المحامي عبد المولى الماروري نحن ننظر في مجموعة من الإجراءات والتدابير التي اتخذت وأعملت وانتهت إلى اعتقال الأستاذ الصحفي توفيق بوعشرين، هذه الإجراءات انطلقت من مرجع نحتكم إليه جميعا، ألا وهو قانون المسطرة الجنائية.. ونحن نحتكم إلى قانون المسطرة الجنائية لا بد أن نتفق على بعض القواعد وبعض المفاهيم، من خلالها نلج ولوجا قانونيا منطقيا منهجيا ومعقولا، نضع فيه القواعد والأسس، ونتكلم لغة واحدة نتفق عليها، ذلك أنه يجب أن نقف على فهم حقيقي لقانون المسطرة الجنائية، وماهيته، ودوره، وإلى غير ذلك من الأمور قبل إلقاء القبض على المشتبه فيه، ووضعه رهن الاعتقال الذي سنتكلم عليه فيما بعد. سيدي الرئيس.. إن قانون المسطرة الجنائية هو مجموعة من القواعد الشكلية الإجرائية، وهي تعتبر من النظام العام، لا يجوز مخالفتها أو إنقاصها، أو إتيانها بشكل معيب. لذلك رتبت هذه المسطرة جزاءات تصل إلى البطلان أو الانعدام أو عدم اعتبارها، أو غير ذلك من الجزاءات حماية للطرف الضعيف وهو المتهم. هي إجراءات تهم البحث، وجمع الأدلة والتحقيق قبل المتابعة والمحاكمة. جاءت هذه المسطرة من أجل تحقيق توازن بين حق المجتمع وحق الفرد وحماية حقوقه، وعلى رأسها تمتعه بمحاكم عادلة. هي سيدي الرئيس قواعد آمرة تغل يد الضابط، لا يتوسع في تفسيرها، لا يجوز مخالفتها، تخضع لمراقبة القضاء، ترتب البطلان عند مخالفتها، هي حماية للمتهم من الشطط والتعسف، هي قواعد منظمة وفق حالات وشروط واختصاصات.. هذه هي المسطرة الجنائية، أو بعض منها، والتي من خلالها ألج إلى الموضوع وإلى الدفوع الشكلية التي لن آتيها كلها، وأقتصر على بعضها وأترك المجال لباقي الزملاء. سيدي الرئيس المحترم.. السادة المستشارين المحترمين.. عندما وقفت على هذا القرار وأمعنت فيه قراءة وتأملا وتحليلا، وجدت ثلاثة أمور كبيرة ترتب جزاء الإلغاء، وهي كالآتي:
1/ التناقض في التعليل.
2/ بعض التعليل يكتنفه الغموض والإبهام.
3/ بعضه تعليل ناقص. قبل ذلك، أود التقدم إلى مجلسكم الموقر بمقدمة منهجية تؤطر مداخلتي من خلال ما ادعته النيابة العامة في كافة مراحل الدعوى، وأكده القرار موضوع الطعن بالإلغاء، وهي كالتالي: حيث حسب ما جاء في القرار في الصفحة 521 أن كل الإجراءات بوشرت في إطار البحث التمهيدي، وتكرر ذلك في الصفحات 524 و527 و529 و540. والقرار بمنطوقه، وبجميع تعليلاته يؤكد أن المسطرة كانت في إطار البحث التمهيدي. مما يعني أن المسطرة برمتها ومجموعها وتفاصيلها وفصولها وقواعدها، مورست وبوشرت في إطار البحث التمهيدي. ومادام الأمر كذلك، فإن المنطق والقانون يفرض علينا أن نفتح قانون المسطرة الجنائية ونقف عند الباب الثاني البحث التمهيدي ، وبالتالي المواد الواجبة التطبيق هي المواد: 78، 79، 80، 81، 82. وهذا هو الفيصل بيننا وبين النيابة العامة. هذه المواد تحيل إلى المواد 59، 60، 62، 63، 66، 67، 68، من قانون المسطرة الجنائية. مما يعني أن هناك 12 مادة في المجموع، جزء منها يتعلق بالبحث التمهيدي، وباقي الإحالات على جزء من حالات التلبس. في حين أن عدد مواد حالات التلبس هي 22 مادة، منها 7 مواد مشتركة بينها وبين البحث التمهيدي، هذا الفرق له دلالة قانونية وحقوقية، فلماذا هذا الفرق؟ الجواب لأن الأمر يتعلق بالحرية، وسلب الحرية، الأمر الذي يجعل الأمر مقيدا بكثير من النصوص في جانب التلبس، ولا تتسرب إلى المسطرة بعض التجاوزات أو الخروقات التي تسلب الحرية دون موجب قانوني سليم. وعليه، واحتكاما إلى القرار المشار إليه، وانسجاما معه، فالمقام يقتضي مراقبة المسطرة في إطار البحث التمهيدي، وإخضاعها برمتها وإجراءاتها إلى الباب الثاني المتعلق بالبحث التمهيدي، والنظر في مدى احترامها لذلك، وأي خروج على هذه المواد وهذا المنهج هو خرق لقانون المسطرة الجنائية ولا يعني توفيق بوعشرين في شيء.
