بعد مرور أشهر قليلة على التقرير الصادم الصادر عن المفتشية العامة للإدارة الترابية حول “الاختلالات التي شابت العمليات المالية والمحاسباتية التي أنجزتها بلدية ابن جرير، خلال سنتي 2016 و2017″، عاد المجلس الجماعي للمدينة نفسها وصوّت على مقرّر، خلال الجلسة الثانية من دورة ماي الملتئمة صباح أول أمس الثلاثاء، بنزع ملكية 52 بقعة أرضية سبق أن أقامت عليها الجماعة مشاريع (طرق، فضاءات خضراء، وملعبين للقرب)، ولتوفير الوعاء العقاري لمشاريع مستقبلية، وهي العقارات التي من المقرر أن تكلف مالية البلدية أكثر من 360 مليون سنتيم. النقطة أثارت جدلا سياسيا وقانونيا، فقد تساءل أعضاء من المعارضة عن المعايير التي اعتمدتها لجنة الخبرة في تقييم أسعار هذه العقارات، خاصة وأنها حددت أثمنة بخسة لبقع أرضية، تراوحت بين 52 و60 درهما للمتر المربع، في حين حددت سعرا تراوح بين 450 و600 درهم للمتر المربع بالنسبة لبقع مجاورة بالأحياء نفسها، بل إن لجنة الخبرة حددت 200 درهم للمتر المربع لعقارات مجاورة لمدخل الأداء بالطريق السيار، فيما لم يتجاوز السعر 30 درهما لعقار بحي “الشعبيات”، سبق لها أن نزعت ملكيته لإحداث طريق. وكان تقرير المفتشية العامة أوضح بأن القضاء الإداري أصدر 11 حكما نهائيا ضد البلدية، خلال سنتي 2016 و2017، على خلفية الدعاوى القضائية التي تم رفعها ضدها بسبب إقامتها مشاريع على عقارات دون احترام المقتضيات القانونية، وهي الأحكام التي وصلت التعويضات فيها إلى 845 مليون سنتيم، دون احتساب الأحكام الصادرة قبل 2016، والتي أكد التقرير بأنها تصل إلى أكثر من مليارين و600 مليون سنتيم، علما بأن هناك 86 دعوى أخرى مرفوعة ضد البلدية من أجل التعويض عن بقع أرضية نزعت ملكيتها من خواص، وقد اعتبر التقرير، المعد من المفتشين صوفيا العباسي وعادل السقلي، بأن هذه “الاقتناءات ليست في الواقع سوى اعتداءات مادية على أملاك خاصة، دون احترام مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، وهو ما خلق نوعا من الإحباط لدى المعنيين بالأمر، الذين كانوا يعبرون عن استيائهم بوقفات احتجاجية ضد مسيري الجماعة”، يقول التقرير، الذي خلص إلى أن “كثرة الدعاوى قد تؤدي إلى إنهاك مالية الجماعة وانحرافها عن الدور التنموي المنوط بها”. كما احتد النقاش بخصوص إعطاء الرئيس لأمر بإنجاز خدمة متعلقة بإصلاح بعض ملاعب القرب بقيمة مالية تجاوزت 19 مليون سنتيم، قبل إصدار سند الطلب، الذي كان حدد 7 ماي الجاري تاريخا لتلقي عروض الأثمان الخاصة به، في حين انطلقت الأشغال قبل ذلك بأسابيع، وهو ما علله الرئيس بالطابع الاستعجالي للخدمة، خاصة مع اقتراب الشهر الفضيل الذي يشهد تنظيم دوريات رياضية. وكان تقرير المفتشية العامة أكد بأن البلدية أبرمت سندات طلب، بلغت قيمتها أكثر من 560 مليون سنتيم، خلال السنتين المذكورتين، لافتا إلى أنها تحصل على طلباتها من بعض الممونين قبل أن تنجز سندات الطلب، معطيا المثال على ذلك بالسند رقم 20/2016 لشراء دراجات نارية ثلاثية العجلات، التي