تزامنا مع المحاكمة الاستئنافية للمتهمين في قضية “لاكريم”، مازالت بعض الملفات المرتبطة بالجريمة، التي وقعت مساء الخميس 2 نونبر من 2017، مغيّبة وتثير أسئلة عالقة أبرزها: لماذا تخلفت إدارة الجمارك عن تقديم مذكرة مطالبها المدنية خلال المرحلة الابتدائية من المحاكمة وانتظرت حتى الجلسة الثالثة من المرحلة الاستئنافية، المنعقدة بتاريخ الثلاثاء 4 فبراير الجاري، ليطلب ممثلها من غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بمراكش مهلة لإعداد مذكرة مطالب إدارته؟ الملتمس المذكور، اعترض عليه دفاع بعض المتهمين موضحين بأن الإدارة المذكورة لم تبادر إلى القيام بهذا الإجراء في المرحلة الابتدائية رغم إشعارها بذلك، وهو ما قالوا إنه يحرمها من هذا الحق في المرحلة الاستئنافية. كما يُثار سؤال آخر حول السر الكامن وراء عدم قيام وحدة معالجة المعلومات المالية، باعتبارها المؤسسة الرسمية المعنية بالتنسيق في مجال مكافحة غسل الأموال و تمويل الإرهاب والشبكات المالية غير المشروعة، بإحالة مذكرة التصريح بالاشتباه في قيام مالك مقهى “لاكريم” بغسل الأموال على وكيل الملك لدى ابتدائية الرباط، باعتباره النيابة العامة المختصة في الإشراف على الأبحاث الأمنية المتعلقة بهذا النوع من الجرائم. ويثار السؤال، خاصة وأن التحقيق الإعدادي الذي أجراه قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة باستئنافية مراكش، يوسف الزيتوني، في الجريمة المذكورة، خلص إلى أن أموال “م.ف”، الملقب ب”موس”، مشبوهة، فضلا عن أن العديد من المتهمين صرّحوا، أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية وخلال مثولهم أمام قاضي التحقيق، بأنه يتزعم مافيا تنشط في ترويج الكوكايين والاتجار في الأسلحة بهولندا. وسبق ل “موس” أن صرّح، خلال مرحلتي البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي، بأنه سلم ابن عمه 6 ملايير سنتيم نقدا بالناظور، في شهر أكتوبر من 2017، وطلب منه فتح أربعة حسابات بنكية في اسم أشخاص يثق فيهم، وهو ما قام به قريبه، الذي فتح حسابات بوكالة القرض الفلاحي “الساقية الحمراء” بالمدينة نفسها، بدون علم الأشخاص المذكورين، الذين وقع ابن عمهم على الوثائق مكانهم، وتسلم دفاتر الشيكات، قبل أن يقوم بسحب المبالغ، التي وجدت معه وصولاتها عند توقيفه، وهو التزوير الذي أكدته الخبرة المنجزة بمختبر الشرطة العلمية والتقنية. كما أكدت التحقيقات الأمنية التي أجرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بأن مسير المقهى نفسها، “م. ج”، المعروف بلقب “احميتو”، تم توقيع عقد بيع لفائدته لخمس شقق راقية بطنجة، بسعر وصل إلى 740 مليون سنتيم، تم أداؤه بعيدا على مرأى الموثق، في الوقت الذي صرّح “احميتو”، المحكوم عليه ابتدائيا بست سنوات سجنا نافذا لإدانته بجناية “إخفاء أشياء متحصل عليها من جريمة”، بألا علاقة له بهذه الشقق المسجلة في اسمه، موضحا بأن ابن عم “موس”، المدان ابتدائيا بثماني سنوات سجنا نافذا، هو الذي طلب منه مرافقته إلى مكتب موثق بطنجة، وأمره بالتوقيع على وثائق دون أن يعلم بمضمونها. وقد استدل قاضي التحقيق، في القرار الصادر عنه بإحالة المتهمين على المحاكمة، على استنتاجه بأن أموال المتهم، المدان ابتدائيا ب 15 سنة سجنا نافذا، مشبوهة بأنه سلم ابن عمه المبلغ دون المرور عبر الأبناك، والأمر نفسه ينطبق على الأموال موضوع شقق طنجة، التي تم أداؤها خارج مكتب الموثق. وتحوم الشكوك حول مصدر ثروة “موس”، الذي لا يتجاوز عمره 45 سنة، والذي بدأ حياته المهنية مهاجرا بسيطا بهولندا، وسرعان ما بدت عليه مظاهر الثراء