غياب الاهتمام بما يقع للحزب الأكبر في «المعارضة»، قد يفسره شعور عام بأن الأمر لا يتعلّق بحزب «حقيقي» أو منبت من دينامية اجتماعية، بل جسّد في المخيال الجماعي سعي السلطة إلى الالتفاف على اللعبة الديمقراطية وجمع الكائنات الانتخابية في تكتّل يحظى بالدعم والمساندة لتصدّر المشهد السياسي، إلا أن الوصفة انتهت إلى طبق محترِق. تجري الأحداث الدرامية التي يعيشها الحزب الثاني في البرلمان المغربي تحت غطاء من اللامبالاة وغياب الاهتمام. جلّ المراقبين والمتابعين للشأن السياسي المغربي ينظرون إلى الأمر على أنه تحصيل حاصل وأمر متوقع، خاصة بعد الهزيمة الانتخابية لحزب الأصالة والمعاصرة في انتخابات 7 أكتوبر 2016 التشريعية. لكن خلف هذا الاستسهال الجماعي للانقسام الذي يرجّح ألا يتوقّف قبل الاندثار التام لهذا الحزب، يخفي وراءه قصة طويلة تعود إلى 12 عاما على الأقل، حين بدأت مسيرة حزب الدولة الجديد باستقالة الوزير المنتدب السابق في الداخلية، المستشار الملكي الحالي فؤاد عالي الهمة، ومبادرته إلى تأسيس حركة “لكل الديمقراطيين”، وبعدها حزب الأصالة والمعاصرة. غياب الاهتمام بما يقع للحزب الأكبر في “المعارضة”، قد يفسره شعور عام بأن الأمر لا يتعلّق بحزب “حقيقي” أو منبت من دينامية اجتماعية، بل جسّد في المخيال الجماعي سعي السلطة إلى الالتفاف على اللعبة الديمقراطية وجمع الكائنات الانتخابية في تكتّل يحظى بالدعم والمساندة لتصدّر المشهد السياسي، إلا أن الوصفة انتهت إلى طبق محترق. قصة بدأت قبل 12 سنة في غشت من العام 2007 بدأت القصة الطويلة، حين كانت مؤشرات وزارة الداخلية توحي بانفلات حبال التحكم في الخريطة الانتخابية من يدها، ليعلن وزيرها المنتدب وزميل دراسة الملك استقالته منها، وترشّحه في الانتخابات التي أجريت بعد شهر من ذلك. أصر الرجل حينها في خرجاته الإعلامية التي انطلقت من القناة الثانية، أنه لم يخرج من الباب ليعود من النافذة، وأن “جلالة الملك” تعهد باحترام المنهجية الديمقراطية، وأن الوزير المستقيل قرر العودة إلى صخور الرحامنة لخدمة المنطقة وإخراجها من التهميش. يومها بدأ موسم الحج إلى دائرة “مرشح سيدنا”، حيث بدا من حجم وعدد “المساندين”، أن أصحاب المصالح السياسية والمادية لم يفقدوا ثقتهم واعتمادهم على مرشح من طراز خاص. بعد اكتساح لائحة العائد إلى مسقط رأسه في انتخابات 7 شتنبر 2007، انطلق التأسيس لما سيصبح حزبا منتفخا بالفريق البرلماني الذي كاد يستنزف من الأحزاب نوابها. فقد كانت بوابة الفريق البرلماني مدخلا للقفز على ما اعتقد البعض أن قانون الأحزاب قد أنهاه من ظاهرة برلمانيين رحّل، ثم سرعان ما أعقب ذلك تأسيس “حركة لكل الديمقراطيين”، التي أعلن ولادتها بيان كشف عن “سلسلة من المشاورات” اجتمع فيها السياسي بالاقتصادي والجمعوي. رغم الكم الكبير من نفي فكرة التأسيس لحزب جديد بناء على هذه التحركات، إلا أن الجميع كان موقِنا أن الأمر قُضي، وذلك في ظل تشخيص كان يقول إن الطبقة السياسية والحزبية لا تساير إيقاع العمل الملكي، حيث كانت المؤسسة الملكية تزيد ضغوطها على مؤسسات حزبية جلها شاخ في مقاعد ألِفت الحصول عليها كجزء من الريع السياسي. كانت ساعة المبادرة إلى إحداث حزب سياسي فعّال وقادر على إعطاء المبادرات الملكية الدينامية التي تريدها قد دقت، وهو ما أثار غيظ “الأحزاب التاريخية” وحديثة النشأة، على حد سواء. حزب 20 فبراير رغم أن الإعلان عن ميلاد حزب “الأصالة والمعاصرة” كان قد تم خلال