رشيد لزرق، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري ما هي دواعي تعديل الدستور؟ بعد ثماني سنوات من المصادقة على دستور 2011، فإن تقييمه بات ضروريا، خاصة أن سياق اعتماده، كان استثنائيا مرتبطا بالحراك الإقليمي والدولي. إذ بدا واضحا أن بنود الدستور سعت إلى التوفيق بين مختلف التيارات. إذ وضعت المبادئ الأساسية وتركت التنزيل للتفاعلات السياسية، وهذا ما يفسر كثرة الإحالات على القوانين التنظيمية، التي يمكن الجزم بكونها لم تخضع إلى فلسفة الدستور، واتجهت الممارسة الحكومية إلى تبني ما يمكن تسميته بالتأويل الأبوي للدستور، في سعي منها إلى تحقيق الثقة على حساب التأويل الديمقراطي للدستور، ومن يقول العكس، فهو جاهل بالسياق وماهية القانون الدستوري. لقد أصبحنا نعيش أزمة حكومية، قوامها التنصل من المسؤولية السياسية، إذ نرى كيف تتقاذفها الأغلبية الحكومية فيما بينها، وهو الأمر الذي يؤثر سلبا على الثقة في الحكومة، والفعالية في مباشرة مهامها، ومن شأن هذا التنابز الدائم أن يعيد طرح السؤال حول السبل الكفيلة لتقييم التجربة الدستورية. وهل نحن أمام أزمة نصوص يجري تنزيلها بعيدا عن الاحترام المفروض للخيار الديمقراطي، الذي وجبت صيانته دستوريا؟ إن التعاقد الدستوري الذي ترك بياضات في دستور 2011، يحتم إجراء تعديلات دستورية ضرورية، من شأنها أن توضح هذه الفراغات بعد تقييم التجربة السياسية. إلى أن هذا الطرح يصطدم بدعوة أخرى ترى أن التصدي للاختلال الحكومي، يتطلب بالضرورة إصلاحا سياسيا مدخله مراجعة نمط الانتخاب المعتمد القائم على التمثيل النسبي، الذي أفرزه ميلاد تكتلات حزبية بدون أساس إيديولوجي ولا برنامج تدبيري، ما يجعل الحكومة مهددة في كل لحظة بالانفجار من الداخل بسبب المزايدة والصراع المحتدم. ومن شأن استمرار هذا الوضع أن يطرح أكثر من إشكال بسبب حدة تأثير الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة. هل الدواعي السياسية التي تتحدث عنها تفرض إجراء تعديل دستوري؟ وهل تتفق مع من يطالب بتغيير نمط الاقتراع في الانتخابات التشريعية المقبلة؟ إنها في اعتقادي دعوات ترى في حتمية تغيير نظام الاقتراع أمرا دستوريا ملحا، على اعتبار أن نقطة ضعف الدستور 2011 لم تكن واضحة حين تمت المصادقة عليه، وهو الأمر الذي أدى إلى بروز دعوات إلى تغيير الفصل 47 من الدستور، والذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات، وهو أمر أفرز للأسف حكومة هجينة بتحالفات جد معقّدة، تسببت في بروز أزمات سياسية مكلفة جدا. وهو الأمر الذي أضعف مؤسسة رئاسة الحكومة وتسبب في ضبابية أفقدت الممارسة السياسية قوتها وروحها الديمقراطية. ألا تعتقد أن هذه الأزمة الحكومية لا تستدعي تعديلا دستوريا، بقدر ما تحتاج إلى تنزيل إصلاح ديمقراطي يرفع من شأن الممارسة السياسية؟ أعتقد بأن المشرع بات مدعوا قبل أي وقت مضى إلى تقليص عدد مقاعد مجلس نواب النواب في الاستحقاقات المقبلة. في اتجاه أن يتماشى ويتلاءم مع الجهوية المتقدمة ولا يتعدى 300 مقعد. والعمل، أيضا، على تغيير طريقة الاقتراع من خلال إقرار طريقة الاقتراع الأغلبي الفردي في دورتين، هذه الطريقة ستبسط المشهد السياسي، وتسمح لحزب ما أن يفوز بالأغلبية المطلقة والقضاء على تكاثر الأحزاب وتعددها، وحسن التصرف في المال العام. فضرورة تعديل النظام الانتخابي يفرض إدخال تعديلات على دستور 2011. وبالتالي، فالتجربة السياسية مدعوة اليوم، إلى التفكير في تعديل دستوري، بغية إغناء التراكم المحقق في الممارسة الدستورية من أجل تحسينها وتجويدها، إذ إن تحقيق منجزات نوعية لها أثر كبير في واقع المغاربة، ودعم مجال الإصلاح السياسي كحقل خصب لتكريس التطلع الوطني الجماعي إلى صياغة تجربة ديمقراطية تعددية تستمد هويتها ومفرداتها من الواقع الاقتصادي والاجتماعي، ومطامح نخبها المسيَّسة والمبدعة في تفاعل متواصل مع مكاسب الديمقراطية المحققة في عصر العولمة التي قرّبت المسافات وجعلت من الحدود الجغرافية التقليدية غير ذات معنى. ارتباطا بما سبق، هل الحاجة ملحة من أجل تعديل الفصل 47 ؟ وهل بات يشكل عرقلة في الممارسة السياسية؟ لقد طرح مضمون هذا الفصل بحدة خلال مرحلة “البلوكاج” السياسي الذي تسبب في فشل مفاوضات تكوين الحكومة، لأن المشرع الدستوري لم يتحدث على السيناريوهات المحتملة سياسيا، في حالة عجز رئيس المكلف من طرف الملك، في الحصول على الأغلبية التي تمنحه ثقة مجلس النواب وتمكنه من التنصيب البرلماني، وهو الأمر الذي أدى إلى تضارب في الاجتهادات، ناهيك عن كون الدستور لم يحدد لرئيس الحكومة المعين الفترة الزمنية القصوى التي ينبغي أن يستغرقها لتشكيل حكومته في حال عجز عن تكوين الأغلبية. ثم ما هي الإمكانية الدستورية المتاحة للمرور للحزب الثاني أو الثالث. إن كل هذا، يدخل في إطار التوضيحات التي يفترض صياغتها، تجنبا لهدر الزمن الدستوري. هل هناك من مبررات سياسية ودوافع دستورية تفرض توضيح هذا الأمر؟ نعم، هناك مبررات تفترض توضيح البياضات، التي من شأنها جعل الوثيقة الدستورية قادرة على تدبير الأزمات السياسية، وتوضيح كنه فصول الدستور، من أجل منح الاستقرار المؤسساتي للدولة وضمان استمراريته. أعتقد أن النقاش حول الفصل47 من الدستور هو نقاش إيجابي يكرس المكاسب ويقوي الاختيار الديمقراطي، كما من شأنه المساهمة في إفراز حكومة قوية ومتفاعلة ومتضامنة ومتحملة لمسؤوليتها السياسية. هل تتوقع تعديلا مرتقبا للدستور؟ في جميع الأحوال، النقاش الجاري يمكن اعتباره إيجابيا، إذ يمكن أن يشكل تعديلا دستوريا على الأمد المتوسط بعد استحقاقات 2021، إجراءً يفرض نفسه لتقييم التجربة الديمقراطية، وضمان تجددها ومواجهة الاختلال والفراغات الدستورية.