في مطلع سنة 1972 سيحلّ الفريق سعد الدين الشاذلي بالمغرب، ليبسط للراحل الحسن الثاني خطته العسكرية لاستعادة سيناء، فيرد عليه الملك وقد أخذه الحماس، “القوات المغربية رهنَ إِشَارتكم”، وكما حصل مع الجيش الجزائرِي، طلبت مصر أن تطلع على حالِ الجيش المغربِي، كي تحددَ ما تحتاج إليه من عتاد عسكري، فكان لها ما أرادت، وطلبت سرية مدرعات من طراز “F-5A” وفريقا أرضيا، وهو الأمر الذي حظي بموافقة الملك. وبما أن الفريق الشاذلِي كان يدرك الإمكانيات المهمة التي يتوفر عليها الجيش المغربي عسكريا، عاد ليسأل الحسن الثاني عما إذا كانت هناك وحدات أرضية ستعزز الجيوش العربية، فرد الحسن الثاني بالإيجاب، ووضعَ رهن إشارته، سرية ثانية من المشاة، سيرابطون في جبهة سيناء، قبل أن تدق ساعة الصفر. في الفاتح من أكتوبر، عمد الشاذلي إلى إعلان الحرب، إلا أن الراحل الحسن الثاني رفض ذلك وطلبَ مزيدا من الوقت، وهو ما جعل السرية المغربية، تنتقل إلى مصر وقد اندلعت المعارك سلفا، في قناة السويس. أصدر الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1973 أمره العسكري للجيش المغربي للمشاركة في حرب الجيوش العربية ضد إسرائيل، بصفته قائدا للأركان العامة للقوات المسلحة الملكية. في بداية شهر أكتوبر 1973 بسوريا، وعلى قمة “جبل الشيخ” بمنطقة الجولان، القوات الإسرائيلية المجهزة بالدبابات تحاصر فيلقا مغربيا من كل جانب، جيش العدو يتحفظ على إطلاق النار، ويطلب من الجنود المغاربة المحاصرين التخلي عن أسلحتهم عبر مكبرات الصوت إن هم أرادوا البقاء على قيد الحياة. تهديد لم يخف عناصر الفيلق المغربي، الذين أصروا على الاحتفاظ بأسلحتهم، وعدم التخلي عنها، حتى وإن كلفهم ذلك حياتهم، “بالنسبة إليهم كان الامتثال لأوامر الإسرائيليين يشكل طعنا في شرفهم العسكري”، يحكي أحد السوريين الذين شاركوا في حرب أكتوبر 1973. أمام إصرار الجنود المغاربة على التشبث بموقفهم، سمح لهم الإسرائيليون بتسليم أنفسهم، من دون أن ينزلوا أسلحتهم. بعد ذلك سيتم اقتيادهم إلى منطقة مجهولة بين هضاب “الجولان” الشاسعة، حيث ستتم تصفيتهم. هذا واحد من فصول مشاركة المغاربة في حرب أكتوبر سنة 1973 بين العرب ودولة إسرائيل، التي دارت رحاها على هضبة الجولان على الجبهة السورية، وفي صحراء سيناء بالجبهة المصرية. يوم 22 يناير 1973 سيعلن الحسن الثاني عن إرسال قوات عسكرية إلى سوريا، للمشاركة في الحرب التي خاضتها الجيوش العربية ضد إسرائيل. قرار الملك الراحل جاء أيام قليلة بعد زيارة وزير الخارجية السوري آنذاك، عبدالحليم خدام، للمغرب في إطار جولة بالمنطقة، يطلب من جميع رؤساء الدول المغاربية مساعدة عسكرية لمواجهة هجوم الطيران الإسرائيلي. يحكي الحسن الثاني “جاء عندي صديقي عبدالحليم خدام،.. خلال إحدى الليالي في أواخر 1972 إلى المكتب، وكانت سوريا في حالة سيئة من الناحية الاقتصادية، وكان يطلب المعونة آنذاك من الدول العربية”. ساعتها قال الحسن الثاني لوزير الخارجية السوري، “أرجوك لا تطلب مني شيئا فليس لدي ما أعطيك إياه. لكن إذا أردت الرجال فهم عندي”. موقف أدهش عبدالحليم خدام، الذي سأل الحسن الثاني، “هل تعطيني الرجال؟” ولما أجاب الأخير بالإيجاب، أخبره خدام في اليوم الموالي أن “الرئيس حافظ الأسد فوجئ، وهو يرحب بهذا الاقتراح. وسيكون المغرب أول بلد يرسل قواته إلى سوريا”، يضيف الحسن الثاني. وفعلا وصل الجنود والمتطوعون المغاربة إلى دمشق، قبل بداية الحرب بعدة أشهر، ووضعوا تحت إمرة الجيش السوري. بعض الثكنات العسكرية شهدت حالة تأهب بناء على تعليمات ملكية، فالملك قرر، أيضا، إرسال جنود مغاربة إلى صحراء سيناء، أيام قليلة قبل اندلاع الحرب بين العرب وإسرائيل، بعدما تم تجميع المجندين داخلها، "أكثرية المغاربة كانوا يحاربون في الصحراء المغربية، الأمر الذي سهّل علينا التكيف مع طقس صحراء سيناء الحار"، يصرح للجريدة 24 أحد المغاربة، الذين حاربوا على الجبهة المصرية. الأخير يضيف أنه تقرر إرسال 3 أفواج إلى سيناء، كانت مرابطة بثكنات طانطان، كلميم ومراكش، مشيرا إلى طغيان طابع السرية، إذ إن "الجنود لم يكونوا على علم مسبق باتجاههم، سيناء أو الجبهة السورية". مبادرات الحسن الثاني في هذا الإطار لم تقف عند هذا الحد، بل أطلق حملات للتبرع بالدم دشنها الملك الراحل شخصيا، كما تم فتح مكاتب التطوع لتسجيل آلاف المتطوعين للذهاب إلى جبهة القتال، وأصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا تطلب فيه المجندين التعريف بمحلات سكناهم، كما جمعت السلطات التبرعات من الأغنياء، بالإضافة إلى اتخاذ قرار بإعطاء الزكاة لعائلات الذين استشهدوا بالجبهة. السياق الذي أرسل فيه الملك الراحل عشرات المجندين إلى سوريا لمحاربة إسرائيل، جعل العديد من أفراد الجيش المغربي المشاركين في حرب أكتوبر 1973، يتوجسون من قرار الحسن الثاني. فإرسال تجريدة من القوات المسلحة الملكية إلى سوريا، جاء أشهر قليلة بعد عملية التطهير التي قادها الحسن الثاني داخل المؤسسة العسكرية، إثر محاولة الانقلاب الفاشلة التي دبرها أفراد في الجيش بقيادة الجنرال محمد أفقير سنة 1972. لكن الملك الراحل نفى خلال إحدى خطبه سنة 1991 كل "الإشاعات" و"الادعاءات" التي "تزعم أنني بعد قضية 16 غشت 1972 أرسلت كل الأشخاص الذين لا أثق فيهم إلى الجولان عسى أن يهلكوا على يد الإسرائيليين، بالعكس ذهبوا ولله الحمد فلو لم تكن حاستي السادسة لما أمكن للمغرب أن يفتخر بأنه كان من دول المواجهة، وذلك بفضل شهدائنا رحمهم الله"، يقول الملك الراحل.