الحقيقة أن من كان عليه الإجابة أمام مجلس المستشارين عن حالة وأوضاع السجون وكارثة الاكتظاظ، هما ثلاثة: رئيس النيابة العامة والمندوب العام للسجون ورئيس الحكومة، مادامت المندوبية تعمل تحت مسؤوليته المباشرة على ما يظهر من القانون، لكن، وحتى يتم التستر عن المسؤولية الإدارية والقانونية للأطراف المعنية، انتُدِب وزير حقوق الإنسان للمهمة، فكان جوابه بالطبع منتظرا، وهو عدم تقديم أي جواب حقيقي وحقوقي. اعتبر وزير حقوق الإنسان، وهو يجيب عن تساؤلات المستشارين، الثلاثاء الماضي، أن السجون ليست فنادق تغلق أبوابها أمام الوافدين، وهو في ذلك يبدع بدعة لم يقل بها أحد من قبله لتبرير الاكتظاظ الخطير وتبرير العجز عن معالجته، والذي تعرفه السجون منذ سنوات وتسير أرقامه نحو الارتفاع المهول، بكل ما يعكس ذلك من السلبيات على السجناء، وعلى المؤسسات. والحقيقة أن السجون سجون، وليست فنادق في نظر الوزير وفي نظر غيره، بل يا ليتها كانت فنادق أو حتى إسطبلات، إنها في الحقيقة «مزابل» يُرمى فيها البشر بقرارات النيابات العامة وقرارات قضاة التحقيق الآمرة بالاعتقال الاحتياطي يوميا، ومن يوم كان الوزير رئيسا للنيابة العامة، وبعدما استقلت النيابة العامة. حاول وزير حقوق الإنسان، وهو يجيب عن الأسئلة البحث عن مبررات الاكتظاظ التي أصبحت كالأسبرين يستعملها المسؤولون عن حقوق الإنسان، وعن السياسة والعدالة الجنائية ليستسلموا للعجز في التعاطي مع اختيار طريق الاعتقال الاحتياطي الذي أعطى سلطات تقديرية واسعة للقضاة المعنيين والمسولين عنه، والذي لا رقيب عليهم و على قراراتهم إيداع الأشخاص بالسجون قبل التحقيق وقبل المحاكمة، مقترحا بعض الحلول في ظل مشروع المسطرة الجنائية التي عرضه قبل سنوات والذي لم يستطع تقديمه للبرلمان قبل مغادرة وزارة العدل، وهو بالتالي يبقى أحد المسؤولين السياسيين عن أوضاع السجون وعن ما حدث ويحدث فيها، وأحد المسؤولين عن الانتهاكات أو التجاوزات التي تعترض السجناء كوزير لحقوق الإنسان. وعلى عكس ما قال وزير حقوق الإنسان السيد الرميد، فليس للسجون وليس للمندوبية العامة أن تستقبل سوى الأعداد التي تستوعبها وتقدر على إيوائها بالسجون حسب عدد الأماكن، وعليها أن ترجع المعتقلين لمن قرر اعتقالهم ليبحث لهم عن أمكنة مناسبة وإنسانية للاعتقال، ومن هنا ولمّا تصبح السجون تستقبل الآلاف بدون حساب ودون اعتبار لحالاتها ولطاقاتها، فإنها تصبح «مزابل للبشر» ويصبح «المعتقلون كالنفايات» بدون كرامة ومحتقرون دون مواطنة، ولما تصبح السجون تمتلئ عنابرها بأكثر من طاقاتها فأن المندوبية تصبح حينئذ مسؤولة مدنيا وحتى جنائيا عن كل ما يحدث بها ويترتب عن الاكتظاظ من مضاعفات ومن تداعيات، وعن كل ما يقع داخلها من منازعات واحتكاكات ومن ردود فعل ومن سوء المعاملة ومن مظاهر الأمراض النفسية والجلدية والأعطاب الصحية الناتجة عن ضعف مرافق النظافة التي تستوعب الجميع، ومسؤولة، كذلك، عن ضعف تقديم الخدمات الصحية بالجودة وحسب الاحتياجات …إلخ، ويصبح كل من له دور في المراقبة وتتبع أوضاع السجناء من أجهزة قضائية أو من عمال وولاة وجمعيات وغيرهم، مسؤولة أمام الضمير الإنساني الوطني والدولي وأمام التاريخ، ومسؤول عن عدم فرض الحلول المستعجلة. كان على وزير حقوق الإنسان أن يقترح حلولا لمعضلة اكتظاظ السجون، يوم كان وزيرا للعدل ورئيسا للنيابة العامة، واليوم وهو وزير لحقوق الإنسان، وكان عليه أن يضع مخططا وطنيا لمعالجة حالات السجون، مرفقية ومالية وبشرية وتنظيمية، وأن يبحث عن سياسة جنائية بمقاربات متعددة تقطع مع حالات العود وحالات جنوح الأحداث، وأن يستأنس بتدبير السجون بتجارب الدول الاسكندينافية حتى لا ينقل لسجوننا النموذج الرهيب الأمريكي الذي يجسده معتقل غوانتانامو. اليوم، لا أحد يريد حلا حقيقيا للاكتظاظ بالسجون، فالكل يبرر «الإبقاء على السجون المزابل»، وليست الفنادق، التي تُحشر بها الأعداد دون أحساس إنساني وتحت أعين السلطات القضائية والسلطات الحكومية والسلطات الحقوقية.