1/ حول خرق مقتضيات المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية: سيدي الرئيس المحترم.. السادة المستشارين المحترمين.. بالعودة إلى صك المتابعة، التي تم حصرها في الفصول 448/1، 448/2، 448/3، من أجل جناية الاتجار بالبشر باستغلال الحاجة والضعف واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي عن طريق الاعتياد والتهديد والتشهير، وارتكابه ضد شخصين مجتمعين. في حين نجد منطوق القرار وتعليله الذي اعتمدته المحكمة، نجد هناك تأكيدا على حالة معينة من “الضحايا” تعرضت لجريمة الاتجار بالبشر وهي حامل، وذلك في صفحات القرار 595، 597، 598، 599. وجاء في الصفحة 595 مثلا، “..وأنها تحت تلك الضغوط استمرت في الخضوع لنزوات المتهم الجنسية رغم علمه بأنها حامل..” وجاء في الصفحة 597. و”حيث إن المحكمة في نطاق سلطتها في تقييم الحجج المعروضة أمامها فيما فيها تصريحات الضحايا اقتنعت بمصداقية أقوال الضحية أسماء الحلاوي بالنظر إلى انسجام أقوالها…” إلى أن قال القرار “.. حيث استغل سلطته تلك في إخضاعها لممارسات جنسية خارج أوقات العمل القانونية دون أي اعتبارات إنسانية خاصة أثناء فترة حملها..” وفي الصفحة 598 “..وقد استمر استغلال المتهم للضحية جنسيا إلى ما بعد زواجها وحملها الذي تأكدت المحكمة من صحته من خلال مضمون عشرات الفيديوهات..”مما يؤكد ربط القرار بين الاتجار بالبشر وحالة الحمل بالنسبة لأسماء الحلاوي. إذن فإن المحكمة تشير ضمنيا إلى الفصل 448/4 من القانون الجنائي الذي يشير إلى المرأة الحامل دون التصريح به، بل واعتمدته في التعليل. في حين، وفي الصفحة 511 من القرار ذاته، وفي معرض رفضه الدفع الذي يشير إلى إلزامية إحالة المسطرة على قاضي التحقيق تطبيقا للمادة 83 من قانون المسطرة الجنائية، نجد أن القرار يعلل هذا الرفض ب “..ذلك من جهة أن المتابعة القائمة في حق المتهم لا تستوجب قانونا بصفة إلزامية الإحالة على قاضي التحقيق، لعدم قيام إحدى الحالات التي يكون فيها التحقيق إلزاميا وفق أحكام المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية”، ففي أي حالة يمكن أن نضع حالة أسماء الحلاوي التي أكد القرار ذاته حملها؟ فرغم أن الحيثيات والعلل التي ساقها القرار لم يغفل لحظة واحدة وجود حالة الحمل، وأكد عليها في مناسبات عديدة، إلا أنه (القرار) وفي سياق تعليل الإدانة لم يشر إلى حالة الحمل تلك التي تأكدت منها المحكمة، حيث جاء في منطوقها “وحيث استنادا للعلل أعلاه، فإن جناية الاتجار بالبشر باستغلال الحاجة والضعف واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي، عن طريق الاعتياد والتهديد والتشهير وارتكابه ضد شخصين مجتمعين متوافرة وقائمة بخصوص الوقائع المتعلقة بالضحية أسماء الحلاوي وتعين التصريح بإدانته من أجلها”، فأين الحمل الذي تأكدت منه المحكمة؟ وحيث جاء في حيثيات القرار في الصفحة 512، أن المتهم لم يبين مصلحته في المطالبة بإحالة القضية على التحقيق الإعدادي ما دام أن نشر القضية أمام هيئة الحكم يستلزم بالضرورة بحثها ومناقشتها من كافة جوانبها الواقعية والقانونية.. إلى أن قال القرار بانعدام الأساس القانوني للمطالبة بإحالة هذه القضية على قاضي التحقيق.. وحيث إن هذا التعليل فاسد يوازي انعدامه، ونوضحه لهيئتكم الموقرة وفق ما يلي: حول القول بانعدام الأساس القانوني لإحالة القضية على قاضي التحقيق: إن هذا التعليل متناقض للتعليل الذي اعتمدته المحكمة في إدانة المتهم كما فصلته أعلاه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وحيث إن المحكمة أقرت بوجود حالة حمل متمثلة في أسماء الحلاوي، فإن هذا المعطى أصبح واقعا مفروضا يدخل ضمن الفصل 448/4 من القانون الجنائي، مما يستلزم معه تبعا لذلك إعمال مقتضيات المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك بإحالة الملف على قضاء التحقيق، بصرف النظر عن القرار الذي سيتخذه قاضي التحقيق، هل سيكون في صالح المتهم أم ضده. حول القول بانعدام مصلحة المتهم: حيث إن المصلحة ثابتة وواضحة نوضحها لمجلسكم الموقر وفق ما يلي: = التطبيق السليم لقانون المسطرة الجنائية التي وكما فصل أعلاه هي من النظام العام ولا يجوز مخالفتها أو إساءة استعمالها. = التحقيق الإعدادي وفق ما فصل هو حق دستوري وقانوني للمتهم لا يجوز حرمانه منه، وهذا القرار الخاطئ حرم المتهم من هذا الحق فألحق به ضررا كبيرا. = بسط حجج وبراهين المتهم أمام السيد قاضي التحقيق دون ضغط، حيث كان المتهم خلال المحاكمة في المرحلة الابتدائية عرضة للعديد من الاعتداءات اللفظية والإهانات المتعددة، الأمر الذي أثر سلبا على نفسيته وتركيزه وحريته في بسط حججه. = الاستفادة من المواجهة المباشرة والفردية مع جميع المشتكيات بطريقة تسهل الوصول إلى الحقيقة القضائية. وللأسف الشديد كان القفز على تطبيق المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية مبررا لاعتقاله دون سند قانوني سليم، والإسراع بالملف إلى الغرفة الجنائية الابتدائية في حالة اعتقال تعسفي خارج القانون. وبالتالي فإن القرار موضوع الطعن وقع في تناقض واضح وجلي بين رد الدفع الذي يشير إلى حالة الحمل التي تستوجب إعمال مقتضيات المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية التي تلزم الإحالة على قاضي التحقيق، وبين التعليل الذي اعتمده القرار في إدانة المتهم بالإشارة إلى حالة الحمل، وبناء عليه يناسب معه الحكم بإلغائه لوجود علة التناقض الذي أفسد التعليل.
2/ حول إعمال مقتضيات المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية: حيث إن إعمال هذه المادة جاء مخالفا لقانون المسطرة الجنائية من ناحيتين: الناحية الأولى: وكما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه، وحسب ما جاء في منطوق الحكم وكذا تأكيد النيابة العامة خلال المرحلة الابتدائية أن المسطرة التي بوشرت في حق المتهم كانت في إطار البحث التمهيدي، فما هو مبرر إعمال مقتضيات المادة 73 التي تنتمي إلى جملة المواد المتعلقة بالبحث في حالة التلبس؟ الناحية الثانية: أن المادة 73 تلك جاءت عقب الإحالة إليها في الفقرة الأخيرة من المادة 49 من قانون المسطرة الجنائية، والتي قالت صراحة وبشكل واضح لا غموض ولا لبس فيه: “تطبق مقتضيات المادة 73 إذا تعلق الأمر بالتلبس بالجناية والجنح المرتبطة بها”. وحيث وكما هو واضح فإن نطاق تطبيق هذه المادة محدد ومحصور في حالة واحدة ووحيدة هي حالة التلبس، التي أكدت النيابة العامة في العديد من المرات عدم وجودها في نازلة الحال، والأمر نفسه أكده قرار المحكمة. وعليه فإن التعليل الذي اعتمدته المحكمة مخالف لقانون المسطرة الجنائية، بالقول إن القانون أعطى للوكيل العام للملك الصلاحية في إعمال سلطته التقديرية في نطاق سلطة الملاءمة.. مضيفا أن مسألة جاهزية القضية للإحالة على هيئة الحكم من عدمها أمر يستقل بتقديره الوكيل العام للملك في نطاق السلطة المخولة له قانونا، إلى أن قال: فله حينئذ إحالة القضية على هيئة الحكم ومتى ارتأى عدم قيام تلك العناصر تعين عليه إحالتها على قضاء التحقيق ولا رقابة عليه في تقييم وتقدير مدى تحقق عناصر جاهزية القضية من عدمها (ص 511). إن هذا التعليل يفرض علينا طرح الأسئلة التالية: هل الصلاحيات التي تكلم عليها القرار مطلقة وغير مقيدة بالقانون؟ كيف يعقل ألا تكون أي رقابة على قرارات النيابة العامة؟ هل قرارات النيابة العامة معصومة من الخطأ؟ لماذا هناك جزاء البطلان في قانون المسطرة الجنائية؟ وهل النيابة العامة غير معنية بهذا الجزاء مطلقا؟ ألا يمارس قضاء الموضوع رقابته على إجراءات النيابة العامة؟ من المسلمات القانونية أن كل أعمال النيابة مؤطرة ومنظمة بالقانون، وأي خروج عن الإعمال الصحيح والسليم للقانون يعرض تصرفها للمساءلة الإدارية والرقابة القضائية، هذه الرقابة الأخيرة هي الضمانة الفعلية لحقوق المتقاضين، وعلى رأسهم المتهم الذي يكون خاضعا لتدابير سلب الحرية خارج القانون أو بسبب التطبيق السيء له، فيتدخل القضاء الجالس لإرجاع الأمور إلى نصابها والتطبيق السليم للقانون، وفي غياب هذه الضمانة تكون مصالح الناس وحرياتهم عرضة للشطط والتجاوز والاستعمال السيء للقانون، الأمر الذي يمس بحرية وحقوق الناس المكفولة دستورية والمحصنة قانونيا والمقدسة حقوقيا. لذلك، فالتوسع غير المبرر للسلطة التقديرية للنيابة العامة وتنزيهها عن أي رقابة، هو اجتهاد في غير محله ومصادم للمبدئ الدستوري القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة. ومن شأن التوسع في هذه الصلاحيات أو غض الطرف عنها أو عدم خضوعها للمساءلة أو الرقابة القضائية، أن يضيق من مجال حقوق الإنسان ويوسع مجال المس بالحريات الفردية لفائدة النيابة العامة، وهذا قطعا يتسبب في مفسدة عامة داخل المجتمع، وقد يفقد هذا الأخير شعوره بالأمان والاستقرار والثقة في القضاء.. لذلك، سيدي الرئيس المحترم.. السادة المستشارين المحترمين.. وأمام عدم وجود أي مبرر قانوني يبرر اللجوء إلى المادة 73 من ق م ج، وحل أهمية خضوع أعمال النيابة العامة لرقابة القضاء الجالس حفاظا على القانون وعلى التوازن العادل والمنصف بين أطراف الدعوى الجنائية، يقتضي الأمر الحكم بفساد هذا التعليل وإلغائه طبقا للقانون.
3/ حول عدم جاهزية الملف: سيدي الرئيس المحترم.. السادة المستشارين المحترمين.. بالعودة إلى الصفحة 319 من القرار، أصدرت المحكمة قرارها التمهيدي القاضي بإجراء خبرة تقنية على الأقراص المدمجة وعلاقتها بالقرص الصلب، للتحقق من سلامة الفيديوهات ومدى عدم تعرضها للتحريف.. سيدي الرئيس.. يعرف البعض الخبرة بأنها مسطرة تستهدف استعمال معارف متخصص لتسليط الضوء على مسألة يتوقف حلها على تقنية لا يتوفر عليها القاضي، إنها إجراء يتعلق بموضوع يتطلب إلماما بمعلومات فنية لإمكان استخلاص الدليل منه، أو إنها الاستشارة الفنية التي يستعين القاضي أو المحقق في مجال الإثبات لمساعدته في تقرير المسائل الفنية، التي يحتاج تقديرها إلى معرفة فنية أو دراية علمية لا تتوفر لدى القضاة بحكم العمل والثقافة.. وهي بذلك تتميز عن باقي وسائل الإثبات، وهي ليست كشهادة الشهود ونتائج التفتيش والمعاينة، وغيرها التي تعد من وسائل الإثبات الذي ينفرد القاضي بتقديره، بل هي تنصب على الإدلاء بقواعد فنية وعلمية مساعدة للقاضي في تقدير الأدلة المختلفة بغرض الوصول إلى الحكم وهو نتيجة الإثبات. إن الخبرة هي وسيلة من وسائل تحقيق الدعوى، حيث يتوخى القاضي الزجري من خلالها توضيح بعض الوقائع التي يرى أن التثبت منها يساعد في الوصول إلى الحقيقة، ذلك أنه لا يجب على القضاء أن يؤسس قضاءه بالإدانة على ترجيح دليل ظني مبني على الاحتمال، بل على اليقين التام والكامل. وحيث ما التجأت المحكمة إلى الخبرة إلا لتخرج من الشك إلى اليقين، ومن الغموض إلى الوضوح (بصرف النظر هل حققت الخبرة الحالية ذلك أم لا)، مما يعني معه أن المحكمة وإلى حدود يوم الحكم التمهيدي بإجراء خبرة على القرص الصلب الخارجي والأقراص المدمجة.. لم تتضح لها الصورة جيدا والأمر يستدعي المزيد من التحقيق والتدقيق، وهذا وحده يؤكد على عدم جاهزية الملف ليعرض على أنظار المحكمة، وأن المسطرة برمتها كان من الواجب أن تمر على يد قضاء التحقيق. علما أن المسطرة هي مسطرة البحث التمهيدي وليست مسطرة التلبس.
4/ بطلان محضر إجراءات الحجز الصفحة 513 من القرار: سؤال أولي محير، ذو طبيعة قانونية وحقوقية يقتضي الأمر طرحه قبل بسط دفوعي: كيف يجب على القضاء التعامل مع الأخطاء الجسيمة على مستوى المعاينة والتعرف على طبيعة المحجوزات التي شكلت سندا للاعتقال؟ أ/ الكاميرا / الميكروستاتيك: مثال بسيط جدا، ولكنه قوي في دلالته، عميق في المعنى، خطير في الاستنتاج، وهو “الكاميرا البيضاء”. هذه الكاميرا البيضاء خرج منها العجب العجاب، ذكرت في محضر المعاينة على أساس أنها كاميرا بيضاء اللون. الغريب أنه في الصفحة 513 من القرار الذي يقول: تبين بموجب تقرير الخبرة المأمور بها بأنها عبارة عن ميكروفون إلكتروستاتيك. هذا الجهاز وخلال المحاكمة حيَّر الجميع، هل هي كاميرا؟ هل هي ميكروفون؟ وكل من الحاضرين أعطاها اسما مختلفا.. لا تحمل اسما أو علامة، ولكن الخطير، وباعتبار أن الأمر يتعلق بالحرية التي فرض الدستور والمواثيق الدولية احترامها، فلا يجوز حرمان شخص أو اعتقاله إلا مع وجود مبرر قانوني قوي يدعو إلى ذلك. وبعد عرض الأجهزة المحجوزة على أنظار الدرك الملكي في إطار القرار بإنجاز خبرة تمهيدية، وبعد انتظار لأكثر من شهرين، اكتشفت الخبرة ان الأمر يتعلق بميكروفون. بمعنى أن المتهم ظل رهن الاعتقال كل هذه المدة التي تجاوزت الشهرين، بناء على معطيات خاطئة ضمها محضر الحجز والمعاينة، تؤكد أن هذه الكاميرا البيضاء هي إحدى أدوات التصوير التي استعملها المتهم قصد استغلال “ضحاياه” والإيقاع بهن. هل يجوز أمام هذا الخطأ الجسيم أن يقول القرار “تبين فيما بعد أنها ميكروستاتيك”؟ سنة من الاعتقال لنخلص إلى نتيجة أن أحد أسباب الاعتقال معطيات خاطئة. ب/ اختفاء خيط الشحن: 14 مترا يبلغ طول هذا الخيط، أين كان؟ ولماذا كان مختفيا؟ ولماذا لم يحضروه؟ ألم يكن من ضمن المحجوزات حينئذ؟ لماذا لم يظهر إلا عند مختبر الدرك الملكي؟ بمكن أن نفهم أن شيئا ناقصا في المحجوزات، ولكن أن نضيف شيئا لم يذكر في محضر الحجز ولم يؤت به خلال كل الجلسات، ويظهر فجأة ودون سبب.. هذا من العبث بالقانون والمساطر، ويعتبر إضرارا واضحا بحقوق المتهم. والسؤال الذي لم يجب عنه القرار من يعتبر تعليله ناقصا ومعيبا، ما هو سبب اختفاء خيط الشحن؟ أين كان؟ كان على القرار أن يجيب عن هذه الأسئلة المحورية والخطيرة. سيدي الرئيس المحترم.. السادة المستشارين المحترمين.. هذه المحاضر افتقدت إلى الدقة المفروضة قانونيا، وافتقرت إلى الموضوعية المطلوبة حقوقيا وأخلاقيا، ومخالفة لمقتضيات المادتين 24 و289 من ق م ج التي تقول “لا يعتد بالمحاضر والتقارير التي يحررها ضباط وأعوان الشرطة القضائية والموظفون والأعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية، إلا إذا كانت صحيحة في الشكل وضمن فيها محررها، وهو يمارس مهام وظيفته ما عاينه أو تلقاه شخصيا في مجال اختصاصه”. لقد تضمن المحضر معلومة خاطئة متعلقة بالجسم الأبيض (كاميرا/ ميكروفون) كانت أحد أسباب اعتقال توفيق بوعشرين، ومعلومة ناقصة متعلقة بخيط الشحن. هل هذا المحضر يعتبر صحيحا بمقتضى المادة 289 من ق م ج؟ الجواب: لا، الأمر الذي يعتبر معه أن هذا المحضر لا يعتد به طبقا للمادة المذكورة. القرار في الصفحة 515 يقر بوجود هذا الخطأ، وميكروفون ستتيك أشير إليه في محضر الضابط القضائية على أنه جهاز كاميرا بيضاء، لماذا لم يستعمل القرار العبارات الصحيحة والمناسبة في هذا المقام، ولذلك بكتابة: أشير إليه بطريقة غير صحيحة، أو استعمال أشير إليه خطأ؟ أو القول صراحة أن الضابطة القضائية أخطأت عندما اعتقدت أن ذلك الجهاز هو كاميرا والحقيقة هو ميكروفون؟ علما أن في أعضاء الفرقة الوطنية الذين داهموا المكتب خبراء في الجريمة المعلوماتية. الحكم الذي ينتصر لقانون المسطرة الجنائية هو أن يقرر عدم اعتبار ذلك المحضر بعد أن تضمن ذلك الخطأ الجسيم في عدم التعرف على الجهاز الأبيض.
