تقود وزارة الداخلية منذ 15 نونبر سياسة عمومية ضد البرد، في نحو 28 إقليما تشهد خلال هذه الفترة من السنة موجات برد قارس، طالما تسببت في أحداث مؤلمة، أثارت غضبالمواطنين، وكانت وراء احتجاجات اجتماعية في بعض الحالات. “اليوم 24” توصل بسلسلة بلاغات من وزارة الداخلية، تكشف عن اجتماعات يترأسها الولاة والعمال، بحضور مسؤولي المصالح الخارجية للوزارات (التعليم، الصحة، النقل والتجهيز..)، ومسؤولي الأجهزة الأمنية والعسكرية (الدرك، القوات المساعدة، الوقاية المدنية، الجيش الملكي..)، علاوة على المنتخبين من رؤساء الجماعات الترابية، تتولى اتخاذ مجموعةمن “التدابير الاستباقية والاحترازية” لمواجهة الانعكاسات السلبية المحتملة لموجة البرد، خاصة في المناطق التي تعاني أكثر من “موجة البرد القارس والتساقطات الثلجية والفيضانات“. وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن تلك الاجتماعات انطلقت يوم 16 نونبر الجاري ولازالت مستمرة، وشملت لحد الآن أقاليم إفران، الحسيمة، تاونات، تازة، وزان، ميدلت، بولمان، تنغير، ورزازات، زاكورة، خنيفرة، بني ملال، أزيلال، المضيقالفنيدق، كرسيف، جرادة، فكيك، الحوز، تارودانت، تزنيت، ويُرتقب أن تشمل باقي الأقاليم المستهدفة، وعددها 28 في المجموع. وتتحدث وزارة الداخلية عن سلسلة من القرارات والتدابير والإجراءات التي تتخذ بكيفية استباقية ومواكبة خلال الفترة ما بين 16 نونبر الجاري و30 مارس 2020، وتختلف الإجراءات من إقليم لآخر، حسب الخصوصيات، تشمل، مثلا، إحصاء النساء الحوامل في الدواوير التي يمكن أن تتعرض لعزلة بسبب الثلوج والأمطار، وتتبع حالتهن إلى حين الولادة في دورالأمومة والمراكز الصحية القريبة، وتجنيد أعوان السلطة لتنفيذ هذا الإجراء. كما تشمل الإجراءات، تزويد دور الأمومة ودور الطالبات والمسنين بالمواد الغذائية والأغطية وأجهزة التدفئة؛ والتكفل بكل الأشخاص بدون مأوى بالمراكز الاجتماعية، وكذا المختلين عقليا بالمستشفيات الإقليمية؛ وتزويد المدارس بحطب التدفئة، وتوزيع 1300 فرن محسن لساكنة المناطق الجبلية، بالحسيمة مثلا. ولم تهمل تلك الإجراءات إحصاء المواطنين الرحل في عدد من الأقاليم، وتتبع تحركاتهم وأماكن تواجدهم لتفادي أي تطورات مناخية سيئة قد تعرضهم وقطعانهم للخطر؛ والسهر على تتبع حالة انقطاع التيار الكهربائي، وتوفير تغطية شبكة الهاتف. كما قررت عدد من الأقاليم تعبئة مروحيات (الهيلكوبتر) للتدخل الفوري؛ علاوة على تحسيس الساكنة للاهتمام بمضمون النشرات الإنذارية الصادرة عن مديرية الأرصاد الجوية، وتوقيف الدراسة في حالة نشرة إنذارية من المستويين البرتقالي أو الأحمر؛ تزويد المؤسسات الصحية بالأدوية اللازمة لمواجهة الانخفاض الكبير في درجات الحرارة، وتنظيم حملات طبية لفائدة المرضى في المناطق الوعرة. هكذا، يبدو أن الحكومة، من خلال وزارة الداخلية، قد بلورت سياسة عمومية اتجاه البرد، وهي سياسة لم يكن ممكنا الحديث عنها قبل 15 سنة، وبالضبط قبل حدث وفاة 27 طفلا في منطقة أنفكو بالأطلس المتوسط، ذلك الحدث الذي كان بمثابة جرس إنذار، تولدت عنه تدريجيا سياسة عمومية شاملة، انطلقت في البداية بتعبئة القوات المسلحة الملكية للتدخل، مع بداية كل فصل للبرد، عبر مستشفيات ميدانية وذلك منذ سنة 2009. ثم تطورت تلك السياسة العمومية مع الحكومة السابقة التي أطلقت برامج قطاعية متفرقة، أبرزها حملة الوزيرة السابقة، بسيمة الحقاوي، ل“إيواء المسنين” المشردين خلال فترة البرد سنة 2014، تميز بإشراك المجتمع المدني والمحسنين من رجال الأعمال وبحضور إعلامي كذلك، وكذا برنامج “رعاية” الذي أطلقه وزير الصحة السابق الحسين الوردي في نهاية 2014، واستهدف في البداية المناطق التي تضررت من الفيضانات في الجنوب، قبل أن يتطور الأداء الحكومي نحو سياسة عمومية تساهم فيها جميع القطاعات الحكومية المعنية، لكن يبدو أنها سياسة يعوزها إشراك المجتمع المدني والإعلام والساكنة المستهدفة فيالأقاليم المذكورة، وهو ما ينبغي تداركه.