إثر البلاغ الذي أصدرته اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال يوم الأربعاء 3 أبريل 2019، وبعد توافق الفريق الاستقلالي بمجلس النواب مع الأغلبية الحكومية على تمرير القانون الإطار، خصنا الأستاذ النقيب امحمد الخليفة، بهذه الوثيقة التاريخية الموثقة بخط يد الزعيم الراحل علال الفاسي، بخزانته بمؤسسة علال القاسى تحت رقم 46 ملف الأبحاث 147. الوثيقة تتضمن نص البلاغ الذي وقعه المغاربة حينها، وكانت، حسب امحمد الخليفة، جهة سوس سبّاقة في التوقيع، فهنأها علال الفاسي بقصيدته المشهورة «من الأعاريب للأمازيغ»، وهي منشورة في جريدة العلم (الأسبوعي) في يناير 1973. أيها الشعب المغربي الكريم: لقد كافحنا جميعا لإنقاذ بلادنا من الاستعمار الأجنبي، وضحينا بكل الوسائل التي كانت في متناول أيدينا لتحقيق هدفنا الأسمى ومثلنا الأعلى أي: استقلال المغرب وتوحيد أراضيه وإمتاع أبنائه بالحريات العامة وحقوق الإنسان. وناضلنا بعد ذلك، في سبيل الديمقراطية الحق وإعلان الدستور وإنجاز أماني الأمة في مقتضيات التعادلية الاقتصادية. وقد أدركنا أن الكفاح اليوم والغد، سيستمر في سبيل هذه المبادئ لإدامة المشروعية التي هي تنفيذ مواد الدستور والحفاظ عليها وتحقيق قواعد العدل الاجتماعي وتطبيق أحكامها. ولقد لقينا صعوبات جمة، كان أعظمها مختلف رواسب الاستعمار الاقتصادي والفكري واللغوي، وما أصيب به وطننا من عدم إخلاص حكامه والقائمين على أمره، فهم يعلنون الدستور ولا يطبقون أوامره ونواهيه، ويشرعون القوانين الناجعة أحيانا، ليبقوها معطلة تدرس في الأوراق ولا تنقل إلى ميدان الحياة العامة، ليستفيد منها الذين شرعت من أجلهم. نعم، أيها الشعب المغربي الكريم، لقد ناضلت حتى حصلت على دستور مهما يكن فيه من نقص، فهو كان كفيلا بأن يحقق لك شيئا عزيزا عليك، ألا وهو ضمان تعريب بلادك، إدارة وتعليما، وفي كل مرافق الحياة. فقد نص القانون الأساسي للمملكة، الذي صدر سنة 1961، على أن العربية وحدها لغة البلاد الرسمية، وأكد ذلك الدستور الأول والثاني والثالث، علاوة على التصريحات الرسمية قبل الاستقلال وبعده، ودون أن نرجع إلى ما كان يجب أن يعتبر هو الواجب الطبيعي الذي لا بد منه. واليوم، ها نحن أولا نرى أمتنا تعاني من الفرنسية أشد أنواع الظلم والإرهاب. فقد ظلت المدرسة المغربية بعيدة عن أن تحل محل المدرسة الأجنبية في برامجها ومناهجها وإنسيتها وتربية أبنائها. وأصبح أبناؤنا يظلون طيلة أمد دراستهم بها بعداء عن معرفة تاريخ أمتنا وأصالة حضارتنا وقواعد دينها، وإن كانوا والحمد لله قد انتبهوا بأنفسهم إلى سوء الحالة فأخذوا يستنكرونها، بل أصبحوا لا يقدرون عمليا على مواصلة الصبر على أن يكونوا موضوع تطبيق السياسة التعليمية المتبعة، لأنهم بفطرتهم علموا أنها موروثة من الأجنبي، يراد بها تكييفهم عليها وجعلهم على صورة أصحابها. وتئن الجامعة المغربية بكلياتها تحت أثقال اللوازم الناشئة عن فرض الفرنسية لغة تعليم وإدارة. فمغربتها لم تتم، وبرامجها لم تتحول، وأنظمتها ومعادلاتها لا بد أن تكون طبقا للأسلوب الفرنسي والفكر الفرنسي. أما فكرنا الإسلامي وحضارتنا وشريعتنا وثقافتنا وتاريخنا، وحتى جغرافية بلادنا، فليس لها إلا أقل نصيب ممكن، لعيون أجنبية في جامعة وطنية في بلدان متحضرة. والأدهى من هذا من العمل المتواصل على محو ثقافتنا وتراثنا الإسلامي، ولا سيما ما تفتخر به من مجد جامعة القرويين التي كاد أن يُقضى عليها بعدما شذبت روافدها وأصبحت في كثير من الأقاليم أثرا بعد عين. وقد نتج عن هذا كله أن تفرنست أجهزة الحكومة وفروعها والمرافق العامة بأسرها. فالإدارة المغربية من أعلى درجات سلمها إلى أسفله، لا تكاد تستعمل في مخاطباتها وشؤونها غير اللغة الفرنسية، حتى الأوراق المزدوجة الطبع لا تملأ منها إلا خانات اللغة الأجنبية. وكل من تخرج بغير الفرنسية إما بالعربية أو بغيرها من اللغات لا يكاد يجد مجالا للوظيفة العمومية، التي ينص عليها الدستور، على أن المواطنين متساوين فيها طبقا لقوانينها. وأصبحت الحياة العامة تبعا لذلك، لا تكاد هي الأخرى تستعمل فيها غير الفرنسية : مسك الدفاتر في الشركات الرسمية والأهلية وغيرها فرنسية. والمراسلات الخاصة والعامة بالفرنسية. وحسابات الأطباء والصيادلة والمهندسين والخبراء وأعمالهم ومخاطباتهم، كلها بغير العربية. وجوازات السفر والتعارف الشخصية والأذون الإدارية المختلفة وبطاقات الأطباء، كلها فرنسية أو مزدوجة. ولقد استفحل الأمر حتى أصبحت الاستدعاءات الإدارية وغيرها توجه بالفرنسية أو باللغتين، حتى يشمل ذلك استدعاءات الأعراس المغربية الخاصة وأحاديث القاعات والمحافل العمومية والخصوصية بالفرنسية المخلوطة أحيانا ببعض الكلمات “الزنقاوية”، إلى غير ذلك مما ترونه بأنفسكم وتعلمون من خبره الكثير. لقد عيل صبر الأمة وطال انتظارها، فأخذت تطالب وتطالب، وها هي ذي المبادرات الجديدة من إخواننا الأمازيغ من جنوب المغرب وشماله وشرقه وغربه، عرائض كلها تطالب الوزير الأول بأن يستصدر الأوامر الملكية بتطبيق الدستور وبنود القوانين العامة، حتى تتعرّب الإدارة المغربية والحياة العامة كلها في بلادنا. ذلك صوت الشعب سيجد صداه في الأمة كلها، وعسى أن نجده، أيضا، في المراجع العليا، فتنتهي مشكلة تعريب الإدارة بعد أن انتهت مشكلة تعريب القضاء. ويعود ذلك بالبركة على الجامعة والمدرسة، فنعود إلى لغة الوطن درسا وممارس. وهذا صوت حزب الاستقلال يناديكم اليوم، استجيبوا لدعوة إخوانكم واستعدوا معه للمطالبة والنضال السلمي في سبيل تحقيق كياننا اللغوي، الذي هو المظهر الأسمى لكياننا الوطني. إن حزب الاستقلال قادة وأعضاء وأنصار لمستعدون ليكونوا طليعة الكفاح حتى تصبح مبادرة إخواننا محل تنفيذ وإنجاز، لأنها صوت الحق، والحق لا بد أن يثبت مادام وراءه طالب مستعد للتضحية. وإن كلمة الأمر اليوم، طبقا لإرادة الشعب ولما قرر حزب الاستقلال هي: لغتنا العربية لا نرضى بها بديلا في الإدارة، وفي المدرسة