خرج عدد كبير من اللبنانيين مجددا إلى الشوارع للتظاهر صباح السبت لليوم الثالث على التوالي، احتجاجا على فشل السلطات في إدارة الأزمة الاقتصادية، في وقت تبادلت القوى السياسية الاتهامات بالمسؤولية عن تدهور الوضع. وتشهد العاصمة ومناطق عدة منذ الخميس حراكا جامعا لم يستثن منطقة أو حزبا أو طائفة أو زعيما ، في تظاهرات غير مسبوقة منذ سنوات، رفضا لتوجه الحكومة إلى إقرار ضرائب جديدة في وقت لم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة والبطالة وسوء الخدمات العامة. وبعد تظاهرات حاشدة ليلا ، تخلل بعضها أعمال شغب واعتقالات، عاد اللبنانيون إلى الشارع، وتجمع المئات حاملين الأعلام اللبنانية أمام مقر الحكومة في وسط بيروت، الذي بدا صباحا أشبه بساحة حرب، تتصاعد منه أعمدة الدخان وسط تناثر الزجاج ومستوعبات النفايات. وبينما ساد الهدوء العاصمة بيروت ومدينة طرابلس، اليوم، سُجّلت في مدينة صور عمليات اعتداء منظمة على المحتجين المطالبين بالتغيير من قبل أنصار زعيم حركة “أمل”، رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، والذي تعرّض خلال اليومين الماضيين إلى انتقادات واسعة، بوصفه من بين أبرز من يتحملون المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في لبنان. كما طاولت الانتقادات زوجته رندة بري، فيما تعرّض مدخل استراحة صور التي تملكها إلى الاحتراق أمس. وتخلل التجمع في وسط بيروت ليل, الجمعة تدافع بين المشاركين والقوى الأمنية التي عملت على تفريقهم بالقوة عبر اطلاق خراطيم المياه وعشرات القنابل المسيلة للدموع، ما تسبب بحالات اغماء وهلع. وانتهت التظاهرة بأعمال شغب من قبل شبان غاضبين أقدموا على تكسير واجهات المحال التجارية وواجهتي مصرفين وعدادات وقوف السيارات وإشارات السير. وأعلنت قوى الأمن الداخلي توقيف “سبعين شخصا خلال قيامهم بأعمال تخريب واشعال حرائق وسرقة في وسط بيروت”، تم اطلاق سراح عدد منهم السبت وفق ما أعلن أحد المحامين. ودعت قيادة الجيش السبت المتظاهرين إلى “التعبير بشكل سلمي وعدم السماح بالتعدي على الأملاك العامة والخاصة”. وبدأت التظاهرات ليل الخميس بعد ساعات من فرض الحكومة رسما بقيمة 20 سنتا على التخابر على التطبيقات الخلوية، بينها خدمة واتساب، لكنها سرعان ما تراجعت عن قرارها على وقع الحراك الشعبي. ومنح الحريري الجمعة “شركاءه” في الحكومة، في إشارة إلى حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه الرئيس اللبناني ميشال عون، مهلة 72 ساعة، حتى يؤكدوا التزامهم المضي في اصلاحات تعهدت حكومته القيام بها العام الماضي أمام المجتمع الدولي، مقابل حصولها على هبات وقروض بقيمة 11.6 مليار دولار. وبينما أبدى الحريري استعداده للتنحي، رفض الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، أبرز خصوم الحريري السياسيين، في خطاب متلفز السبت استقالة الحكومة، معتبرا أن “وقت البلد ضيق ويصعب العثور على حكومة جديدة تستطيع أن تعالج” الأزمة. وشدد نصرالله على أن “الوضع المالي والاقتصادي ليس وليد الساعة ولا وليد السنة، ولا ثلاث سنوات، ولا العهد الجديد أو الحكومة الجديدة” بل نتيجة تراكم عبر سنوات طويلة”، متوجها للمتظاهرين بالقول “رسالتكم وصلت إلى المسؤولين جميعا ، ووصلت قوية”. وسلطت التظاهرات الضوء على الانقسام بين فريقين داخل الحكومة، تتباين وجهات نظرهما حول إجراء الإصلاحات من جهة، وملف العلاقة مع سوريا المجاورة من جهة ثانية. ويعاني لبنان من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية. ويقدر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.