مشهد اجتماعي واقتصادي فاضح بكل المقاييس. أينما وليت وجهك تصفعك فضيحة تنسيك أخرى؛ بدءا من النقابةالتي نزلت، صباح فاتح ماي، إلى هوامش الدارالبيضاء تحشد المراهقين والشيوخ والنساء في الحافلات لسترفراغاتها يوم عيد العمال مقابل 50 درهما للفرد. مرورا بخطاب رئيس الحكومة، الذي كان قريبا من وصف قياداتالنقابات، التي جالسته في الحوار الاجتماعي، بالمرضى النفسانيين، وهو يسميهم «مسامر الميدة»، ويقول إنهاستعان بكتبه القديمة في علم النفس، وليس بالمعطيات السوسيو–اقتصادية وبقانون الشغل، لمحاورتهم. وانتهاءًبالمناظرة الوطنية حول الجبايات، التي انعقدت يومين بعد فاتح ماي، والتي لا يتوقع المتتبعون أن تسفر عن أي نتائجمن شأنها تحديث المنظومة الضريبية المغربية، لأن توصيات المناظرة التي سبقتها في 2013 ذهبت أدراج الرياح. ولأن أغلب المتدخلين في مناظرة ماي 2019 هم المسؤولون عن الوضع السيئ الذي وصل إليه النظام الضريبيالمغربي اليوم. ولأن الكثير من الخبراء المحاسبين متواطئون في عمليات التهرب الضريبي. ولأن الباطرونا الريعية، المستفيدة منالنظام الضريبي القائم، والتي تنمي ثرواتها من المالية العمومية، لن تسمح بنظام ضريبي يعارض مصالحها. لذلك،يمكنكم أن تطلقوا على فاتح ماي لهذه السنة فاضح ماي، وأنتم مرتاحو البال. نقابة وعصابة.. يوم فاتح ماي، في مدينة كلميم، وخلال تجمع لنقابة حزب الاستقلال، أعطي الميكرفون لعضو بهذا الحزب، اسمهسيدي احمد بيروك، ليلقي كلمة بمناسبة فاتح ماي. صعد الرجل بخطى ثابتة إلى المنصة، وبدلا من أن يثني علىصهر حمدي ولد الرشيد، الذي خلف شباط على رأس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، قال إن «المغرب ما فيه نقابات،فيه مرتزقة ما هي نقابات ما عندها والو. شي من العصابات، كل نقابة قبضتها عصابة». هل ما قاله سيدي احمدبيروك صحيح؟ لا أعرف. ما أعرفه هو أن الزعيم السابق لهذه النقابة بدأ عاملا تقنيا بسيطا في معمل للدراجات«سيكليس»، كما كان يصفه سلفه عبد الرزاق أفيلال، وانتهى مليارديرا، ثم خرج ولم يعد. وإذا صحَّ ما نشرته إحدىالجرائد عن أنه أخرج ملياراته الكثيرة لاستثمارها في ألمانيا وتركيا، وأنه يخشى العودة إلى المغرب حتى لا يتعرضللاعتقال، فيمكننا أن نفهم لماذا قال سيدي احمد بيروك: «كل نقابة قبضتها عصابة». عمر ينام مطمئنا.. نقابة الحداثيين، التي تهيمن عليها أحزاب فدرالية اليسار الثلاثة + النهج الديمقراطي، وقف زعيمها الشيخ، عبدالقادر الزاير، وعلى مرأى ومسمع من نبيلة منيب ومصطفى البراهمة، يهين المرأة بشكل مكرر: «حنا مراوات دابا؟»،وعندما لم يتجاوب معه الحاضرون بما يكفي، أضاف: «شفتكم ما صفقتو والو، واقيلا مراوات»، فارتفع التصفيقأكثر، واطمأن الزعيم إلى أن شعبه ليس «مراوات»، ثم واصل. هكذا تحولت النقابة، التي أرادها عمر بنجلونديمقراطية ضد بيروقراطية المحجوب بن الصديق، إلى ملجأ للمتقاعدين الجاثمين على أنفاس طبقة عاملة شابة. وشخصيا، لم أفاجأ كثيرا عندما توجهت، قبل حوالي سنتين، إلى شخص يحمل مكبر الصوت مرددا الشعارالكونفدرالي: «نم مطمئنا يا عمر.. نحن البديل المنتظر»، وسألته: «من يكون عمر هذا الذي تتحدثون عنه؟»، فلميستطع الإجابة. حينها قلت إن عمر بنجلون بالفعل ينام مطمئنا إلى أن البديل النقابي والسياسي الذي استشهد منأجله لا يوجد بين هؤلاء الذين يعلقون صوره في مقراتهم. الحمار والبار عندما أُسس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب في 1960، استقبل الحسن الثاني مؤسس النقابة، هاشم أمين، وقالله: «متكونش حمار ديال حزب الاستقلال»، فانتهى الأمر بهذا النقابي المنسي خارج التاريخ السياسي والنقابيللمغرب. وقد أحيى لله «UGTM» حتى أصبح زعيمها السابق يتزعم مسيرة تمشي فيها الحمير جنب النقابيين،وإن كانت الحمير تشتغل أكثر من كثير من النقابيين المتفرغين لمشاريعهم الخاصة. شيئا فشيئا انسحب النقابيونوانسحبت الحمير أيضا، وأصبحت النقابة تحشد البؤساء من الهوامش، ثم تتملص من تسليمهم تعويضاتهم عن لعبدور الفزاعات النقابية، فما كان منهم إلا أن صوروا فيديوهات قالوا فيها إنهم خرجوا من التظاهرة «لا حمار لا سبعةفرنك». لذلك، فمن يتحسر على الواقع الذي وصلت إليه نقابة حزب الاستقلال اليوم، أحيله على حكاية الذي سقط منفوق ظهر الحمار، لأنه «من الخيمة خرج مايل». لنترك نقابة حزب الاستقلال، ولنأت إلى نقابات الاتحاد الاشتراكي (CDT وFDT وODT). شخصيا،منذ فتحت عيني على السياسة، وأنا أقرأ وأسمع نقاشات حول جدلية السياسي والنقابي. وكنت أفهم منها، بشكلتبسيطي، شيئا واحدا، وهو أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل قوية بالاتحاد الاشتراكي، والاتحاد قوي بها. لذلك،فعندما وصل الاتحاد إلى أرذل العمر والمواقف، لم يكن ممكنا أن يكون الوضع النقابي أفضل مما هو عليه الآن. وقدعشنا ورأينا إدريس لشكر يُفوت نقابة «ODT» بكاتبها العام إلى إلياس العماري، ورأينا نقابيي «FDT» (تيارفاتحي) يوزعون البيانات، لا لكي يتحدثوا عن التراجعات الاجتماعية، بل ليتهموا رفاقهم (رفاق العزوزي) بأنهميعقدون اجتماعاتهم في «البار». أما نقابة الاتحاد المغربي للشغل، ففضائحها أكثر من أن يجمعها م