وفي الحياة العامة. ومعنى هذا أيها الشعب الكريم، أننا سنجعل في مقدمة نضالنا هذه السنة محو كل لغة أجنبية من إدارتنا ومن حياتنا العامة، وجعل العربية وحدها في هذين المرفقين، وتعريب التعليم بجميع مراحله حتى لا يبقى للغات الأجنبية إلا ما هو معتاد في مدارس وجامعات الدنيا. ومنذ الآن أيها الشعب المغربي يجب أن نتعاهد أن لا نتكلم في منازلنا، ولا سيما بيننا حيثما كنا باللغة الأجنبية عن اللغة التي تعلمناها من أمهاتنا ورضعناها في لبانها. لغتنا الوطنية والدينية الصحيحة. ويجب ألا نراسل بعضنا داخلا أو خارجا باللغة الأجنبية، بل بلغة الضاد. وأن لا نقبل أية مراسلة من الحكومة أو من الأفراد كيفما كانت إلا بالعربية، لأنه لا حق للحكومة في أن تخاطبنا بغير لغة الدستور، لغة القرآن والوطن. يجب ألا نوقع أي عقدة أو رسالة أو محضر شرطة أو درك إلا إذا كان مكتوبا بالعربية، ولا نقبل أوراق المطالبات كيفما كانت إلا بالعربية، وإذا اضطررنا لقبوله يجب أن نحتج فورا عليها بالعربية. وأنتم يا أصحاب الأعمال المغاربة عرّبوا أنفسكم دفاتركم وحساباتكم ومراسلاتكم مع إخوانكم، وإذا اضطررتم لمراسلة الأجانب فأرسلوا الكتاب بالعربية مع ترجمة بالفرنسية. لا تقبلوا القوائم الخاصة أو العامة أو أي شيء من المغاربة إذا لم يكن مكتوبا بغير العربية، ولا بأس من قبوله من مصدر غير عربي. طالبوا الإدارة أن تبعث لكم طلبات الضرائب والإدارات الجمركية والكهرباء والماء والهاتف والحوالات البنكية بالعربية، ومادامت لم تفعل فأدوا الواجب مع إرفاقه برسالة احتجاج بالعربية في كل مرة. طالبوا بإزالة الكتابات غير العربية من الطرقات والإدارات والمعاهد والمدارس وكل محل لا تعتاد البلدان الأجنبية استعمال غير لغتها فيها.
أيها الشعب المغربي الكريم هذا صوت حزب الاستقلال يناديكم لتعملوا على تأييد مبادرة إخوانكم في سبيل تحقيق الاستقلال اللغوي، طالبوا الحكومة بالتي هي أحسن، وخاطبوها باسم الدستور لتقوم بالواجب في أقرب وقت. إنه لم تعد لنا لذة في الحياة لا في العيش الخاص أو العام، مادامت لغتنا مهانة إلى الدرجة التي هي فيها الآن. إننا مازلنا مستعبدين وسنبقى، كذلك، ما لم تُعرب إدارتنا وحياتنا العامة. هذا صوت الشعب يناديكم: “أيها العمال، أيها الصناع، أيها التجار أيها الفلاحون أيتها النخبة المثقفة، أيها الطلبة، أيتها الأحزاب الوطنية والمنظمات النقابية، إننا جميعا أمام مسؤولية تاريخية لا قبل لنا بتحمل عواقبها أمام لله وأمام الأجيال المقبلة، فلتتقدموا جميعا إلى الأمام، إلى النضال والمطالبة والإلحاح وإعطاء القدوة”. إن نضالنا اليوم، متفق مع الدستور ومع قوانين البلاد، فليس موجها ضد أحد، وليس لأحد حق في أن يستنكر علينا أداء واجب التذكير والاستعجال للتنفيذ. فلنستجب دعوة الشعب وليكن شعارنا هذه السنة : “لغتنا العربية في الإدارة والمدرسة والحياة العامة، لترتفع لغتنا إلى مقامها الواجب لها”. 3 يناير 1973 علال الفاسي، رئيس حزب الاستقلال