قبل أكثر من سنتين وصف الملك محمد السادس نفسه، بأنه “أمير المؤمنين لجميع الديانات”، وقبل أيام قليلة عاد ليؤكد مرة أخرى على هذه الصفة الدينية، فهو كملك للمغرب وأمير للمؤمنين، مؤتمن على “ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية”، قائلا: “وأنا بذلك أمير جميع المؤمنين على اختلاف دياناتهم”، مضيفا: “بهذه الصفة لا يمكنني الحديث عن أرض الإسلام وكأنه لا وجود هنا لغير المسلمين، فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية، وأنا المؤتمن على حماية اليهود المغاربة والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى الذين يعيشون في المغرب”. تمدد مفهوم إمارة المؤمنين ليشمل أتباع ديانات أخرى من الإسلام، يُبرز أن المجال الديني المحفوظ للملك كأمير للمؤمنين، يفرض على القائمين على الشأن الديني، إعادة النظر في الهندسة الدينية للمملكة، بعدما أصبح لهم هاجس “تحديات دينية من نوع جديد تستمد خطورتها من خيانة الرسالة الإلهية وتحريفها واستغلالها، وذلك من خلال الانسياق وراء سياسة رفض الآخر”. حسب الرؤية التي يبسطها الملك باعتباره الوصي على المجال المحصن، ف”في عالم يبحث عن مرجعياته وثوابته، فقد حرصت المملكة المغربية على الجهر والتشبث الدائم بروابط الأخوة التي تجمع أبناء إبراهيم عليه السلام كركيزة أساسية للحضارة المغربية الغنية بتعدد وتنوع مكوناتها”، مضيفا أن “التلاحم الذي يجمع المغاربة بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم يشكل نموذجا ساطعا في هذا المجال”. وفقا لهذه السياسة الدينية التي تستهدف بت قيم التعايش السلمي، فإن الملك شدد في آخر خطاب له بمناسبة الزيارة التاريخية لبابا الفاتيكان، أن التلاحم الديني بين المغاربة على مختلف معتقداتهم أصبح “واقعا يوميا في المغرب، وهو ما يتجلى في المساجد والكنائس والبيع التي مافتئت تجاور بعضها البعض في مدن المملكة”. يبدو واضحا أن التحولات التي تجري على السياسة الدينية بالمغرب هذه الأيام، لم تأت بجديد، فهي مازالت تستمد قوتها من إمارة المؤمنين، بنص الدستور الذي نص في فصله 41 على أن “الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية”. محمد شقير، الباحث السياسي، قال إن تعريف إمارة المؤمنين، مرتبط بمفهوم قديم يجعل من أدوارها ثابتة، إذ إن إمارة المؤمنين بالنسبة إليه: “هي مؤسسة قديمة، مرتبطة بالتاريخ القديم للحكم بالمغرب، فيوسف بن تاشفين حين فتح الأندلس عرضت عليه هذه التسمية، ولكنه اختار فقط، إمارة المسلمين”، قبل أن يأتي عهد الموحدين الذين تبنوا هذه التسمية نظرا إلى أنها تضفي شرعية سياسية على الحاكم، يؤكد شقير. من هذا المنطلق، أصبحت الصفة الدينية للملك كأمير للمؤمنين، “مكرسة أكثر مع حكم العلويين بحكم انتمائهم إلى البيت النبوي”، من ثمة، يبرز الباحث المغربي أن إمارة المؤمنين هي من المجالات المحفوظة للملك. من خلال موقعها الإلكتروني، تركز وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقوة على خصوصية الإسلام المغربي، الذي يتميز عن باقي الدول الإسلامية باستناده على ثلاثة مرتكزات: عقيدة ومذهب وطريقة تدّين (تعلي من شأن الروحانية). أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، قال إن: “مشروعية إمارة المؤمنين تقوم على عقد مكتوب منذ قرون يسمى البيعة”، موضحا أن “هناك نظرية متكاملة مستقاة من تقاليدنا ورصيدنا في ممارسة الدين وفهم الدين، وأول هذه العناصر هو اعتبار أن إمارة المؤمنين نظام سياسي ديني، وهو وحده المقبول في الضمير الإسلامي، وهو متحقق عندنا في المغرب”.