واجه المغاربة، خلال الفترة ما بين 873 و2011، ما يزيد على 46 وباء، أي بمعدل 3,5 وباء كل قرن، وهي معطيات أوردها المؤرخ محمد نبيل ملين. وارتبط تواتر الأوبئة أيضا بالمجاعات التي كانت تتكرر، وأحيانا تكون بشكل متواصل، إما نتيجة الجفاف، وإما نتيجة الاضطرابات السياسية. ولعل تعاقب المجاعات والأوبئة قد دفع أحد فقهاء القرن الرابع عشر، ويدعى ابن هيدور، إلى وضع قانون عام يبرز ترابط ثلاثية: الغلاء والمجاعة والوباء. وهو استنتاج مبني على التاريخ، لأن الأوبئة في المغرب كانت تأتي دائما عقب المجاعات، على اعتبار أن الطاعون، مثلا، وهو من أخطر الأوبئة التي تكررت في تاريخ المغرب على نحو لافت، كان ينتشر دائما، حيث كان يواجه السكان صعوبات في الوصول إلى الغذاء، إما نتيجة الجفاف، وإما نتيجة تكالب الجفاف والظروف السياسية، كما حصل في عهد السلطان محمد بن عبد الله في ما يسمى ب«المجاعة الكبيرة» التي ضربت السكان نتيجة الجفاف وانتشار الجراد من جهة، وسياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الإخوة المتصارعون على السلطة، من جهة ثانية. لم يستسلم المغاربة لهذه الأوبئة، وتختلف كيفية التعاطي حسب الثقافة السائدة، فمن جهة، كان الفقهاء والعامة يعتبرون أن الأوبئة «عقاب إلهي» للإنسان جراء شروره وعصيانه لربه، وهو تفسير كرره الفقهاء وعامة الناس، مثلما استعمله السلاطين والحكام أيضا. ويذكر أن المولى سليمان حين ألغى المواسم الدينية أقام علاقة مباشرة بين «انتشار المناكر ونزول المصائب»، ومن نتائج هذا التفسير أن «الأمغار» كان يعزل من منصبه إن حلّ الجفاف، كما قد يستعمل هذا التفسير من لدن العامة في مواجهة جور وظلم الحكام، وهو ما حدث مع السلطان المولى عبد لله بن إسماعيل من لدن أهل فاس، حين قالوا له: «إن الله جعل الجور هلاكا للحرث وللماشية وللبلاد». وفي المقابل، ربط هؤلاء بين نزول الغيث وتراجع السلطان عن ضرائب غير شرعية. فضلا عن المقاربة الدينية، طوّر المغاربة طرقا مختلفة في مقاومة الجوع والأوبئة، فالمغربي، وإن اتجه إلى لله طلبا للغيث والمطر، لم يكن يستسلم لقدره، بل طوّر خبرة كبيرة في مقاومة الجوع، ومن أبرز الوسائل «المطمورة» والمخازن الجماعية التي تدعى «أكدير» أو «إيغرم» بالأمازيعية، ويتكون من طبقتين أو ثلاث وأبراج للحراسة. ولجأ المغاربة أيضا إلى التضامن الاجتماعي، امتثالا للدين الإسلامي، حيث لم تكن أية مدينة تخلو من عائلات تخصص قسطا من أملاكها للإسعاف الاجتماعي، وهي أوقاف لتوزيع الطعام يوميا أو أسبوعيا على الفقراء والمساكين، ناهيك عن دور الزوايا في إيواء الغرباء وعابري السبيل والفقراء والمحتاجين. ولم يكن المخزن بعيدا عن دعم ومساعدة السكان في التغلب على الجفاف والأوبئة، ففي وثائق عديدة، أشير إلى إجراءات منع السفن الموبوءة، والحجر الصحي، بل إن بعض السلاطين لجؤوا إلى غلق الحدود مع الجزائر لمنع ولوج المصابين بالطاعون إلى التراب المغربي، كما فعل السلطان محمد بن عبد الله سنة 1793. أما في حالات الجفاف، فقد لجأ هذا السلطان إلى استيراد القمح والحبوب من الخارج، وخصوصا من إسبانيا وفرنسا والبرتغال، لتدارك النقص الذي يحصل بسبب الجفاف أو المجاعة أو هجوم أسراب الجراد التي قد تدمر المحاصيل الزراعية قبل موسم الحصاد أو الجني. كان تموين الأسواق وظيفة المخزن التاريخية، وقد لجأ إلى بناء مخازن كبرى لتموين الأسواق بالحبوب، سواء في حال غلاء الأسعار أو في حال الحصار أو الجفاف، ومما يذكره المؤرخون في هذا الصدد، «الهري» الذي بناه السلطان المولى إسماعيل في مكناس، وقال عنه المؤرخ ابن زيدان إنه «يسع زرع المغرب كله». وقد استعمل السلاطين خلال القرن ال18 آليات عدة لمراقبة الأسواق، منها المحتسب، لكن يبدو أن تلك الآليات تعرضت للإرباك، بسبب الاضطرابات السياسية الداخلية وبسبب التسرب الأوربي منذ بداية القرن ال19.