المشهد السياسي العالمي المعلوم لم يعد كما كان في السابق، له قواعد لعب محددة، في ظل أفول الإيديولوجية ذات المنطلق الفكري وصعود إيديولوجيات دينية وعرقية وقومية متطرفة، كما هو الحال في أمريكا وأوروبا وبعض دول أمريكا الجنوبية، والتي أصبح روادها يعتمدون بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب الناخبين والتأثير فيهم، مثل الرئيس الأمريكي ترامب، والرئيس البرازيلي خايير، بولسونارو، ورئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو سالفيني. هناك في المقابل، جيل جديد من الشباب يحاول الاعتماد على الوسائل عينِها من أجل الوصول إلى السلطة التي كان يحتكرها سياسيون كهول وأحزاب شائخة، وخير مثل على ما نقول الشاب نجيب أبو كيلة الذي يتحدر من أصول فلسطينية، صار رئيسا لجمهورية السلفادور، و يحكم البلد في سن ال38 عاما من منصة «تويتر». وإذا كانت رياح تنصيب أبو كِيلة رئيسا للسلفادور يوم 30 ماي المنصرم، جاءت بما لا تشتهيه سفن جبهة البوليساريو وحلفائها، فإن العلاقات المغربية السلفادورية تنفست الصعداء بوصول أبو كيلة إلى الحكم، وربما قد نشهد في المقبل من الأيام تقاربا بين البلدين. فكيف هو عالم «الرئيس الرقمي»، أبو كيلة؟ في 6 يونيو الجاري، أي بعد خمسة أيام من تنصيبه رئيسا للسلفادور، أطلق كيلة وابلا مكثفا من الرسائل عبر «تويتر» يدعو من خلالها وزراءه بإقالة المسؤولين العموميين المحسوبين على إدارة الرئيس السابق، سلفادور سانشيز ثيرين، عن الحزب اليساري (جبهة فارابوندو مارتي من أجل التحرير الوطني)، وهو الحزب الذي كان ينتمي إليه قبل أن يتركه ويغادر، ويترشح للرئاسة كمستقل. كل تغريدة ينشرها الرئيس تبدأ بعبارة «تُؤْمَر بأن» والتي تحدث زلزالا مؤسساتيا، إلى درجة أن ارتدادات هذا الزلزال أسقطت إلى حدود الآن، نحو 27 موظفا في الإدارة السابقة، بمن فيهم ثلاثة من أبناء الرئيس السابق سانشيز ثيرين، والعديد من أحفاده. عملية التطهير هذه أو التمشيط، التي يقوم بها أبو كيلة لتأمين ولايته وتنظيف الإدارة، لقيت استحسانا وتهاني شعب تويتر، الذي يحظى فيه كيلة ب749 ألف متابع، حيث يعرف الرئيس كيف يبحر من خلال تويتر بمهارة وخفة، قل نظيرها. وعن هذه الطريقة الجديدة في الحكم التي يرفضها البعض، يرد كيلة على نفسه قائلا: «رسميا، أنا أروع رئيس في العالم». انطلاقا من هذه الخطوات التي يقوم بها الرئيس الجديد، فلا مجال إذن للمناورة من طرف المجموعة التي تشتغل معه، لأنه بكل بساطة يتواصل مباشرة مع الشعب عبر تويتر ويستمع إلى طلباته، لهذا لا يحتاج إلى وسيط أو وساطة كيف ما كان نوعها، أو إلى من يتلاعب أو يخفي الرسائل الموجهة إلى الرئاسة، مغيرا بذلك عنوان رواية شهيرة للروائي الكولومبي، غابرييل غارسيا ماركيز، الحائز على نوبل للآداب، تحت عنوان: «الكولونيل ليس لديه من يراسله»، ب»الرئيس لديه من يراسله»، عبر التواصل المباشر مع السلفادوريين. في المقابل، يتعامل بصرامة مع وزرائه إلى درجة أنهم يقومون بما يُؤمرون به دون تساؤل. «أمر سينفذ في الحين سيدي الرئيس»، هكذا أجابت ألكسندرا إيل تينوكو، وزيرة الخارجية، التي عملت على تنحية دولوريس سانشيز، نجلة الرئيس السابق، من منصبها في المديرية العامة للتنمية الاجتماعية. من جهته، قام أبو كيلة بإعادة مشاطرة جواب وزيرته في الخارجية، وهي الإجابة التي حظيت ب5000 (جيم) في تويتر. في 4 يونيو الجاري، نددت ماريا تشيتشيلو، وزيرة التنمية المحلية في الحكومة الجديدة، أيضا، بوفاة 18 طفلا بسبب عدم وجود قنطرة في قريتهم تسمح لهم بالتنقل بسلاسة صوب المستشفى لتلقي العلاج. وفي هذا السياق، قالت الوزيرة: «أنا حزينة وغاضبة»، وهي ترفع شكواها، مباشرة، إلى الرئيس، فما كان من هذا الأخير (أي كيلة) إلا أن كاتبها عبر تغريدة قائلا: «الوزيرة ماريا، طلبك تمت معالجته من قبل فريق متعدد التخصصات في الحكومة، وأن القنطرة سيشرع في عملية بنائها في 72 ساعة»، وهي التغريدة التي حظيت ب16 ألف (جيم)، و2400 تعليق في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 7 ملايين نسمة. هذه الطريقة في الحكم أحدثت زلزالا سياسيا في السلفادور، البلد الذي لا يتجاوز 21 ألف كيلومتر مربع، و7 ملايين نسمة، والذي تناوب على حكمه في الثلاثين عاما الأخيرة اليمين بقيادة التحالف الجمهوري القومي، وجبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني، وهما التشكيلتان السياسيتان اللتان نشبت بينهما مواجهة قوية خلال الحرب الأهلية. في خضم هذا الصراع عرف الشاب كيلة، المقاول في مجال التسويق، كيف ينتزع الحكم في فبراير الماضي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية ب53 في المائة من الأصوات. منقذ العلاقات مع المغرب مباشرة بعد وصوله إلى الحكم بالسلفادور، الذي يعني «المنقذ»، ورغم حضور زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، حفل تنصيبه يوم 30 ماي المنصرم، أمر كيلة بإعادة تقييم علاقة بلاده مع الجمهورية الوهمية، وإمكانية أن تقوم القيادة الجديدة بمراجعة مواقف الحكومات اليسارية السابقة المنحازة لأطروحة البوليساريو. حكومة السلفادور، يوم الخميس 6 يونيو، أبلغت نظيرتها المغربية أنها تُقيّم علاقاتها الدبلوماسية التي تربطها ب»الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية»، في إطار «سياستها الخارجية الجديدة». وفي هذا الصدد، أصدرت وزارة الخارجية السلفادورية بيانًا تؤكد من خلاله على أنه «بمجرد الانتهاء من التقييمات، ستبلغ حكومة السلفادور المجتمع الدولي بقرارها في هذا الشأن»، أي بخصوص موقفها من الصحراء، وفقا لتوجهات الرئيس الجديد نجيب أبو كيلة، الذي «يعمل حاليًا على إعداد السياسة الخارجية الجديدة». وتابع البلاغ أن السياسة الخارجية الجديدة للسلفادور «ستسعى إلى الترويج الفعال والنشيط لمصالح البلد في المحافل الدولية». هذه العبارة الأخيرة تلمح وتشير إلى إمكانية التراجع عن موقف الحكومات السابقة المنحاز للبوليساريو، علما أن الأخيرة والسلفادور كانت تربطهما علاقات دبلوماسية منذ 1989، كما كانا يتبادلان السفراء منذ 2010. حارس للعدالة أم شعبوي رغم الدعم الشعبي الذي يحظى به كيلة، على غرار نظيره الرئيس الشعبي في المكسيك، لوبيث أوبرادور، إلا أن خصومه يتهمونه بالشعبوية، وانتهاك القانون وحرمة وهيبة الدولة. «الشيء الذي يقوم به هو فعل شعبوي واضح في محاولة ليظهر بمظهر حارس للعدالة، لكن في الواقع، يقوم بانتهاك دولة القانون، وإجراءات الإقالة في كل مؤسسة»، يوضح المنظر السياسي رفائيل مولينا. لكن كيلة ينفذ ما يأمر به الشعب الذي يطالب بمحاسبة الفاسدين وناهبي المال العام، وهو الشيء الذي يعترف به مولينا قائلا: «لا أحد يشك في فساد حزب جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني (المغادر للحكم)، لكن يجب أن تكون هناك مِسطرةٌ واضحة للإقالة من المناصب العمومية، وليس عبر تويتر السيد الرئيس. لماذا لم يبدأ بسياسة عامة تُعجّل بالولوج إلى هذه المناصب في إطار من الشفافية؟ إن ما يقوم به الرئيس اليوم، قد يقودنا إلى ما تعيشه كل من دول الهندوراس ونيكاراغوا وغواتيملا، أي حكم الفرد، حيث لا صوت يعلو على صوت الرئيس. يصحّ وصف الحملة الانتخابية التي قام بها كِيلة ب»الرقمية كليا»، خصوصا وأنه لم يسبق لأي رئيس في أي بلد آخر أن اعتمد بشكل حصري على مواقع التواصل الاجتماعي. ثم إن كيلة بالكاد زار مناطق في البلد، أو نظم لقاءً انتخابيا. إن كل ما قام به هو التواصل مع الشعب عبر الفضاء الأزرق من خلال تطبيقات تويتر وفايسبوك وإنستغرام، وهو ما سمح له بكسب عطف واسع من الناس بمظهره القريب منهم، وباستعماله خطابا يلعب على وتر شعب كَلَّ منذ عقود من العنف والفساد والفقر. كارلوس مارتنيز، الصحافي بجريدة «إلفارو» بالسلفادور، يرى أن كِيلة تمرد على السياسة السائدة والمتعارف عليها من قبل، بحيث أن طريقة تعامله ابتلعت كل الديناصورات السياسية القديمة على حين غرة. بتصرف عن «إلباييس»