شهر شتنبر من سنة 2008، من خلال إعلان اندماج خمسة أحزاب، رفقة أشخاص ينتمون إلى “حركة لكل الديمقراطيين”؛ إلا أن المؤتمر انعقد بتاريخ 20 فبراير؛ فمن غريب الصدف أن المؤتمر التأسيسي لحزب الأصالة والمعاصرة، انعقد في بوزنيقة يوم 20 فبراير من العام 2009؛ فبعد عامين بالتمام والكمال، سيخرج آلاف المتظاهرين مطالبين بالإصلاح والديمقراطية، ورحيل بعض رموز هذا الحزب. عقد الحزب مؤتمره “التأسيسي”، بعدما أصبح مسيطرا على أكبر فريق برلماني في مجلس النواب، فريق “التجمع والمعاصرة”، والذي كان يتحالف فيه كل من نواب حزب التجمع الوطني للأحرار، وأولئك الذين التحقوا بالفريق النيابي الذي تشكلت نواته من نواب “لائحة بنكرير”، والتي حصد من خلالها فؤاد عالي الهمة الثلاثة مقاعد المخصصة لهذه الدائرة. حزب أجندة الدولة بدا الحزب كما لو أتى ليحمل أجندة الدولة التي “عجزت” الأحزاب الموجودة عن خدمتها. من الملفات الشائكة في قضية الصحراء، فالدبلوماسية والمصالح الخارجية للمملكة، فالقضايا الحسّاسة، من قبيل الهجمة الرسمية على الصحافة وإشراك الجالية المغربية في أوروبا في العملية السياسية؛ رتّب حزب الأصالة والمعاصرة الملفات الأساسية في سياسة الدولة في أجندته الخاصة، وبنى تحركاته وأنشطته التنظيمية والإعلامية والتشريعية، بناء على تلك الملفات، بتزامن مع إثارتها في الخطب الملكية أو طرحها للنقاش العام. فبمجرد انتهاء الملك محمد السادس من إلقاء خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء للعام 2009، كان ال”بام” ينظم ندوة صحافية ليعلن خلالها استعداده لتقديم مقترح قانون حول موضوع الخيانة الذي جاء في الخطاب الملكي، ثم باشر خطوات تنظيمية لإضفاء الصبغة الجهوية على بنيانه التنظيمي، بُعيد عودة أمينه العام، محمد الشيخ بيد لله، من زيارة حزبية – دبلوماسية إلى إسبانيا، على خلفية مأزق ترحيل أمينتو حيدر من العيون إلى جزر الكناري. وفي هيكلته للجان المنبثقة من المكتب الوطني، انتقل فؤاد عالي الهمة، من ترؤس لجنة الانتخابات إلى قيادة لجنة العلاقات الخارجية والعامة. والتي وضعت في مقدمة أجندتها إطلاق حملة دولية في الأوساط الحزبية والمدنية لعدد من الدول الأوروبية والأمريكية، من أجل الدفاع عن القضايا الوطنية والتعريف بالحزب ومشروعه الديمقراطي في الخارج والداخل، وربط علاقات مع السفارات الأجنبية في المغرب، خاصة المستشارين الاجتماعيين والثقافيين بها… وعندما كانت الصحافة المغربية تعيش أحد أحلك فصول مواجهتها مع قمع الدولة في تاريخ المغرب، بعد توالي المحاكمات وصدور أحكام قضائية بسنوات سجنا، منها النافذ ومنها موقوف التنفيذ، وإغلاق يومية “أخبار اليوم”، ثم أسبوعية “المشعل”، والشروع في بيع معدات اشتغال أسبوعية “إيكونومي إي أونتروبريز”… كان حزب الجرار، الوحيد القادر على التحرك، والإعلان عن مبادرة تنظيم يوم دراسي من داخل البرلمان، من أجل مناقشة أوضاع الصحافة، ومحاولة التوصل إلى “حلول” للإشكالات المطروحة. الرجات الأولى التي أحدثها حزب الأصالة والمعاصرة في شهوره الأولى، لم تستثن أقرب الحلفاء، أي حزب التجمع الوطني للأحرار. إحدى أولى المعارك التي أطلقها الحزب الجديد، كانت تلك التي أثارها اعتقال أحد البرلمانيين السابقين في حزب التجمع الوطني للأحرار، وإصرار الإعلام العمومي على الربط بين هذا الاعتقال والحزب الذي كان يرأسه حينها مصطفى المنصوري. كما كانت الحملة الانتخابية لاستحقاقات 2009 الجماعية، مناسبة لعدد من