب الفتوى، خصوصا أن الموضوع يتّسم بالآنية والاستعجال، لكونه يهمّ كليات الدين، ولا سيما حفظ الدين وحفظ النفس. صندوق مواجهة الوباء: التحمل الجماعي للأعباء بالموازاة مع جلسات العمل وفتوى المجلس العلمي الأعلى، أعطى الملك أوامره لإنشاء صندوق خاص بتدبير جائحة فيروس كورونا، الذي حمل اسم: "الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا «كوفيد 19»". وقد نُشر المرسوم المنظم في الجريدة الرسمية بتاريخ 17 مارس 2020. لقد شكّل تسارع انتشار الفيروس، مسوغا للجوء إلى تفعيل الفصل 40 من دستور 2011 الذي ينص على الأحكام التالية: "على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد"، وذلك من خلال دعوة المواطنات والمواطنين إلى التبرع لفائدة الصندوق، وهو الأمر الذي يعتبر مناسبةً لاختبار قدرة الأجهزة الدولتية على الحشد والتعبئة، وفرصةً لقياس درجة ثقة الناس في الإجراءات التي تتخذها المؤسسات الدستورية، لا سيما الحكومة. إلا أن إحداث الحكومة لهذا الصندوق كان خيارا ضمن عددٍ من الخيارات الدستورية والقانونية المتاحة، من ذلك مثلا، تقديم مشروع قانون مالية تعديلي، إعمالا لمقتضيات المادة 4 من القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية التي تنص على أنه "لا يمكن أن تغيّر خلال السنة أحكام قانون المالية للسنة إلا بقوانين المالية المعدلة"، فالمادة تحيل على قاعدة رئيسة من مشمولات المبادئ العامة للقانون تسمى "قاعدة توازي الأشكال"، بمعنى أن قانون المالية، بالنظر إلى ما خصّه به الدستور والقانون التنظيمي لقانون المالية من إجراءات ومساطر، فإنه لا يمكن أن يطاله التغيير إلا بقوانين من جنسه، تسمى قوانين مالية تعديلية، غير أن الحكومة فضلّت ألا تسلك هذا المسار، لكونها وجدت في المادة 29 من قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020، منفذا لإحداث الصندوق المذكور، التي تنص على أنه "طبقا لأحكام المادة 26 من القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، يؤذن للحكومة، في حالة الاستعجال والضرورة الملحة وغير المتوقعة، أن تحدث خلال السنة المالية 2020 حسابات خصوصية للخزينة بموجب مراسيم. ويتم إخبار اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان مسبقا بذلك"، رغم أن هذه المادة لا تفصح عن شكلانية الإخبار، سواء من حيث الكيفية (إخبار اللجنتين)، أو من حيث الزمنية (مسبقا). بالعودة إلى المرسوم المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية، فإن المادة 25 منه المتعلقة بتطبيق المادة 26 من القانون التنظيمي لقانون المالية لم تضف جديدا في هذا الباب، بل اكتفت بالتنصيص في آخر الفقرة على المقتضى التالي: "يحدد الوزير المكلف بالمالية كيفيات تطبيق مقتضيات هذه المادة". حالة الطوارئ: الفراغ الدستوري يعتبر إعلان "حالة الطوارئ الصحية" القرار الأكثر تأثيرا على المواطنين، ضمن حزمة الإجراءات المعلنة لمواجهة فيروس كورونا المستجد، لا سيما فيما يخص حقوق الأفراد وحرياتهم في التنقل والحركة. وعلاقة بموضوع محاصرة انتشار الفيروس، وإذا ما استبعدنا إشهار الحرب، فإن دستور 2011 ينص على إمكانية إعلان حالة الاستثناء (أ)، أو حالة الحصار (ب)، لكنه لم ينص على مقتضيات بخصوص حالة الطوارئ (ب). أ- حالة الاستثناء ربط دستور 2011 إعلان حالة الاستثناء (l'état d'exception) من طرف الملك بظهير، بتحقق أحد الشرطين: أن تكونَ حوزة التراب الوطني مهددة، أو أن يقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، على أن تتم استشارة رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب للأمة. وتُرفع حالة الاستثناء باتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها. غير أن الملك لم يلجأ إلى إعلان حالة الاستثناء رغم الأعداد المقلقة للمصابين، الأمر الذي يحمل على التساؤل: ألا يجعل انتشار فيروس قاتل، نتج عنه شبه شلل على مستوى الحركة العامة، حوزة التراب الوطني مهددة؟ ثم هل يُفهم من عبارة "تهديد حوزة التراب الوطني" الواردة في الفصل 59 من الدستور، في حالة التعرض لهجوم عسكري بمعناه التقليدي فقط؟ الراجح أن دستور 2011، يستبطن مفهوما تقليديا للتهديد المحتمل أن يطال حوزة التراب الوطني، في ظل تنامي الحديث عن أشكال أخرى من التهديدات، التي قد تأخذ أبعادا تكنولوجيا، أو وبائية، كما هو الحال مع فيروس كورونا المستجد. بالعودة إلى معاجم اللغة العربية، نجدها تفيد في شرح اسم عرقلة، كما ورد في الفصل 59 من الدستور، أنه ما يَحُول دون السير الطبيعي من ازدحام ونحوه، وأن العراقيل هي صعاب الأمور والمشاكل والدواهي، وإذا كانت من خصوصية تميّز فيروس كورونا المستجد فهي قدرته على الحيلولة دون اجتماع الناس في مكان مغلق، خصوصا إذا تجاوز عدد الحضور أصابع اليد. وبالنظر إلى أن عرقلة السير العادي للمؤسسات الدستورية يعدّ شرطاً واقفاً لإعلان حالة الاستثناء، فإن مؤسستي الحكومة والبرلمان قد تأثرتا بانتشار الوباء، والشاهد على ذلك تواتر عدد من المتابعات الإعلامية التي كشفت عن تسيير أعضاء الحكومة لقطاعاتهم من المنازل، لكن ذلك لم يحل دون استمرار مجلس الحكومة في الانعقاد باضطراد، رغم إصابة عضو من أعضائها بالفيروس، الأمر الذي تطلّب إخضاع أعضاء الحكومة جميعهم لاختبار الإصابة بالفيروس، وهو ما أسفر عن خلوّهم منه. ثم إنه بالرغم من أن البرلمان يمرّ حاليا من فترة ما بين الدورتين، فإنه يصعب تصوّر انعقاد جلساته العمومية في مثل هذه الظروف، لكن رغم كل ذلك لم يتم اللجوء إلى إعلان حالة الاستثناء. ب- حالة الحصار في المقابل، يمكن إعلان حالة الحصار (l'état de siège) بموجب أحكام الفصل 74 من الدستور، لمدة ثلاثين يوما، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بقانون، ويعتبر إعلان حالة الحصار من بين القضايا التي يُتداول بشأنها في المجلس الوزاري، بموجب البند الثامن من الفصل 49 من الدستور. غير أنه إذا كانت الفقرة الأخيرة من الفصل 59 من الدستور تنص على أن "تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة"، خلال فترة إعلان حالة الاستثناء، فإنه لا يوجد ما يماثل هذا المقتضى خلال إعلان حالة الحصار. يشترك إعلان حالة الاستثناء مع إعلان حالة الحصار، في أنهما وردا في صيغة الإمكان، وليس في صيغة الوجوب، فالفصل 59 من الدستور نص على صيغة "أمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير"، فيما الفصل 74 من الدستور نص على أنه "يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار". لكنهما يتميّزان من حيث اللفظ عن حالة الحرب، بأن هذه الأخيرة يتم إشهارها، لأن الفصل 99 من الدستور ينص على أنه "يتم اتخاذ قرار إشهار الحرب داخل المجلس الوزاري"، لكن حالة الاستثناء تتميز بأنها غير محددة من حيث المدة، فهي تُرفع "بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها"، وهو