تسلمتها الجماعة، بتاريخ 17 يونيو من 2016، في حين لم يتم إعداد الفاتورة إلا بتاريخ 5 يوليوز من السنة عينها. كما أشار إلى أن البلدية لا تحدد بدقة حاجياتها المقتناة بواسطة سندات الطلب، فقد اقتنت، مثلا، 19 مجمدا لسوق السمك، في الوقت الذي سجلت فيه اللجنة، خلال زيارتها للسوق، بأن 8 مجمدات لم تُستعمل بعد. إنجاز أشغال سابقة على إصدار سندات الطلب لا يقتصر على الخدمات، فقد صوّت المجلس، أول أمس، على تحويل اعتمادات من أجل تغطية دعم مالي قدره 30 مليون سنيتم لفائدة “جمعية إحياء التراث الشعبي”، التي نظمت مهرجانا فنيا وثقافيا (مهرجان روابط) في أبريل الماضي. النقطة المتعلقة بتوزيع الدعم على الجمعيات أثارت بدورها جدلا كبيرا، فقد اعتبر مستشارون من المعارضة بأن صرف المجلس ل 73 مليون سنتيم لجمعيات ومواقع إلكترونية “حملة انتخابية ودعائية سابقة لأوانها ممولة من المال العام”. وكان المجلس صادق، خلال دورة أكتوبر المنصرم، على توزيع الدعم لفائدة جمعيات ثقافية ورياضية بلغت حوالي مليار سنتيم، بما فيها جمعية الرحامنة للموارد البشرية، التي يترأسها النائب الأول للرئيس، وتُعنى بتشغيل اليد العاملة بمختلف الجماعات والمصالح الخارجية بالإقليم، إذ تشغّل 403 مستخدمين، بينهم 171 ببلدية ابن جرير، وقد أفرد لها تقرير المفتشية العامة فقرة خاصة أوضح فيها بأنها تستفيد من دعم مالي من بلدية ابن جرير، يصل إلى 440 مليون سنتيم سنويا، علما بأن رئيس الجمعية يوجد في حالة تنازع المصالح، وهو ما اعتبره التقرير “خرقا للقانون التنظيمي للجماعات، خاصة المادة 65 منه”. وسجل التقرير بأن البلدية، التي يسيرها حزب الأصالة والمعاصرة منذ 2009، لا تطالب الجمعية المذكورة بتقاريرها المالية والأدبية، طيلة السنوات التي كانت تقدم لها الدعم المالي، ابتداءً من 2011، ورغم استماع المفتشين لرئيس الجمعية، فلم يدل لهما بالوثائق المتعلقة بلائحة باقي أعضاء مكتبها، طلبات التشغيل، برامج التعاقد، السير الذاتية للمستخدمين وعقود عملهم، محاضر اجتماع لجنة انتقائهم… هذا، ولم تلتئم الجلسة الأولى من الدورة، التي كان مفترضا انعقادها بتاريخ الثلاثاء 7 ماي الحالي، لعدم اكتمال النصاب القانوني، بسبب مقاطعة 10 أعضاء من بين 22 مستشارا “باميا”، بينهم نائبان للرئيس وكاتب المجلس ورئيسا لجنتين دائمتين، بسبب احتجاجهم ضد “عدم تنفيذ الرئيس للتوصيات الصادرة عن المكتب واللجان”، وللضغط عليه من أجل سحب تفويض الإشراف على المستودع والأشغال البلدية من نائبه السابع. وبالرغم من خضوعه للضغوط وإسناد التفويض المذكور لنائبه الرابع، الذي كان من متزعمي التمرد ضده، فلم يستطع الرئيس إلا بشق الأنفس توفير النصاب القانوني لجلسة أول أمس، التي تأخرت بحوالي ساعة عن موعد انعقادها المحدد في العاشرة والنصف صباحا، واستعان فيها بثلاثة مستشارين من حزبي العدالة والتنمية والأحرار، كما استنجد، في آخر لحظة، بعضو من “البام” حضر بلباس النوم لقاعة الاجتماعات، قبل أن يوقع على لائحة الحضور ويعود توّا إلى مضجعه..