بعد مرور قرابة سنتين على إقرار الملك محمد السادس بأن “النموذج التنموي المغربي لم يعد قادرا على الاستجابة لتطلعات المواطنين”، أعلن العاهل المغربي عن قراره بإحداث لجنة خاصة بالنموذج التنموي بعد النتائج الإيجابية التي حققتها لجان خاصة سابقا في بعض القضايا ذات البعد الوطني كالجهوية والدستور ومدونة الأسرة وهيئة الإنصاف والمصالحة. وأضاف الملك في خطاب الذكرى العشروين لعيد العرش، أن النموذج التنموي الحالي أبان خلال السنوات الأخيرة عن عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، وهو ما دفعنا للدعوة إلى مراجعته وتحيينه”، يقول الملك. وأكد الملك على أن هذه اللجنة لن تكون بمثابة حكومة ثانية أو مؤسسة رسمية موازية، وإنما هيئة استشارية ومهمتها محددة في الزمن وعليها أن تأخذ بعين الاعتبار التوجهات الكبرى للإصلاح التي سيتم اعتمادها في عدد من القطاعات كالتعليم والصحة والنظام الضريبي وأن تقدم اقتراحات بشأن تجويدها”، مشيرا إلى أنه تمت مراعاة أن تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية والروافد الفكرية من كفاءات وطنية في القطعيين العام والخاص تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته واستحضار المصلحة الوطنية العليا”، وزاد “سيتم تنصيبها في الدخول المقبل، وذلك من أجل تقويم الاختلالات في المشاريع التنموية”. وتعليقا على إحداث هذه اللجنة اعتبر رشيد أوراز، باحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن قرار الملك بتشكيل لجنة تسهر على إعداد النموذج التنموي، جاء بعد فشل الحكومة والأحزاب في تقديم تصور للنموذج التنموي، موضحا أن اللجنة ستعمل على التواصل مع جميع الأحزاب في الأغلبية والمعارضة لجمع مقترحات في هذا الشأن”، وزاد أن “النموذج التنموي هو ملك لجميع المغاربة ولا يسائل فقط، الحكومة أو الأحزاب، وإنما يجب أن يشارك فيه جميع الفاعلين”. واعتبر الباحث المغربي في تصريح ل”أخبار اليوم” أنه من المنطقي أن يكون رئيس الدولة هو المشرف على هذا البرنامج، موضحا أن “سؤال التنمية هو للأمد البعيد وليس المدى القصير، وعمره هو أطول من عمر الحكومة”، مشيرا إلى أن اللجنة لن تشكل فقط، من اقتصاديين، بل من متخصصين في مجالات مختلفة وسبق أن اشتغلوا في القطاع العام والخاص”، مردفا أن “هذه اللجنة ستعالج الإشكالات وستوحد الرؤى”. من جانبه، قال محمد شقير أستاذ العلوم السياسية، إن تشكيل اللجنة الملكية لتقويم الاختلالات في مشاريع التنموية لا علاقة لها بفقدان الملك الثقة في الحكومة، موضحا أن “الملك أشار في خطابه إلى أن اللجان بالنسبة إليه تقبر كل المشاريع، لكنه استدرك وقال إنه سبق أن شكلت لجن في قضايا أخرى مثل تعديل الدستور ومدونة الأسرة وغيرها”، وزاد أن “إعلان فشل النموذج التنموي كان بخطاب ملكي وحتى تنصيب اللجنة سيكون بقرار ملكي، مما يعني أن الملك يحسم في كل القضايا”. شقير وفي حديثه ل”أخبار اليوم”، اعتبر أن هذا أسلوب حكم اختاره الملك محمد السادس، وذلك من خلال إشرافه على كل القضايا، من وضع تصور عام وعرضه عليه والموافقة عليه، وأضاف أن “الملك هو من سيختار الكفاءات المشكلة للجنة”، غير أنه عاد ليقول “إنه في إطار العمل التشاركي اللجنة ستعمل على دعوة كل الفعاليات التي وضعت رؤيتها للنموذج التنموي الجديد وبلورتها، إذ سيتم تجميع جميع المقترحات وتدارسها للخروج بتصور موحد سيقرر فيه الملك”. هذا، وأكد الملك في الخطاب ذاته أنه “لا يميل شخصيا لإحداث اللجان الخاصة لدفن المشاكل، لكن لن يهدأ لي بال حتى أعالج المعيقات وأعالج المشاكل، ولن يتأتى إلا بوجود الكفاءات المؤهلة لإنجاز المشاريع”، واسترسل قائلا: “قطعنا مسارا في ترسيخ الحقوق والحريات، وأنجزنا نقلة نوعية في البنيات التحتية، كالطرق السيارة، والقطار والميناءات، وتأهيل المدن.. ندرك أن البنيات التحتية لا تكفي وحدها ومن منطلق الوضوح والموضوعية، وهو ما يؤثر على هذه الحصيلة لم تشمل جميع فئات المجتمع المغربي المواطنين في تلبية حاجياتتهم خصوصا”.