الفاحش، خلال سنوات قليلة، إذ يملك علبة ليلية بمدينة زوترمير الهولندية، صرّح للشرطة بأنها تحقق مداخيل تصل إلى 80 مليون سنتيم أسبوعيا، وخلال عطلة رأس السنة ترتفع إلى 250 مليون سنتيم كل ليلة، ومقهى للشيشا بالدولة نفسها، و3 شركات بالمغرب، الأولى هي المالكة والمستغلة لمقهى “لاكريم”، والثانية تملك نصف مقهى “كابوتشينو” المجاورة لها، والثالثة مختصة في العقار، كما يملك 3 فيلات بمراكش، واحدة بالحي الشتوي، واثنتان بشارع محمد السادس، فضلا عن شقة بطنجة وأخرى بإقامة “اليخت” بشارع “لاكورنيش” بالدار البيضاء. وقد تقدم دفاعه، خلال الجلسة الأخيرة من المحاكمة الاستئنافية، بطلب إرجاع ست سيارات فارهة في ملكيته محجوزة على ذمة القضية، تتجاوز قيمتها المالية الإجمالية مليارا و600 مليون سنتيم، ويتعلق الأمر بأربع سيارات رياضية فارهة تتم عملية شرائها، في العادة، تحت الطلب من كبريات الشركات العالمية. إحدى تلك السيارات إنجليزية الصنع من نوع “رولز رويس رايث”، بيضاء يتوسطها لون ذهبي، يتجاوز سعرها 430 مليون سنتيم، وأخرى سوداء اللون، إيطالية الصنع، من نوع “لومبرغيني أفانتايدر”، لا يقل ثمنها عن 318 مليون سنتيم، وسيارة ألمانية الصنع من نوع “بنتلي كونتيننتال سوبر سبورت” لا يقل سعرها عن 320 مليون سنتيم، وسيارة أخرى ألمانية الصنع من نوع “بورش جي تي” لا يقل ثمنها عن 300 مليون سنتيم، بالإضافة إلى سيارتين رباعيتي الدفع، واحدة من نوع “مرسيديس جي 45 برابوس” لا يقل ثمنها عن 240 مليون سنتيم، وأخرى بريطانية الصنع من نوع “رونج روفر فيلار” يصل سعرها إلى حوالي 90 مليون سنتيم. هذا، وكانت الجمعية المغربية لحماية المال العام أصدرت، أياما قليلة بعد وقوع الجريمة، دعت فيه إلى تفعيل الدور الاستباقي للأجهزة الأمنية في محاربة جرائم غسل الأموال، مطالبة ب”التحقيق في بعض المشاريع الاستثمارية المشبوهة بمراكش التي تحوم حولها شبهة أن تكون مجالا لتبييض الأموال”. يشار إلى أن جدلا قانونيا أثاره الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة في الحكم الابتدائي الصادر عن غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية مراكش، برئاسة القاضي عبد الهادي مسامح، الذي لم يكتف بإسقاط المطالب المدنية المقدمة ضد “موس”، بل قضى لفائدته بتعويض مالي شخصي قدره 200 ألف درهم (20 مليون سنتيم) وبتعويض مالي آخر يصل إلى 300 ألف درهم (30 مليون سنتيم) لفائدة شركته المسماة “دامين لاكريم”، المالكة والمستغلة للمقهى/ مسرح الجريمة، يؤديها له سبعة متهمين تضامنا، في الوقت الذي يعتبر فيه دفاع المطالبين بالحق المدني، من ضحايا الجريمة، مسؤوليته الجنائية ثابتة في الجريمة، التي سقط فيها طبيب في مقتبل العمر ب9 رصاصات في الرأس و3 في القلب، ولازالت والدته تعاني من آثار نفسية حادة بسبب الحادث المروع، موضحين بأن صراعات “موس” مع بارون مخدرات آخر سرق منه الأول كمية كبيرة من الكوكايين الخام، تجاوزت حدود هولندا لتنتقل إلى مراكش، وقد كانت هذه الصراعات وتصفية الحسابات بينهما سببا مباشرا في الجريمة التي أصيب فيها ثلاث ضحايا أبرياء عن طريق الخطأ، أحدهم لقي مصرعه والأخريان لازالا يعانيان من مضاعفات جسدية مزمنة. يذكر أيضا بأن العديد من المتتبعين للقضايا الأخيرة المعروضة على جنايات مراكش يتساءلون عن السر الكامن وراء عدم فتح تحقيق مع مالك “لاكريم”، في الوقت الذي فُتح تحقيق في ملفات أخرى، مستدلين على ذلك بملف المدير السابق للوكالة الحضرية بالمدينة نفسها، الذي أحالت وحدة معالجة المعلومات المالية تصريحا بالاشتباه في ارتكابه وزوجته لجريمة غسل الأموال.