5/ بطلان إجراءات التفتيش حسب المادة 79 من ق م ج: هذه المادة تحيل على المواد 59، 60، 62، و63 من ق م ج، مع التذكير على أن المدخل الطبيعي الذي أقرته المحكمة هو أن هذه الإجراءات تمت في إطار البحث التمهيدي. والمادة 79 من ق م ج تقول: “لا يمكن دخول المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات الاقتناع دون موافقة صريحة من الشخص الذي ستجرى العمليات بمنزله”. تضمن هذه الموافقة في تصريح مكتوب بخط يد المعني بالأمر، فإن كان لا يعرف الكتابة يشار إلى ذلك في المحضر كما يشار فيه إلى قبوله. تسري في هذه الحالة مقتضيات المواد 59، 60، 62، و63. فمن خلال منطوق هذه المادة، يتضح أنها تؤكد على ضرورة تطبيق مقتضيات وشكلياتها الصريحة في ضرورة أخذ موافقة صريحة ومكتوبة بخط يد المعني بالأمر على الإجراء المتخذ في المادة 59 الذي يهم تفتيش مقرات العمل. وعليه فإن مقرات العمل وفي إطار البحث التمهيدي الذي يؤكده القرار والنيابة العامة، يستلزم وجوبا أخذ إذن كتابي قبل مباشرة إجراءات التفتيش والحجز، تحت طائلة تطبيق جزاء البطلان المذكور في المادة 63 من ق م ج، لأنه في غياب الإذن الكتابي سيأخذ هذا الإجراء وصف الإجراء المعيب المشمول بجزاء البطلان. حيث لم تخل إجراءات التفتيش من مخالفات صريحة وواضحة لقانون المسطرة الجنائية خاصة المواد 79 و59 من ق م ج. حيث جاء في المادة 79 من ق م ج” لا يمكن دخول المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات الإقناع دون موافقة صريحة من الشخص الذي ستجرى العمليات بمنزله. تضمن هذه الموافقة في تصريح مكتوب بخط يد المعني بالأمر.. تسري في هذه الحالة مقتضيات المواد 59 و60 و62 و63. وحيث جاء في الفقرة 4 من المادة 59 من ق م ج ” إذا تعين إجراء التفتيش في أماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني…”، وبالتالي فإن مكتب المؤازر مشمول بمقتضيات المادة 79 من ق م ج، الأمر الذي لم تلتزم به الفرقة الوطنية، ولم تأخذ تصريحا مكتوبا من السيد توفيق بوعشرين. وبما أن الفرقة الوطنية، ومع عدم اختصاصها في هذا البحث، فقد خرقت القوانين المؤطرة لعملية دخول المكتب وتفتيشه، مما يلزم معه تطبيق المادة 63 من م ج والتي جاء فيها: “يعمل بالإجراءات المقررة في المواد 59 و60 و62 أعلاه تحت طائلة بطلان الإجراء المعيب وما قد يترتب عنه من إجراءات”. سيدي الرئيس المحترم.. السادة المستشارين المحترمين.. بل أكثر من ذلك، فإن القرار موضوع الطعن أقر في الصفحة 520 بواقعة “مداهمة” الفرقة الوطنية لمكتب المتهم. والمداهمة كما هو معلوم لغويا وقانونيا هي الدخول عنوة وبدون إذن وعلى حين غرة وفي غفلة من صاحب المحل ودون إذن. وبعد أن أقرت المحكمة بواقعة المداهمة بالشكل المفصل قانونا، يعني أن إجراءات التفتيش جاءت مخالفة لقانون المسطرة الجنائية. وبالتالي فإن جميع إجراءات التفتيش والحجز وما يترتب عنها من إجراءات هي باطلة بمقتضى المادة 63 أعلاه.
