بعد مرور أكثر من سنة على التقدم بها لدى القضاء، أحيلت شكاية حول تفويت عقارات عامة بمراكش لفائدة منتخبين ومقاولين بأثمان زهيدة، على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة بالرباط، فقد توصلت الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، الخميس المنصرم، باعتبارها الجهة المشتكية، برسالة من النائب الأول للوكيل العام للملك لدى استئنافية مراكش، القاضي أحمد الناجي، تشعرها بأن شكايتها “في مواجهة الوالي الأسبق لجهة مراكشآسفي، عبد الفتاح البجيوي، ومن معه”، تقرّر إحالتها للاختصاص على محمد عبد النبوي، بتاريخ 23 أبريل المنصرم، بموجب الإرسال عدد 28/18 ق ح، وأوضحت الرسالة، الصادرة الأربعاء الفارط، بأن الإحالة استندت قانونيا إلى المادتين 264 و265 من قانون المسطرة الجنائية. وكانت الجمعية الحقوقية المذكورة تقدمت، بتاريخ 19 فبراير من 2018، بشكاية لدى الوكيل العام للملك بمراكش، تطالب فيها بالتحقيق في ظروف وملابسات تفويت عقارات مملوكة للدولة وللأوقاف لفائدة خواص، لأهداف ظاهرها تشجيع الاستثمار، وباطنها المضاربة وتحقيق منافع مالية شخصية، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين 2016 و2018، وهي العقارات التي كان بعضها مبرمجا أن تقام عليها مرافق عمومية في إطار برنامج التنمية الملكي “مراكش..الحاضرة المتجددة”، قبل أن يتم تفويتها لخواص، الذين تقول الشكاية إنهم قاموا ببيعها بأسعار مرتفعة، بمجرد أن استفادوا منها في إطار لجنة الاستثمارات، التي ترأسها الوالي السابق للجهة المعفى من مهامه، عبد الفتاح البجيوي. واستدلت الجمعية على ذلك باقتناء المجلس الجماعي السابق لثلاث بقع أرضية في ملكية الدولة، تابعة لإدارة الأملاك المخزنية، بمنطقة “العزوزية”، من أجل تشييد محطة طرقية على الأولى، وإحداث محطة لوقوف سيارات الأجرة بالثانية، وتوسيع سوق بلدي بالبقعة الثالثة، وقد تم الشروع فعلا في بناء المحطة الطرقية، قبل أن تتوقف مسطرة اقتناء البقعتين الثانية والثالثة، في عهد المجلس الحالي، وتدخل على الخط شركتان خاصتان اقتنتا البقعتين، اللتين تحولتا، بسحر ساحر، إلى ورشين لإقامة فندق ومحطة للوقود. عقار آخر مساحته لا تقل عن هكتار واحد جرى تفويته في ظروف مثيرة، إذ توضح الجمعية بأن مصالح وزارة التربية الوطنية بمراكش، سبق لها أن شرعت في اتخاذ الإجراءات المتعلقة باقتناء البقعة أرضية، ذات الصك العقاري رقم 15145/م، الواقعة بحي “الدوار الجديد” بمقاطعة “سيدي يوسف بنعلي”، من أجل تشييد مؤسسة تعليمية، قبل أن يتم تفويت هذه البقعة لشركة خاصة من أجل إقامة محطة للوقود ومطعم ومقهى، بمقتضى قرار اتخذته لجنة الاستثناءات برئاسة الوالي البجيوي. وبحي “تاركَة” بمقاطعة “المنارة”، تم تفويت عقار مملوك للدولة، ذي الرسم العقاري 5938/م، لفائدة مستشار برلماني سابق ومنتخب حالي بالمجلس الجماعي، بثمن زهيد لم يتعد 620 درهما للمتر المربع الواحد، من أجل إحداث تجزئة سكنية راقية بيعت بقعها بسعر وصل إلى مليون سنتيم للمتر المربع، وهو المشروع الذي تمت المصادقة عليه من طرف لجنة الاستثناءات، لتعمد إدارة الأملاك المخزنية، بعد ذلك، إلى طرد مجموعة من العائلات التي كانت تستغل هذا العقار وتؤدي واجبات الكراء، دون مراعاة لأوضاعهم الاجتماعية، وللحقوق القانونية التي اكتسبوها بفعل طول مدة الكراء، بل إن الجمعية تقول إن بعض المكترين