في الوقت الذي شددت فيه على سلمية توجهها، عادت جماعة العدل والإحسان لتهاجم السلطات مرة أخرى، مصعدة من لهجتها في انتقاد العديد من الممارسات السياسية، وكاشفة في تقرير أعدته دائرتها السياسية، أن “السلطات مازالت تتمادى في ترسيخ أسس الدولة البوليسية، لأن خيراته تُنهب، وسيادته تُسلب، بسبب الفساد والريع والتفقير وغلاء المعيشة والبطالة والمديونية، وفضائح التطبيع، والهجمة على هوية الشعب ولغته العربية ومقدساته الإسلامية عبر السياسات المشبوهة”، وما سمّته الجماعة ب”إعلام التفاهة والتشهير”. وعطفا على الوضع الحالي للمشهد السياسي، قالت العدل والإحسان، إنه “يقود البلاد إلى الهاوية”، داعية “كل الأحرار ابتداءً إلى اتخاذ الموقف الواضح والموقع المناسب حُيال دوائر الاستبداد، بما يسمح بتقوية جبهة المجتمع ومكوناته الصادقة من أجل العمل على إنقاذ سفينة الوطن عبر ائتلاف سياسي جاد، تجسيدا عاجلا لحالة مجتمعية تواقة للتغيير ترفض الارتهان للوضعية القائمة، وتقف في وجه تغوّل الاستبداد وتمدد الفساد واشتداد معاناة الشعب، أو انفجار غير محسوب التوقيت ولا متوقع النتائج”. وجددت جماعة الشيخ عبدالسلام ياسين في تقريرها، تضامنها مع العديد من الإعلاميين والحقوقيين، مؤكدة استمرار التضييق والاعتقال التعسفي والمحاكمات السياسية الصورية الفاقدة لشروط المحاكمة العادلة ضد الفاعلين الجمعويين والحقوقيين والإعلاميين، لتقييد الحق في المعلومة وحرية التعبير وخنق الإعلام والصحافة المستقلة مع توظيف القضاء لتصفية الحسابات مع المعارضين، وقالت إن تقارير المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية كشفت بؤس الوضعية الحقوقية بالمغرب، ومنها تقرير “مراسلون بلا حدود” لسنة 2019، الذي سجل تراجع المغرب في مجال حرية الصحافة، ومنها استمرار المحاكمات غير العادلة للصحافيين حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين، وكذا تعرض الناشطين الإعلاميين سعيد بوغالب وعدنان أحمدون وآخرين لمتابعات في عدة قضايا أمام المحاكم تهم نشاطهم الإعلامي. وأوضحت الجماعة في تقريرها السياسي المطول، استمرار ما وصفته ب”الاستفراد المخزني بالقرار السياسي ومصادرة حقوق المواطنين وتهميش مشاركتهم الفعلية والحقيقية في إدارة الشأن العام، ومع التضييق الممنهج على القوى المعارضة عبر أساليب استبدادية قمعية، وصلت بلادنا إلى انسداد سياسي يعتبر سببا ونتيجة في تقويض دور الوساطة الرسمية”. وتابعت العدل والإحسان أن “استمرار تغول السلطوية واستشرائها صنع فشلا اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا، من تجلياته الواضحة ارتفاع المديونية مقابل احتكار الثروة وهدرها، وهو اختلال تؤدي ثمنه فئات واسعة من الشعب المغربي على مستوى الخدمات والمكتسبات الاجتماعية الآخذة في التراجع بشكل متسارع، كما في المعاش اليومي القائم على ضروريات العيش الكريم. وهو ما يؤكد أن الطغيان يصنع الحرمان”. وأكدت الجماعة أن “من مؤشرات مصادرة الرأي الشعبي والانحباس والانسداد السياسي تهميش النقاش المجتمعي بشأن عدد من مشاريع القوانين، والعمل على إنتاج سياسات أقرب إلى الإملاء عند تمريرها، وخاصة القوانين الحساسة المرتبطة بقضايا مصيرية كالتعليم والصحة، والتي صارت مقاربات الدولة فيها جزءًا من المشكل، بدل أن تكون حلولا لوضعيات انعقد الإجماع على إفلاسها”. وهي الوضعية السياسية التي قالت الجماعة إنها “أنتجت ديناميات جديدة من خارج الأطر الكلاسيكية للتمثيل الشعبي كجواب مجتمعي يحمل في طياته روح الإيجابية واليقظة التي تصبو بإيقان لغد جديد مشرق وممكن”. وأوضحت الجماعة، أيضا، أن “قوة المجتمع الاحتجاجية لم تفتر أمام محاولات التيئيس الفاشلة بقدر ما اتخذت أبعادا وأشكالا للتعبير عن نفسها، كما مثلت ردا شعبيا عمليا على قتل السياسة والتضييق على الحريات لصالح التخريب وتجريف المشهد السياسي أمام خدام الاستبداد”. واعتبرت الجماعة في تحليلها السياسي، أن “النظام السياسي أصر على مقاربته القمعية العنيفة خلال تعامله مع التعبيرات المجتمعية المستجدة ومع الأصوات المناهضة والمعارضة الحرة، ففتح المتابعات في المحاكم ولفق التهم واجتهد في التعتيم على خروقاته الحقوقية بتكييفات قانونية، من ذلك الأحكام القرونية التي حُكم بها على معتقلي الحسيمة، والتضييق على الإعلام بكل الوسائل، وتشميع بيوت أعضاء من جماعة العدل والإحسان وإعفاء آخرين من وظائفهم دون وجه حق وغيرها”. وقالت الجماعة، أيضا، إن اللحظة التقويمية الحالية، “وقف الجميع على نتائجها الصادمة لما يسوقه النظام السياسي من إنجازات ومشاريع وإصلاحات مست مجالات جزئية أو لاحقت أعراضا هامشية، لكنها لم تستطع أن تصل إلى عمق الأزمة المستفحلة ولم تقترب من منبعها ولم تغير أو تصلح الأعطاب الكبرى التي يعرفها المغرب، بدءًا من نظام الحكم غير الديمقراطي ووصولا إلى القعر الاجتماعي، حيث التهميش والتخلف والفقر، مرورا بأزمات الإعلام والتعليم والصحة والشغل والحقوق المدنية… وغيرها”. وأكدت العدل والإحسان أن المغرب “مازال يعيش الأعطاب نفسها، بل ازدادت تداعياتها وآثارها تفشيّا، مُخالِفة كل الوعود السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي حملها العهد الجديد، وهو ما يستدعي السؤال حول جدية تلك المشاريع وخلفياتها، ومدى قدرتها على التوظيف الجيد والإشراك الفعلي والشفاف للكفاءات الكبيرة والكثيرة، والثروات الهائلة التي تزخر بها البلاد في مختلف القطاعات والمجالات بما يحقق التنمية المرجوة، ومعه مساءلة مدى نجاعة تلك المشاريع ومداخلها وحدود ما تحدثه من أثر في مشهد يتحكم فيه زواج الفساد والاستبداد، وثنائية الاستفراد والإقصاء”.