يبدو أن بلاغ وزارة الصحة بشأن قضية طبيب تطوان المصاب بفيروس «كورونا»، بعد عودته من بؤرة للوباء في دولة أجنبية، كان متسرعا، ولمتتحرَّ فيه الوزارة الدقة المطلوبة في مثل هذه الحالات. هكذا تبدو الأمور بعد الهدوء النسبي لعاصفة الجدل الحاد الذي غطى غباره جوانبكثيرة من الحقيقة، فحديث البلاغ عن تورط الطبيب في جريمة «انتحال صفة طبيب اختصاصي وهو طبيب عام»، يفتقر إلى الكثير من الدقة. فقد كان بلاغ وزارة الصحة كشف أن نتائج التحقيقات الأولية في قضية الطبيب، الذي يبلغ من العمر 75 عاما، فجرت مفاجأة ثقيلة، بحديثهعن أن الطبيب الحامل لفيروس «كوفيد 19»، حسب نتائج التحاليل المخبرية، دكتور في الطب العام، وغير حاصل على شهادة التخصص فيأمراض النساء والتوليد، لذلك، سيحال على التحقيق الإداري والقضائي كذلك، وجرى تحميل قسط وافر من المسؤولية التقصيرية لمندوبالصحة بإقليمتطوان، محمد وهبي. لكن، بعد البحث والتحري في حقيقة الموضوع، توصلت «أخبار اليوم»، من مصادر مهنية مقربة من الطبيب المعني، بروايتين حول القضية،تفيد الأولى بأن معادلة الشواهد في سنوات السبعينيات والثمانينيات لم تكن تجري بالكيفية نفسها المعتمدة حاليا، عن طريق مواصلةالتكوين واجتياز اختبار ومباراة التخرج، وإنما كان الطبيب العام يجتاز فترة تدريب في مصلحة معينة، ثم يقضي بها مزاولا مدة لا تقل عنثلاث سنوات، تخوله الحصول على شهادة الكفاءة في التخصص نفسه. أما الرواية الثانية فتقول إن الطبيب الذي تسببت قضيته في اندلاع جدل عام محليا وجهويا، وبعد تخرجه من المغرب، اشتغل طبيبا داخليافي إطار الخدمة المدنية بإحدى مؤسسات الصحة في إقليمالحسيمة، ثم رجع إلى إسبانيا لمواصلة التكوين الطبي في الجراحة، وبعد عودتهلم يفعِّل مسطرة معادلة دبلوم محصل عليه في دولة أجنبية بالشواهد الوطنية، لدى لجنة مختصة بمعادلة الشواهد في وزارة الصحة. وفي تسعينيات القرن الماضي، اشتغل الطبيب الحاصل على الدكتوراة في الطب العام، طبيبا رئيسا في مصلحة الولادة في مستشفى«سانية الرمل» بتطوان، ثم تدرج بعد ذلك في هرم المناصب والمسؤوليات الإدارية بالقطاع الوزاري للصحة، حتى أصبح مندوبا سابقا فيمندوبية الصحة في عمالة تطوانالفنيدق سابقا. لكن المشكلة، حسب الكثير من الملاحظين المنتسبين إلى جسم الصحة، تتمثل في خرق بند الضمير والاستهانة بأخلاقيات المهنة، وليست فيمدى توفر الطبيب على شهادة تخصص، وقال مصدر طبي من هيئة أطباء القطاع الحر، في حديث مع «أخبار اليوم»، إن المشكلة لا تتمثلفي ما إذا كانت الأمانة العامة للحكومة صرحت له بفتح عيادته الخاصة باعتباره طبيبا عاما أو طبيب نساء وتوليد، وإنما يتجلى المشكلالخطير في شروعه في العمل وتحديه تعليمات السلطات العمومية، وفي هذه النقطة فقط يجب أن تنحصر حدود المحاسبة والمساءلة، على حدقوله. واستنادا إلى معطيات حصلت عليها الجريدة، فإن الطبيب المعني وبعد عودته إلى المغرب، توجه إلى مدينة سبتة حيث تقيم ابنته، وقضىمعها ثلاثة أيام، قبل أن يعود إلى عيادته مباشرا العمل يوم الاثنين 16 مارس، أي بداية الأسبوع الماضي، قبل خمسة أيام من ظهور أعراضالمرض عليه، وخلال الفترة نفسها، استقبل عشرات المرضى، وأجرى عمليتين جراحيتين بمصحة تطوان، التي أقفلتها السلطات بسببمخالفتها القوانين والتدابير الاحترازية. وتلقى مهنيو قطاع الصحة بإقليمتطوان، حسب شهادات متطابقة لعدد من العاملين الذين ينتسبون إلى هيئات نقابية مختلفة، بكثير منالاستغراب خبر إقدام وزير الصحة على إعفاء المندوب الإقليمي، الدكتور محمد وهبي، من مهامه، وهو الذي كان مسؤولا سابقا عن مندوبيةطنجة، ويشهد له بكثير من الجدية والتجاوب مع مطالب الشغيلة المهنية والعاملين في القطاع، حسب الإمكانيات المتاحة. واعتبر بلاغ لوزارة الصحة أن مندوب الصحة لم يولِ أهمية لموضوع الطبيب الذي أوصته السلطات بملازمة بيته، واتباع نظام الحجر الصحيالمنزلي، بعد تصنيفه ضمن الحالات المحتمل إصابتها، وذلك استنادا إلى المعطيات التي أدلى بها الطبيب نفسه عند الحدود بعد عودته منالخارج، هو وزوجته. وقالت مصادرنا إن موظفي القطاع الصحي بمختلف انتماءاتهم رفضوا قرار العزل، بهدف تهدئة غضب الرأي العام، مؤكدين أن القرار كانمتسرعا، ولم يراع الظرفية الحساسة التي لا تستدعي عزل مسؤول في عز الأزمة، خاصة أنه يشرف على استراتيجية وزارة الصحة فيتنزيل مشروع تتبع المصابين بالجائحة في إقليمتطوان، بالتنسيق مع سلطات الإقليم. وأشارت مصادرنا إلى أن المندوب الإقليمي لوزارة الصحة، بعمالة إقليمتطوان، كان هو أول من تطوع لأخذ عينات من شخص مصاببفيروس كورونا في مستشفى «ساينة الرمل»، حيث ارتدى زي الوقاية وتقدم بعدما تراجع عدد من الأطر الطبية بسبب خشيتهم علىسلامتهم الصحية، لكنه اليوم يجد نفسه «كبش فداء» في القضية، في حين أن مراقبة أخلاقيات المهنة موكلة إلى الهيئة الوطنية للأطباء التييفترض أنها تمثل الرقابة الذاتية على الجسم الطبي.