بعد مسير دقائق في وهج شمس محرقة، يعطش المرء، ويحلم بجرعة ماء باردة تطفئ ظمأه، وحالما يصل الماء، يحذره كثيرون من عبّه بشراهة، بل يقولون إنّ هذا قد يضره ولاسيما على عملية الهضم، لكن هل هناك أسرارٌ أخرى؟ يتسلح المعترضون على شرب الماء البارد بموروث قديم من الثقافة البوذية والهندوسية يؤكد على أن عب الماء البارد يعيق عملية الهضم، ومن الأفضل للمرء أن يستهل يومه بماء فاتر. لكن الأبحاث العلمية لم تكشف وجود ضرر حقيقي للماء البارد على صحة البدن، وهو ما أكده بحث نشره موقع “ميديكال نيوز تودي” العلمي البريطاني. كل الأبحاث تجمع على ضرورة عب الماء في الصيف لتعويض الجسم عن فقدانه للسوائل من خلال التعرق. وهذا ثابت للمرء، حيث يلاحظ أنّ الإنسان يصبح قليل التبول في الصيف بسبب التعرق، وهذا يعني أنّ الجسم يفقد سوائله، وعلى المرء أن يُكثر من الشرب حتى يستعيد مستوى تبوله الطبيعي. لكنّ شرب الماء في الصيف يبدو مشروطاً لدى أغلب الناس بأن يكون الماء باردا. وهكذا حين يصطحب المسافر قنينة ماء معه، وترتفع درجة حرارة الماء في القنينة، لا يعود المسافر راغباً في شربه! وهذا طبيعي، لكنّ الأسئلة تدور حول الماء البارد، أو بالأحرى المثلّج الذي يفضّله أغلب الناس رغم تهديدات الأمهات والأحبة بأنه سيعرضهم لنزلات برد. ولكن كل هذه التحذيرات لا تدعمها البحوث الطبية، حيث كشف موقع “ساينس أي بي سي” العلمي الهندي أن لا ضرر ثابت في عب الماء البارد، باستثناء كونه يعرض عملية الهضم إلى عسر بفعل تقلص عضلات المعدة. يخفض الحرارة الداخلية للجسم ويشير الموقع إلى أنّ تعاليم العلاج الهندي الموسوم ب “آيورفيديك” تؤكد أن تناول الماء المثلّج يقلق توازن الجسد ويبطئ من عملية الهضم. وتعليلهم لذلك أنّ للجسم حرارة داخلية تدور حول 36-37 درجة مئوية، وأنّ عب الماء البارد بكميات كبيرة وبسرعة سيهبط بدرجات حرارة الجسم الداخلية إلى معدلات أقل، ما يكلف الجسد مزيداً من الطاقة لاستعادة الحرارة، وهذا يفسر الشعور بالارتخاء بعد عب الماء البارد، الذي يفسره الشاربون بأنّه ارتواء، وهو بالحقيقة هبوط حرارة مركز الجسد. لكن، بشكل عام، تتفق مراكز البحث الطبي على أن شرب الكثير من الماء إن كان باردا أو دافئاً يساعد على طرد السموم من الجسم، ويسهّل الهضم، ويمنع الإمساك. ونشر الموقع المذكور وقائع ونتائج دراسة صغيرة أجريت عام 2013 على ستة أشخاص لتقصي آثار العطش الذي أصابهم وأثر الماء البارد الذي تجرعوه. فتبين أنّ شربهم لماء درجة حرارته 16 مئوية، وهي درجة حرارة ماء الحنفية في الأحوال الطبيعية، قد تبعه بدقائق توقفهم عن التعرق (ولابد من الاشارة إلى أن هذا لا ينطبق على درجة حرارة ماء الحنفية في البلدان الحارة، حيث تصل في أحيان كثيرة إلى 40 درجة مئوية) . ومن هذه التجربة البسيطة، خلص الباحثون إلى أن شرب الماء بدرجة حرارة 16 مئوية هو الأنسب لمن بذل جهداً كبيراً وتعرق بشدة وارتفعت درجة حرارة جسده بسبب الجهد أو القيظ. بعض الدراسات، تفيد أن شرب الماء البارد أثناء إداء التمارين الرياضية قد يحسّن من أداء المتدرب ويقوي قدرته على التحمل. وقد أفادت دراسة أجريت عام 2012 على 45 رجل سليم البدن تناولوا الماء البارد أثناء أداءهم تمارين رياضية، قد ساهم إلى حد كبير في خفض درجة حرارة داخل أجسادهم مقارنة بهم حين شربوا ماء بنفس درجة حرارة غرفة التمرين. مخاطر محتملة لشرب الماء البارد تحذر بعض الأبحاث الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في المريء وفي الحنجرة من تناول الماء البارد، ولاسيما المصابين منهم بمرض” آخالاسيا” وهو مرض يؤدي بالمصاب إلى صعوبة بلع الطعام والسوائل. وقد أثبتت الدراسات أن المصابين بهذا المرض قد يتعرضون لمضاعفات صحية في حال عبهم الماء البارد في الصيف خاصة، ولكنّ الذين عانوا من تلك الأعراض، ما برحوا أن شفوا حال تناولهم ماء ساخنا، وعاد بإمكانهم البلع بسهولة. دراسة أخرى أجريت عام 2001 وشملت 669 امرأة أثبتت أن شرب الماء البارد يسبب لدى بعض النساء حالات صداع، حيث ظهر أن 7,6 من المشاركات عانين من الصداع بعد أن شربن 150 مليليتر من الماء المثلج بواسطة قصبة. وتفاقم الأمر لدى المصابات بحالات الصداع النصفي (الشقيقة). أما الاعتقاد الشائع بشدة في أغلب المجتمعات بأنّ شرب الماء البارد وتناول الآيس كريم والأكل البارد في الصيف خاصة، قد يسبب نزلات برد أو أنفلونزا أو نزلات صدرية، فما زالت تعوزه الأدلة، إذ لم يتوفر دليل علمي واحد يدعم هذا الاعتقاد. وفي دراسة خضع لها 12 رجلاً رياضيا في عام 2014، ظهر ان تناول الرياضيين للماء المخلوط بمجروش الجليد المعروف ب “سلش” حسّن أداءهم بشكل واضح بعد الشرب. ويزعم كثيرون أن شرب الماء البارد بإفراط يساعد إلى حد كبير في تخفيف الوزن، مستندين إلى دراسات تفيد بأنّ شرب المزيد من الماء يساعد البدن على حرق سعرات حرارية، لكن تلك الدراسات لا تضع فرقاً بين شرب الماء البارد وشرب الماء بدرجة حرارة الغرفة العادية في البلدان معتدلة الأجواء.