الخرجات القوية للوزير المنتدب السابق في الداخلية، فؤاد عالي الهمة، والذي هاجم وزير الفلاحة عزيز أخنوش ومشروعه المسمى “المخطط الأخضر”. الجرار يواجه العواصف رغم عمره القصير، إلا أن حزب الجرار واجه الكثير من العواصف بعضها كان مبكرا. فبعد الانتكاسة التي مُني بها حزب الأصالة والمعاصرة في الانتخابات التشريعية الجزئية التي أجريت صيف العالم 2008، سجل الحزب تحولا نوعيا في استراتيجيته الانتخابية مع حلول موعد الانتخابات الجماعية ل2009، بتوجهه نحو استقطاب الأعيان ومحترفي اللعبة الانتخابية، ومنحهم التزكية من أجل خوض الانتخابات الجماعية. وهو التوجه الذي أفرز اكتساح حزب الجرار للدوائر الانتخابية التي يتم فيها الاقتراع حسب النمط الفردي. فمن بين 6015 مقعدا التي فاز بها الحزب في تلك الانتخابات، لا يوجد سوى 648 مقعدا حازها الحزب في الدوائر التي تعتمد نمط اللائحة، أي بنسبة نجاح لا تصل إلى 15 في المائة. ورغم الإعصار القوي الذي ضرب المملكة، وتجسّد في ما يُعرف بحركة 20 فبراير، وحمل العديد من المتظاهرين للافتات تدعو حزب الجرار ومؤسسه عالي الهمة إلى الرحيل، إلا أن خطاب 9 مارس والاستفتاء حول الدستور الجديد، شكلا محطة حاول “الحزب المريض” جعلها منعطفا يعود منه إلى الواجهة ويستأنف بعدها حصاده السياسي، وسرعان ما ظهرت بوادر عودة حزب الأصالة والمعاصرة بقوة إلى المشهد السياسي، وأخرى عن عودة مؤسسه إلى مرافقة الملك في بعض تحركاته. موجة الربيع العربي بتاريخ 16 ماي 2011، أي اليوم الذي يؤرّخ للأعمال الإرهابية بالدارالبيضاء، 16 ماي 2003، كان أعضاء المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة يجتمعون للنظر في القنبلة غير المتوقعة التي ألقى بها مؤسس الحزب إليه، بإعلانه استقالته من رئاسة لجنتين من لجان حزب الجرار؛ وتزامن ذلك مع ظهور باهت للحزب في برنامج “حوار” التلفزيوني، حيث لم يحضر أي وزير أو مسؤول حزبي واضطر ال”بام” إلى إحضار بضعة أشخاص لملء مقاعد البلاتو. بعدما أعلن مرارا تفكيره في تولّي التدبير الحكومي بعد انتخابات 2012 التشريعية، عاد حزب الأصالة والمعاصرة في سياق الحراك الشعبي ليعلن رفضه لما سمّاه رهن البلاد بالأفق الانتخابي الذي تفصلنا عنه سنتان ونصف، ووجّه في هذا السياق انتقادات لاذعة لحزب الاستقلال بعد الهجوم الذي شنّه عليه في تلك الفترة، متوعّدا إياه بمعارضة “مختلفة”. وتزامن هذا التحوّل في الأفق الاستراتيجي لحزب فؤاد عالي الهمة، وحديثه عن انتخابات 2017 بدل 2012، مع الإعلان عن تحوّل غير مسبوق في الاستراتيجية العامة لذراع الدولة في المجال الاقتصادي، بالإعلان عن إدماج مجموعتي “أونا” و”الشركة الوطنية للاستثمار”، وطرح مجموعة “أونا” لمساهماتها في شركات “كوسومار” و”لوسيور كريستال” و”بيمو” و”المركزية للحليب” و”صوطيرما”، للاكتتاب في بورصة الدارالبيضاء، بما يعني انسحابها من هذه الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالاحتياجات اليومية للمغاربة. فصول الأزمة العاصفة التي ضربت حزب الأصالة والمعاصرة تزامنا مع “الربيع العربي”، وعمّقتها استقالة فؤاد عالي الهمة من رئاسة لجنتين، كان هو من اقترح إحداثهما، على أمل النجاح في تحويل “البام” إلى حزب حقيقي بانسجام تام بين مكوناته ووضوح في هويته ومشروعه السياسيين؛ كادت تفجّر الحزب من الداخل، وشهد أحد اجتماعات المكتب الوطني للحزب أواسط شهر ماي 2011، اصطدامات ومواجهات بين الأعضاء الداعين إلى عقد مؤتمر استثنائي للحزب، وهم الذين يوصفون باليساريين، وبين باقي الأعضاء الرافضين لفكرة المؤتمر والمطالبين بالإصلاح والمراجعة من داخل الهياكل الحالية. دعوات مبكرة إلى الحل القنبلة التي فجّرها أحد أعضاء المجلس في ذلك الاجتماع، كانت مطالبته بحلّ الحزب عوض الاكتفاء بالمطالبة بإصلاحه ومراجعة هياكله وبنياته. وقال العضو، الذي كان هو المتدخّل ما قبل الأخير في تلك الليلة الطويلة، إن التراكمات التي وقعت والأحداث التي ارتبط بها اسم الحزب تستدعي التراجع عن فكرة تأسيس هذا الحزب السياسي. هذا العضو القيادي اقترح ليلتها حلّ الحزب، “وبرّر ذلك على وجه الخصوص ببعض الملفات وعلى رأسها ملفّ مدينة سلا واعتقال القيادي في حزب العدالة والتنمية جامع المعتصم، وتردّد أسماء من داخل حزب الأصالة والمعاصرة في تدبير ذلك الملف”. وأضافت المصادر ذاتها أن ردود فعل قوية صدرت بعد إطلاق دعوة إلى حل الحزب داخل المجلس الوطني، وأن صاحبها تمسّك بها رافضا التراجع عنها. دعوة صادفت حينها هجوما عاصفا من زعيم إسلاميي العدالة والتنمية، عبدالإله بنكيران، والذي قال في أحد التجمعات الجماهيرية بمنطقة “أكوراي”، إنه وعندما “رفض الملك خطة الهيمنة والقضاء على حزب العدالة والتنمية في 2007، خرج سي فؤاد ودار مشاكل وضرر كبير لا يمكن أن ينتهي إلا إذا كانت لديه شجاعة حل ذلك الحزب المشؤوم، كما أسسه في اليوم الأول”. فمنذ تأسيس البام قبل نحو خمس سنوات من عام الربيع العربي، أصبح الفرز الوحيد الذي يمكن للمرء أن يجازف بكل ثقة، هو الذي يقع بين حزبي “الأصالة والمعاصرة” و”العدالة والتنمية”، فالأول تأسس لمحاربة الثاني بالدرجة الأولى، والإسلاميون لم يدخروا جهدا لمحاربة “الوافد الجديد” ومهاجمته في كل فرصة وحين. وصعود أحدهما إلى المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لما بعد الدستور الجديد، بات شبه كاف للجزم باستحالة صعود الآخر إلى الحكومة، أي أنها معركة وجود. ومع توالي الأسابيع والشهور، واصل حزب الجرار تغيير جلده القديم، وعقد مؤتمرا انتخب فيه أمينا عاما “تكنوقراطيا” ووجها مقبولا هو مصطفى بكوري، وانتخب مجلسه الوطني في دورته الأولى بعد المؤتمر الاستثنائي، أعضاء المكتب السياسي الذي سيعمل إلى جانب الأمين العام الجديد مصطفى بكوري. قدرة الحزب على حمل مكونات متناقضة على التعايش، جسّدها الحضور اللافت لأحد أبرز وجوه حركة 20 فبراير، الشاب أسامة لخليفي، اجتماعات رسمية، تلاها انخراطه الفعلي… فيما حرص رئيس المؤتمر الاستثنائي ل”البام” وقائد الحزب في جهة تازةالحسيمةتاونات، محمد بودرا، على إنهاء مهمته بعبارة “البام يرفض أن يرحل”. فيما فتح تعيين فؤاد عالي الهمة، مستشارا ملكيا، باب التوقّعات والقراءات لمستقبل المشهد السياسي، وفي مقدمتها مصير الحزب الذي أشرف على تأسيسه. ضحية ضربات بنكيران شهورا قليلة بعد تولّيه رئاسة الحكومة، سيتأكد أن حرب عبدالإله بنكيران مع راكبي الجرّار لم تضع أوزارها، فقد تحوّلت هذه العلاقة إلى عقدة ولغم يفجّر الجلسات الشهرية التي يعقدها رئيس الحكومة في مجلسي البرلمان. فسرعان ما دخل بنكيران في مواجهة مباشرة مع مستشاري ال”بام” في الغرفة الثانية للبرلمان، وعادت مع توالي الأيام والجلسات البرلمانية والخرجات الإعلامية، الحرب الكلامية بين رئيس الحكومة السابق ورموز حزب ال”بام”. “تعلّم تحتارم الوزراء.. وراك ما كاتخلعناش”، يقول بنكيران في أحد الاصطدامات المبكّرة مع حكيم بنشماش، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة حينها بمجلس المستشارين. وحين بدا أن الجرار لم يضعف الإسلاميين رغم وجود زعيمهم على رأس الحكومة واتخاذه سيلا من القرارات غير الشعبية، لم يجد مهندسو ال”بام” بدّا من لعب آخر أوراقهم، ودفع دينامو الكواليس، إلياس العماري، نحو القيادة الرسمية لهذا الحزب، استعدادا لانتخابات 7 أكتوبر 2016، وذلك بعد فشل الآلة الانتخابية للجرار في تكرار حصاد العام 2009، في الانتخابات المحلية والجهوية التي جرت في 2015، وشهدت صعودا مثيرا لحزب العدالة والتنمية. خروج إلياس من القمقم إلياس العماري، هو واحد من أوائل الذين خرجوا لإعلان التفافهم حول وزير الداخلية السابق، المستشار الملكي الحالي فؤاد عالي الهمة في مشروعه الحزبي المخصص لمحاربة الإسلاميين. فيما كان البعض يردد أنه وبعد استقالة الهمة والتحاقه بالديوان الملكي، أصبح “البام هو إلياس، وإلياس هو البام”. فهو الذي جلب، أو على الأقل عبّأ وجوها يسارية مثل صلاح الوديع وحسن بنعدي والحبيب بلكوش، وهو من أقنع نجيب الوزاني بالالتحاق بفريق الأصالة والمعاصرة ورئاسته في وقت لم يكن حزب البام قد تأسس فيه، وهو نفسه من سيعود ليجبره على مغادرة السفينة على خلفية ملف سعيد شعو، “وهو الرجل البخيل، والذي يتصرّف في الوقت عينه، في أرقام فلكية بالملايير، وينظم مؤتمرات الحزب الوطنية والجهوية من “شكارة” أعيان ونافذين لا يرفضون له أمرا”، يقول مصدر قريب من العماري. ظل إلياس العماري يصرّ في جلّ خرجاته وحواراته الصحافية، على نفي حيازته أي نفوذ أو تأثير، مستدلا في ذلك بعدم تقلده أي منصب رسمي. إلا أن جلّ من عرفوه خبروا قدرته على التأثير والتدخل وتوجيه الضربات والرد بحزم على أخرى يتلقاها. صورة الرجل أخذت مسارا مستقيما من البروز والصعود إلى الواجهة منذ تأسيس حزب الجرار. “كان في البداية يكتفي بالكواليس وتحضير القرارات واللوائح وتدبير مالية الحزب، لكن خلافاته وصراعه مع الأمناء العامين السابقين، خاصة الشيخ بيد لله، سرّعت وتيرة خروجه إلى العلن”، يقول أحد المصادر من داخل قُمرة قيادة الجرار. فيما تحرّكات الرجل في السنوات القليلة الماضية لم تقتصر على الواجهة الداخلية، بل راح يقوم بأدوار دبلوماسية بلقاءات رسمية والتقاط للصور. أبرز تلك التحركات تلك التي قادته إلى فلسطين في ضيافة قادة حركة فتح، وظهوره في صورة شهيرة وهو يؤدي الصلاة بالقدس. العماري.. خروج سريع كان رابع أمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة، لكنه أسرعهم رحيلا، حيث امتدت فترة رئاسته للحزب بين مستهل 2016 وصيف العام 2017. كان على مدى ثماني سنوات رجل الظل “القوي”، والطيف الذي يخيم على كواليس حزب الدولة الجديد، لكنه منذ عودة بنكيران العدالة والتنمية إلى اكتساح الانتخابات المحلية ل2015، وإصرار هذا الأخير على الاستمرار كحارس أمين لمصباح الإسلاميين، خرج إلى الأضواء التي سرعان ما حرقته. إلياس العماري استقال، لكنه في أعين المراقبين أُقيل. منذ اللحظات الأولى التي أعقبت إعلان استقالته، قفز إلى الواجهة سؤال مستقبل الأصالة والمعاصرة المرتبط بشكل كبير بمستقبل زواج المتعة الذي جمع بعضا من اليساريين الجذريين السابقين، وجناح من السلطة. ومن السيناريوهات الذي طُرحت منذ عامين، يوجد ما يقع حاليا من “تناحر” داخلي بين مكونات الحزب، إلى جانب سيناريو الاندثار أو الذوبان داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، الحصان الجديد الذي يعتقد البعض أن الدولة تراهن عليه.