الأمر الذي يبقى بيد الجهة التي أعلنتها ابتداءً، فيما حالة الحصار فهي محددة في ثلاثين يوما، ويمكن تمديد هذا الأجل بقانون. ج- حالة الطوارئ لم يَرد في الدستور المغربي لسنة 2011 عبارة حالة الطوارئ (l'état d'urgence)، بأي صيغة من الصيغ، أصلاً أو اشتقاقاً، كما هو الحال في الدستور المصري لسنة 2014 (م 154): "يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء حالة الطوارئ على النحو الذي ينظمه القانون (..)"، أو الدستور الجزائري لسنة 2016 (م 105): "يقرر رئيس الجمهورية، إذا دعت الضرورة الملحة، حالة الطوارئ أو الحصار (..)". إن الفراغ الدستوري بشأن إمكانية إعلان حالة الطوارئ، هو ما يفسّر الارتباك الذي حصل في التعامل مع هذا الوضع المستجد، حيث لجأت السلطات المغربية في البدء إلى مباشرة حالة طوارئ غير معلنة، من خلال وضع عددٍ من القيود على حركة الناس وتنقلاتهم، وقد حددها البلاغ المشترك لوزارتي الداخلية والصحة يوم 18 مارس 2020 في العزلة الصحية، إلا في حالة الضرورة القصوى (التبضع أو التطبيب أو الالتحاق بالعمل)، وقد باشرت السلطات العمومية ميدانياً حثّ الناس على ملازمة منازلهم، لكن بعد يوم واحدٍ من ذلك، أعلنت وزارة الداخلية رسميا أن البلاد ستعرف حالة طوارئ صحية ابتداءً من 20 مارس إلى 20 أبريل 2020، لكن الملاحظ أن المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، لم يعرض على مجلس الحكومة إلا يوم الأحد 22 مارس 2020، الأمر الذي يستنتج منه أن الشروع في تنفيذ حالة الطوارئ عملياً كان غير مؤطر بقانون، وأن النص جاء لاحقا للفعل. إن تدابير حالة الطوارئ منصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يعدّ المغرب دولة طرفاً فيه، فالمادة الرابعة منه (البند 1)، تنص على أنه "في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي". وقد ورد بشأن هذه المادة تعليقان عامان للجنة المعنية بحقوق الإنسان، خصوصا التعليق العام رقم 29 (2001)، الذي فصلّ التدابير المرتبطة بحالة الطوارئ، وعلاقتها بالحقوق والحريات. نزول الجيش إلى الشارع: المرور إلى السرعة القصوى شكّل انتشار عدد من المدرعات التابعة للقوات المسلحة الملكية في شوارع المدن الكبرى (الدارالبيضاء، فاس، مراكش، سلا) ابتداءً من يوم 20 مارس 2020، للمساهمة في تنزيل القرارات الحكومية الرامية إلى التصدي لوباء كورونا، تحولا لافتا في تعاطي الدولة مع الموضوع، من خلال المرور إلى السرعة القصوى في سياق المحاولات الحثيثة لاحتواء الفيروس، وقد سبق هذا الإجراء، إصدار الملك تعليماته بصفته "القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، للمفتش العام للقوات المسلحة الملكية، قصد وضع المراكز الطبية المجهزة، التي سبق لجلالته أن أمر بإحداثها لهذا الغرض، بمختلف جهات المملكة، رهن إشارة المنظومة الصحية بكل مكوناتها، إن اقتضى الحال وعند الحاجة”، وبعد أقل من أسبوع تمَّ تكليف الطب العسكري بشكل مشترك مع نظيره المدني بمهمة مكافحة الفيروس، وتعبئة وسائل الطب العسكري لتعزيز الهياكل الطبية المخصصة لتدبير هذا الوباء[28]. وهو الأمر الذي يجد سنده الدستوري في أحكام الفصل 53 من الدستور، الذي ينص على أن "الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. وله حق التعيين في الوظائف العسكرية، كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق".