يبدو أن مجلس جهة درعة تافيلالت قد وصل إلى الباب المسدود، بعدما أسقطت المعارضة مشروع الميزانية لسنة 2020، في الاجتماع الثالث من نوعه يوم الجمعة الماضي، فيما اختار فريق حزب العدالة والتنمية مقاطعة أشغال الدورة ب”قرار جماعي وإرادي للفريق”، الذي استثنى منه رئيس مجلس الجهة، الحبيب الشوباني، ونائبة كاتب المجلس، “نظرا إلى مسؤوليتهما التدبيرية لانعقاد الدورة وتوقيع محاضرها طبقا للقانون”. النقطة، التي وصل إليها الخلاف بين رئيس المجلس، الحبيب الشوباني وبين المعارضة، بدأت منذ مارس الماضي لأسباب غامضة حتى الآن، بعدما مرّت دورة مارس 2019 بنجاح، حيث جرى التصويت بالإجماع على جميع مقررات المجلس. فمنذ أبريل الماضي، جرت تطورات أدت إلى تفكك أغلبية المجلس التي كانت تتشكل منذ 2015 من فريق حزب العدالة والتنمية، وجزء من منتخبي حزب الأحرار ومنتخبي الحركة الشعبية ومنتخبي التقدم والاشتراكية. وهكذا انعقدت دورة مجلس الجهة في يوليوز الماضي على وقع الصدام بين الرئيس وأغلبيته، هذه الأخيرة تتهم الرئيس بالدكتاتورية والانفراد في تسيير المجلس، بينما يفسر بعض منتخبي حزب العدالة والتنمية التحول في مواقف الأغلبية بضغوطات من خارج المكتب. الرؤيتان معا برزتا في أشغال اجتماع ثالث يوم الجمعة الماضي، الذي انعقد لمناقشة والمصادقة على مشروع الميزانية لسنة 2020، حيث كشف الشوباني أن الميزانية أعدها أعضاء المكتب ووافقوا عليها في مكتب الرئيس، بإجماع الأعضاء. لكن المعارضة الجديدة، بمن فيها نواب الرئيس اعتبروا أن الميزانية تم تعديلها، ولم يصادق عليها المجلس. وفي هذا الصدد، قال عبدالعزيز العمري، نائب الشوباني عن الأحرار، إنهم اشترطوا شروطا على الرئيس مقابل الموافقة عليها. لكن لا يبدو أن الخلاف حول الميزانية هو الحقيقة، بل مجرد نقطة في مسار بدأ منذ مارس الماضي، تختلف خلفياته حسب المواقع السياسية لأصحابها. ففي بلاغ لمستشاري حركة الشعبية، اعتبروا أن الخلاف داخل مجلس الجهة يعود إلى “رؤيتين مختلفتين” في التدبير، وأكدوا أنهم اختاروا الحياد في الصراع الذي وصفوه ب”الفارغ”، لكنهم بدل المشاركة في أشغال المجلس، اختاروا مقاطعة دورات المجلس منذ يوليوز الماضي، ما يشير إلى أن خيار المقاطعة جاءت كمخرج وليس اختيار. بلاغ فريق حزب العدالة والتنمية بالمجلس قدم قراءة ثانية تحدثت عن “تحولات مفاجئة” بدأت على مستوى مجلس الجهة منذ 9 أشهر، في إشارة، على ما يبدو، إلى تعيين الوالي الجديد، بوشعاب يحضيه. وهو المعطى الذي تم التأكيد عليه ضمنا حين اعتبر بلاغ فريق “البيجيدي” بالجهة أن التحولات حصلت “بفعل ضغوط وتدخلات من خارجه، استهدفت تفكيك الأغلبية وزعزعة تماسكها، تم رصدها مباشرة بعد دورة مارس 2019 الناجحة، والتي ختم بها المجلس حوالي أربع سنوات من العمل المشترك والاختلاف الطبيعي بين مكوناته، بتصويت أعضائه بالإجماع على كل مقرراتها”. وأضاف أن موقفه بمقاطعة اجتماع الجمعة الماضي تجنب من خلاله “إضفاء الشرعية على مشهد مصطنع ومزيف، تم فيه تجميع مكونات المعارضة بوسائل وأدوات غير سياسية، وتكثير أعضائها بتعطيل أحكام نهائية للقضاء”. لكن المعارضة لم ترد على هذه التهم، ومضت نحو تقديم تفسير آخر للخلافات التي طرأت على مجلس الجهة بعد دورة مارس الماضي، بعدما عاش مجلس جهة درعة تافيلالت هدوءا طبيعيا على مدى 4 سنوات (شتنبر 2015- مارس2019). غيثة بلمقدم، عضو مجلس الجهة عن فريق الأصالة والمعاصرة (معارضة)، قالت بعدما فوجئت بتغيب منتخبي العدالة والتنمية عن اجتماع المجلس، إن “أعضاء مكتب الجهة لم تتم استشارتهم بشأن إعداد مشروع الميزانية، ولم يؤخذ برأيهم أثناء إعدادها”، لتؤكد أن “هذا مخالف للقانون”. وأضافت بلمقدم، التي تترأس جماعة قروية في إقليم ميدلت، إن “الميزانية ينبغي أن يعدها الرئيس مع أعضاء مكتبه، وأن تمرر إلى لجنة الميزانية التي تترأسها المعارضة”، مؤكدة مرة أخرى أن “الميزانية أعدت بدون إشراك الطرفين”، وأردفت: “لقد باغتنا الرئيس أنه عوض عرض مشروع الميزانية، اختار سرد المنجزات التي حقّقها”. وفي السياق عينه، أكدت أن المشكل الرئيس بين المعارضة والرئيس تكمن في “التدبير الانفرادي، وفي نوع من الديكتاتورية والعجرفة التي ليست في صالح تدبير جهتنا”. المبرر نفسه، أشار إليه المستشار الجهوي، عدي شجري، عن حزب التقدم والاشتراكية، الذي فسّر التصويت برفض ميزانية المجلس لسنة 2020 بأنها “ميزانية الرئيس فقط، الذي لم يستشر مع أحد”، وأضاف “لم نصوت ضد التنمية، بل ضد العبث”، مؤكدا أن “تصويتنا اليوم، يترجم انعدام ثقتنا في الرئيس”. الآن، وقد وصل الصراع بين الشوباني ومعارضيه إلى الباب المسدود، تكون الكرة قد تم قذفها نحو مرمى وزارة الداخلية، التي يتهمها مستشاري حزب العدالة والتنمية بأنها طرف في الصراع، من خلال ممثلها والي الجهة وعامل إقليمالرشيدية. ومن بين الخيارات المتاحة أمامها تفعيل المادة 201 من القانون التنظيمي للجهات، التي تسمح لها بوضع ميزانية للتسيير على أساس آخر ميزانية مؤشر عليها، مع مراعاة تطور تكاليف وموارد الجهة، داخل أجل أقصاه 31 دجنبر. وإذا لم يتم التأشير على الميزانية قبل فاتح يناير، وفق المادة 206 من القانون عينه، أمكن أن يؤهل رئيس المجلس، بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية للقيام بتحصيل المداخيل والالتزام بنفقات التسيير وتصفيتها والأمر بصرفها في حدود الاعتمادات المقيدة برسم آخر ميزانية تم التأشير عليها، وذلك إلى غاية التأشير على الميزانية.”