6/ خرق مقتضيات المادة 18 من ق م ج المتعلقة بجمع الأدلة والتثبت منها، وعلاقتها برفع البصمات طبقا للمادة 57 من ق م ج: إن مصطلح التثبت والوارد في المادة 18 يعني التأكد والتشدد في جمع الأدلة من أجل الوصل إليها بأحسن طريقة ممكنة، وأخذ الاحتياطات اللازمة، والحفاظ عليها من الاندثار لما لها من دور كبير في الكشف عن الجريمة ومرتكبها. ورغم أن المادة 57 من ق م ج تتعلق بحالة التلبس كما تشير المادة نفسها، والتي ليست هي حالة ووضعية الملف، وتجاوزا، تقول “يقوم ضابط الشرطة القضائية عند الاقتضاء بأخذ البصمات من مكان ارتكاب الجريمة”. إن مفهوم كلمة عند الاقتضاء لا يعني أن هذا الإجراء اختياري فقط، بل يتحول المفهوم إلى ضرورة مع توفر شرط يجعله كذلك، وحسب السياق وظروف الجريمة وموقف المتهم، ومن أهمها إنكار المتهم علاقته بالأجهزة الموجودة في مكتبه. وبالتالي يتحول معنى “الاقتضاء” إلى “ضرورة” ملحة لأن من المحتمل جدا أن تحمل تلك الأجهزة بصمات المتهم وتتم مواجهته بها ورد إنكاره عليه. شأن ذلك شأن شهادة الشاهد التي قد يحتاج إليها القاضي عند الاقتضاء، فإذا وقعت جريمة عاينها شاهد، تصبح هذه الشهادة ضرورية في حالة إنكار المتهم، وغير ضرورية في حالة اعترافه، فشهادة الشاهد يستعملها القاضي عند الاقتضاء حسب تعامل المتهم وظروف الجريمة. وعليه كان على ضابط الفرقة الوطنية أن يدخل إلى مسرح الجريمة مصحوبا بقفازاته وهو يعلم أنه يبحث من ضمن ما يبحث عنه أجهزة تصوير محتمل وجودها في مقر العمل، ويحافظ على الأدلة القابلة للاندثار ومن أهمها رفع البصمات على الأجهزة موضوع الحجز، خاصة بعد إنكار المتهم علاقته بها، ولا تتداخل بصمات المتهم مع بصمات الضابط، فرفع البصمات قد يكون سببا في براءة توفيق بوعشرين، كما قد تكون سببا في إدانته.
7/ تجاوز مدة الحراسة النظرية وعدم توجيه التهم إليه قبل اعتقاله بالطريقة القانونية، علما أن المسطرة في إطار البحث التمهيدي وليس في إطار التلبس: سيدي الرئيس المحترم.. السادة المستشارين المحترمين.. لقد تم إيقاف السيد توفيق بوعشرين حسب ما جاء في محضر الوضع تحت الحراسة النظرية بتاريخ 23 فبراير 2018 على الساعة السابعة والنصف مساء، أي إن مدة الحراسة النظرية ستنتهي مدتها مع التمديد يوم 26 فبراير 2018 على الساعة السابعة والنصف. وحيث تقرر وضع المتهم رهن تدابير الحراسة النظرية ابتداء من الساعة السابعة والنصف، في حين لم يتم التعرف على مضمون القرص الصلب (علما أن مضمونه لا يعني المتهم ولا تربطه أي صلة به) إلا عند الثامنة ليلا، ولا يمكن التعرف على طبيعة ونوع الجرائم المفترضة من جريمة الاتجار بالبشر والاغتصاب والتحرش… إلا بعد الاطلاع على مضمون القرص الصلب منطقا وعقلا وقانونا، بمعنى أن الفرقة الوطنية لم تتعرف على مضامين القرص إلا بعدما تقرير اعتقاله،. أي إن اعتقال توفيق بوعشرين تم قبل التعرف على الجرائم، فعلى أي أساس تم اعتقاله؟ ألا يعتبر ذلك اعتقالا تعسفيا؟ ألا يعتبر ذلك انتهاكا لقرينة البراءة؟ ألا يعتبر ذلك مسا خطيرا بحقوق الإنسان؟ وحيث إن الوضعية التي مكث فيها المؤازر، بدءا من اقتياده كرها عبر سيارة الفرقة الوطنية، وإلى غاية البدء في استجوابه، هي وضعية احتجاز وإلقاء القبض خارج القانون، ودون أي إذن من النيابة العامة. وإن عملية الاحتجاز المذكورة جاءت مخالفة لجميع القوانين الوطنية والكونية، حيث جاء في الفصل 23 من الدستور المغربي: “لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات التي ينص عليها القانون. الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري من أخطر الجرائم وتعرض مقترفها لأقسى العقوبات”. وجاء في المادة 19 من الإعلان العالمي: “لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراءات المقرر فيه”. وجاء في تصدير الدستور المغربي: جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة. يشكل هذا التصدير جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور. وبما أنه تم توقيف السيد توفيق بوعشرين، وإلقاء القبض عليه دون توجيه تهمة إليه ودون الحصول على إذن النيابة العامة لمدة تقترب من الساعتين، فإن هذا الإجراء يعتبر اعتقالا تعسفيا وخارج القانون بمقتضى الدستور والتشريعات الدولية، يرتب البطلان على جميع الإجراءات الناتجة عنه أو المرتبطة به. سيدي الرئيس المحترم.. السادة المستشارين المحترمين. . أحضرالمتهم إلى النيابة العامة قصد استنطاقه يوم انتهاء مدة الحراسة النظرية، أي 26 فبراير 2018، وبعد ذلك قررت النيابة العامة إحالته على غرفة الجنايات الابتدائية لجلسة 8 مارس 2018، مع استمرار اعتقاله إلى ذلك اليوم. والسؤال القانوني والحقوقي الذي يجب أن يطرح في هذه الحالة، ما هي الطبيعة القانونية لاستمرار توفيق بوعشرين في حالة الاعتقال؟ وما هو السند القانوني لاستمرار اعتقاله؟ هل المدة من 26 فبراير 2018 إلى غاية 8 مارس 2018 يعتبر استمرارا للحراسة النظرية أم اعتقالا احتياطيا؟ فإذا كانت هذه المدة حراسة نظرية فإنها تنتهي بعد 72 ساعة مع التمديد من تاريخ 23 فبراير 2018، وبالتالي سيكون المتهم معتقلا تعسفيا بعد نهاية مدة الحراسة النظرية التي انتهت بتاريخ 26 فبراير 2018، وخارج أي نص قانوني يجيز ذلك، ومخالفا لمقتضيات المادة 80 من ق م ج خاصة الفقرة الثانية منها والتي جاء فيها: “يمكن لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك بعد الاستماع إلى الشخص الذي قدم إليه، أن يمنح إذنا مكتوبا بتمديد الحراسة النظرية مرة واحدة فقط لمدة 24 ساعة”. فأين وكيف يجب حساب المدة الإضافية من الاعتقال بعد 26 فبراير 2018؟ وإذا اعتبر اعتقاله اعتقالا احتياطيا، فإن هذ النوع من الاعتقال من اختصاص قاضي التحقيق الذي لم تتم إحالة المسطرة عليه. وبالتالي فالمدة الفاصلة من 26 فبراير إلى 8 مارس 2018 لوحدها والمقدرة في 9 أيام، والتي لم ينظمها أي قانون، هي اعتقال تعسفي، يضاف إلى كل مدة اعتقاله إلى يومنا هذا. وتقول المحكمة في الصفحة 524 من القرار”ما الضرر اللاحق بالمتهم في إثارة موضوع التلبس؟؟” وهل يوجد ضرر أكبر من تطبيق مسطرة التلبس من أجل تبرير اعتقاله، والتراجع عن إقرار وجود حالة التلبس؟ هل يوجد ضرر أكبر من سلب حرية المتهم دون موجب أو سند قانوني؟
8/ انتهاك قرينة البراءة: حيث تم خرق مقتضيات المادة 1 من ق م ج التي تعتبر كل متهم أو مشتبه فيه بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية. وبالرجوع إلى بلاغ السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الصادر بتاريخ 23 فبراير 2018، وكذا البلاغ الثاني الصادر بتاريخ 25 فبراير 2018، الذي تطرق بالتفاصيل إلى الجرائم المتابع بها مع الفصول المرتبطة بها وكافة الإجراءات الأخرى، وقدم أمام الرأي العام الوطني على أنه مجرم خطير دون باقي البشر المعتقلين في اليوم ذاته أو قبله أو بعده، مما يعني ودون مجال لأي مزايدة أن قرينة البراءة انتهكت مع بداية الإجراءات، وأن ضمانات المحاكمة العادلة غيبت مع البلاغات والتشهير الممنهج بالسيد توفيق بوعشرين عبر وسائل الإعلام الرسمية، مما جعل من قضيته قضية غير عادية بإيعاز من النيابة العامة، وغير عادلة بالنظر إلى الإجراءات المعيبة والخروقات الكثيرة التي شابت هذه المسطرة. وما يؤكد ذلك هو الإشارة إلى تهمة خاصة بوداد ملحاف في البلاغ الذي أذيع يوم 26 فبراير 2018، في حين أن الفيديو الذي يدعى فيه أن وداد ملحاف لم يتم عرضها على هذه الأخيرة إلا يوم 2 مارس 2018، وهذا يؤكد أن صك الاتهام كان معدا قبل الاطلاع على الفيديو الخاص بوداد ملحاف أو اطلاع هذه الأخيرة عليه، وهذا انتهاك كبير لقرينة البراءة.
9/ عدم قانونية إلقاء القبض بناء على شكايات: حيث حصر ق م ج في المادة 73 إجراء الإيداع السجن بناء على حالة التلبس (المنتفية في نازلة الحال)، وفي إطار الإمكانيات المخولة للوكيل العام الملك وليس من باب الوجوب والإلزام، حيث جاء في تلك المادة، إذا تعلق الأمر بالتلبس بجناية طبقا لمقتضيات المادة 56 من ق م ج. وحيث إن الأمر يتعلق بمجرد 3 شكايات إحداها شكاية مجهولة المصدر، فإن المسطرة الواجب اتباعها في هذه الحالة هي مسطرة البحث التمهيدي التي ادعت النيابة العامة استعمالها، بينما طبقت على المتهم مسطرة التلبس بإقرارها، تقتصر هذه المسطرة على استدعاء المشتكي أولا والاستماع إليه في محضر قانوني من طرف الضابطة القضائية في حالة ما إذا ظهرت ضرورة لذلك، وبعدها استدعاء المشتكى به قصد الاستماع إليه في محضر قانوني، وليس اعتقاله، وبعدها إجراء مواجهة بين الأطراف مع تحرير محضر المواجهة، وإحالة المحاضر على النيابة العامة قصد الدراسة واتخاذ القرار المناسب (الحفظ أو تعميق البحث أو المتابعة). وأمام هذه الشكايات نتقدم بالملاحظات الشكلية التالية: الشكاية الأولى المؤرخة في 22 يناير 2018: حيث تحمل هذه الشكاية مجهولة المصدر رقم 045 18 بتاريخ 12 فبراير 2018. والملاحظ أن المشتكي وضع شكايته بيده لدى كتابة ضبط محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بمكتب تسجيل الوارد لدى شعبة الشكايات والمحاضر. ومن الواجب والمعمول به قانونا أن يعمل الموظف لدى كتابة الضبط أن يأخذ كل بيانات المشتكي وهويته قبل تسجيل هذه الشكاية، فكيف تم تناول شكاية من شخص دخل على قدميه إلى كتابة الضبط وسجل شكايته على أساس أنها شكاية مجهولة المصدر، وتم بمقتضاها اعتقال السيد توفيق بوعشرين؟ الشكاية الثانية المؤرخة في 16/02/2018 للمسماة نعيمة لحروري: هذه الشكاية ومن باب الصدف الغريبة تحمل نفس عنوان الشكاية مجهولة المصدر: شكاية بالاغتصاب والابتزاز، ومن الغريب أيضا أن الشكاية تمت كتابتها ووضعها وإحالتها على الفرقة الوطنية والاستماع إلى المشتكية في نفس اليوم، ومع القليل من التأمل اللغوي سيلاحظ مجلسكم الموقر أن الأسلوب اللغوي والتعبير متشابه إلى درجة التطابق مع الشكاية مجهولة المصدر. الشكاية الثالثة المؤرخة في 22/02/2018 للمسماة خلود جابري: الأمر نفسه ينطبق على كتابة ووضع وإحالة الشكاية والاستماع غلى المشتكية في اليوم ذاته؟ والأمر الغريب في كل هذه الشكايات أنه ومن خلال أرقامها الترتيبية يتضح قلة الشكاية التي وضعت لدى كتابة الضبط بين كل شكاية وشكاية، فمن 45 إلى 51 وخلال أربعة أيام لم يتم تسجيل إلا ست شكايات، وبين 51 و61 وخلال ست أيام لم يتم تسجيل إلا عشر شكايات، وهذا من الأمور الغربية والباعثة على الشك، مما يقتضي ولرفع هذا الشك المشروع إحضار لدى هذه المحكمة سجل الشكايات لمراقبة والتأكد من صحة هذه المراجع، وأنها مرتبة طبق المساطر والإجراءات التي يفرضها القانون والمناشر الوزارية ذات الصلة.
10/ عدم واقعية عملية تفريغ القرص الصلب بالنظر إلى عدد ساعات التسجيل ومدة وشكل تفريغه، وانعدام صفة الضابطة القضائية لدى الأشخاص المكلفين بتفريغ محتويات القرص الصلب: حيث بالرجوع إلى الأشخاص الذين أشرفوا على إفراغ القرص الصلب والمطعون فيه، والتعرف على محتوياته هما السيدان هشام جليلات تقني من الدرجة الثالثة بمصلحة مكافحة الجريمة المعلوماتية في مسرح الجريمة، والسيد زكرياء عزات إداري بمصلحة مكافحة الجريمة المعلوماتية، والملاحظ أن كليهما تنعدم فيهما صفة الضابط، أي أنهما ليسا ضابطي شرطة حسب ما تنص عليه المادة 20 من ق م ج، وبالتالي فإن ما قاما به من أعمال تقنية تفتقد إلى الحجية القانونية، ولا يمكن اعتبارها أو اعتمادها كوثائق ضمن محضر قانوني له مواصفات نظمها ق م ج في مادته 24، الأمر الذي يستدعي قانونا استبعاد كل النتائج المتعلقة بالمسطرة الحالية الصادرة عنهما وعدم اعتمادها. ومن جهة أخرى، قدمت الفرقة الوطنية محضرا واحدا يحمل توقيع الضابط سعيد رياحي، والذي من خلال المحضر الذي أنجزه، يتأكد أنه الوحيد الذي قام بالاطلاع على مضامين القرص الصلب، والتعرف على الوجوه الظاهرة في الفيديوهات عن طريق تطبيق وسائل التواصل الاجتماعي والأرقام الهاتفية المنتقاة مع هوية مستعمليها، كل ذلك: وحده، حيث لم يشر المحضر إلى أي مساعدة من طرف ضباط آخرين أو أعوان، داخل 12 ساعة من العمل، علما أن مجموع ساعات الفيديوهات وصل إلى 15 ساعة ودقائق تقريبا، مع صفر خطأ، حيث تعرف على كل الوجوه في أول محاولة بحث، وحيث ادعت النيابة العامة في مرافعتها أن عملية التفريغ والمعاينة تمت بتعاون مع 15 ضابطا، دون أن يدلي للمحكمة بمحاضر معاينتهم وتفريغهم، فضلا عن أن عملية التوزيع التي تقولها النيابة العامة مستحيلة بالنظر إلى طبيعة تسجيل الفيديوهات التي لا تسمح بتجزيئها وتوزيعها، مما يعد ذلك مخالفا لمقتضيات المادة 24 من ق م ج في حالة صحة كلامه. وإلا فإن النيابة العامة لم تكن تتوقع أن نقوم بعملية حساب عدد ساعات ودقائق الفيديوهات ومقارنتها مع عدد ساعات التفريغ. لذلك فإن عملية تفريغ الفيديوهات بالشكل الذي قدمته النيابة بشكل فردي من قبل الضابط المذكور، يبقى غير واقعي من الناحية الزمنية والمنطقية والواقعية، أو من حيث تعدد الضباط الذين تعاونوا على تفريغ القرص الصلب مع غياب محاضر التفريغ والمعاينة لكل ضابط طبقا للمادة 24 من ق م ج. لكل هذه الأسباب نلتمس من مجلسكم الموقر بعد تأكيد دفوعنا كلها خلال المرحلة الابتدائية، أخذ كل هذه الدفوع الشكلية بعين الاعتبار، والقول والحكم بإلغاء القرار الجنائي الابتدائي الصادر عن غرفة الجنايات بتاريخ 10/11/2018 تحت عدد 1767 في الملف الجنائي الابتدائي عدد 357/2640/2018، القاضي بعدم قبول الدفوع الشكلية، وبعد التصدي القول والحكم بقبول جميع الدفوع الشكلية والطلبات الأولية مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك. ولمجلسكم الموقر واسع النظر.