تم الزج بهم في السجن، على خلفية إدانتهم بتهم تتعلق ب”عرقلة تنفيذ حكم قضائي”. التفويتات المثيرة للجدل لم تقتصر على البقع الأرضية العمومية بل شملت حتى المآثر التاريخية، فقد أوضحت الشكاية بأن الرياض التاريخي المعروف ب”دار زنيبر” بمقاطعة مراكشالمدينة، والذي كان مقرّرا تأهيله وإصلاحه، في إطار مشروع “الحاضرة المتجددة”، من أجل تحويله لفضاء لاحتضان أنشطة ثقافية وفنية، تم تفويته لشركة خاصة من أجل إقامة مطعم. أملاك الأوقاف طالها بدورها التفويت، فقد أشارت الشكاية إلى عقار يقع خلف المحطة الطرقية بباب دكالة، يسمى “جنان الشيخ العباسي”، والذي سبق لهذا الولي الصالح أن أوقفه لفائدة مكفوفي المدينة، قبل أن يتم تفويت جزء منه لفائدة شركة “ماراباك” الخاصة، من أجل إقامة مطاعم، علما بأن المجلس الجماعي السابق سبق له أن صادق على مقرّر بتحويل جزء من العقار إلى منتزه لفائدة ساكنة المدينة العتيقة. ضواحي المدينة لم تكن أحسن حالا، فبجماعة “أغواطيم”، بإقليم الحوز، تم تفويت عقار مملوك للدولة، ذي الرسم العقاري 1184/م، لفائدة الشركة نفسها التي استفادت من إحدى البقعتين الأرضيتين بمنطقة “العزوزية”، وهي الشركة التي تقول الشكاية إن وراءها منتخب “وازن” بالمجلس الجماعي لمراكش. وبمدينة آيت أورير، بالإقليم نفسه، رخصت لجنة الاستثناءات، برئاسة الوالي البجيوي، لشركة خاصة بالاستفادة من بقعة أرضية، مساحتها 3 هكتارات، وتحويلها إلى تجزئة سكنية، رغم أنها ملك خاص للدولة وموضوعة رهن إشارة المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي، لإقامة مشروع لتربية الماعز، وجزء آخر منها لإحداث تجزئة سكنية لجمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي الفلاحة وجمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي بلدية لآيت أورير، وجزء ثالث لتشييد مركز للوقاية المدنية. وبالمدينة نفسها، صادقت لجنة الاستثناءات على استفادة شركة خاصة أخرى من حوالي 8 هكتارات، وتحويلها إلى تجزئة سكنية، رغم أن البقعة تقع في منطقة مصنفة في تصميم التهيئة على أنها “منطقة خضراء”. وكانت الجمعية طالبت بالاستماع إلى كل من الوالي السابق البجيوي، وللمدير الإقليمي للأملاك المخزنية، ومدير الوكالة الحضرية، ومدير المركز الجهوي للاستثمار، وناظر الأوقاف، وعمدة مراكش، ورئيس قسم التعمير بالولاية، ورئيس بلدية آيت أورير، بالإضافة إلى الممثلين القانونيين ومسيري الشركات والأشخاص الذاتيين، الذين استفادوا من أملاك الدولة أو الأوقاف، وكل من له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعمليات تفويت هذه العقارات أو المضاربة فيها. في المقابل، أوضح رئيس مقاطعة مراكشالمدينة والنائب الأول للعمدة، يونس بنسليمان، في تصريح سابق ل”أخبار اليوم”، بأنه ما دامت السلطتان المحلية والجماعية رخّصتا بإحداث المشاريع الخاصة المذكورة، فإن مسطرة التفويت قد احترمت الضوابط القانونية، لافتا إلى أن تفويت العقارات التابعة للأملاك المخزنية مؤطرة من الناحية القانونية ولا يمكن لأي شخص تجاوز المساطر القانونية. وأضاف البرلماني بنسليمان، الذي تقول الشكاية إنه يعتبر واحدا من المستفيدين، بأنه لا وجود لأي مانع قانوني يحول دون قيام المنتخبين بأنشطة تجارية أو استثمارية، معربا عن استعداد المجلس الجماعي، وهو شخصيا، لتوضيح كل ما يتعلق بمسوؤليته المفترضة عن بعض التفويتات.