الأزمة الصامتة بين السلطات المغربية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بزعامة الحقوقية اليسارية والرئيسة السابقة لدولة التشيلي، ميشيل باشليت، تخرج إلى العلن. إذ بعد شهر من مطالبة الفريق الأممي المعني بالاعتقال التعسفي التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بالإفراج في الحين عن الصحافي توفيق بوعشرين، مؤسس صحيفة “أخبار اليوم”، باعتبار أنه معتقل تحكميا، ورد المغرب عليه بطريقة غير مباشرة عبر “مصدر قضائي ومستشار قانوني مجهولان الهوية والصفة”؛ كشف، دييغو غارسيا سايان، المقرر الخاص في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المعني باستقلال القضاة والمحامين، إلغاء الزيارة التي كان من المبرمج القيام بها إلى المغرب ما بين 20 و26 من الشهر الجاري بسبب “عدم وجود ضمانات” من الحكومة المغربية. موقف المقرر الأممي هذا يزيد الصورة الحقوقية للمملكة قتامة في السنوات الأخيرة، بحيث يأتي بعد أيام من القرار غير الملزم للفريق الأممي المعني بالاعتقال التعسفي، وتقرير منظمة العفو الدولية المطالب بالإفراج عن الصحافي بوعشرين وباقي معتقلي الرأي، وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية الذي أشار إلى محاكمة الصحافيين في المغرب. في سابقة، لم يكتف دييغو غارسيا سايان، المحامي والسياسي ووزير الخارجية البيرو سابقا، بالإعلان الرسمي في موقع الأممالمتحدة عن إلغاء الزيارة إلى المغرب، بل تعداها إلى كتابة تغريدة في حسابه على “تويتر” يقصف فيها المغرب بالقول: “اضطررت إلى إلغاء مهمة عمل حول استقلالية القضاء التي كان من المفروض أن تبدأ اليوم، في المغرب”، وعلّل ذلك قائلا: “عندما لا توفر الدولة التسهيلات الكافية، يكون من غير المجدي القيام بتلك المهمة”. مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، أوضح في اتصال مع “أخبار اليوم”، أن الطريقة التي عرض بها المقرر الأممي الموضوع لم تكن دقيقة، مبرزا أنه “حصل سوء تفاهم فقط، إذ لم يكن محددا إلغاء الزيارة”. وتابع الرميد أن المغرب منفتح على كل الهيئات الدولية الخاصة ولم يضع أي عراقيل أمام المقرر، بل أكثر من ذلك قدم كل الضمانات. وأضاف أن المغرب وافق على كل المدن والأماكن التي طلب المقرر الأممي زيارتها، كما وافق على جميع اللقاءات. من جهته، علق النقيب والأمين العام لاتحاد المحامين العرب سابقا، عبداللطيف بوعشرين، في اتصال مع “أخبار اليوم”، على إلغاء المقرر الأممي زيارته إلى المغرب بالقول: “الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية واجب، لكن يجب أن تحترم السيادة المغربية في كل الحالات، وكيفما كانت الظروف”. أما البيان الذي أصدرته الأممالمتحدة، فقد أشار إلى أن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني باستقلال القضاة والمحامين ألغى زيارته إلى المغرب، نظرا إلى غياب الشروط اللازمة لزيارة لم يتم الوفاء بها من قبل المغرب. وأوضح أن “الحكومة المغربية لم تستطع ضمان برنامج عمل يتماشى مع احتياجات البعثة، ومع طرائق الزيارات القطرية للإجراءات الخاصة”. وكان من المرتقب أن يزور المقرر الأممي المغرب من أجل الوقوف عن كثب على مدى تأثير الإجراءات الأخيرة التي تبناها المغرب لضمان استقلالية السلطة القضائية وحياديتها، لاسميا بعد استقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل وتأسيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية. وحمل المقرر الأممي المغرب مسؤولية إلغاء الزيارة قائلا: “إنه لمن المؤسف ألا تأخذ الحكومة المغربية بعين الاعتبار الالتزام بالاقتراحات الخاصة بأماكن الزيارة وبرنامج عمل البعثة، باعتبارهما شرطان مسبقان وأساسيان لتمكين المقرر من إجراء تحقيقاته بكل حرية”. وأضاف أن المقرر يجب أن يكون “قادرا على تحديد بكل حرية أولوياته، بما في ذلك أماكن الزيارة”، نظرا لأن شروط زيارات المقررين الخاصين، تُلتزم الحكومات بضمان وتيسير حرية الأعضاء في التنقل وحرية التحقيق. غير أن بيان الهيئة الأممية ترك مسألة التواصل مع الحكومة المغربية قائما، وذلك بالتأكيد على أن المقرر الخاص كان على اتصال دائم بالحكومة المغربية، وأنه على استعداد لمواصلة المباحثات من أجل المساهمة في الجهود الرامية إلى ضمان استقلال ونزاهة القضاء والممارسة المستقلة للمهنة القانونية. المقرر يعتبر المقرر الأممي دييغو غارسيا ساسيان، واحدا من الحقوقيين المقربين من ميشيل باشيليت، رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان، نظرا إلى العلاقة المتشعبة مع المدافعين عن حقوق الإنسان في مختلف مناطق العالم، لاسيما في أمريكا الجنوبية والوسطى والشمالية وأوروبا، إذ كان يشغل منصب قاض في المحكمة الأيبيرأمريكية لحقوق الإنسان خلال ولايتين متتاليتين قبل أن يُختار نائبا لرئيسها سنتي 2008-2009، ورئيسا لها ما بين 2009-2013. وشغل، أيضا، ما بين 2000-2001 منصب وزير العدل وما بين 2001-2002 منصب وزير خارجية البيرو. ويدخل المقررون الأمميون في إطار الخبراء المستقلين، وهم جزء مما يعرف باسم “الإجراءات الخاصة” لمجلس حقوق الإنسان. يمثلون أكبر مجموعة من الخبراء المستقلين في نظام حقوق الإنسان بالأممالمتحدة. أما “الإجراءات الخاصة”، فهي عبارة تنطبق بشكل عام على آليات التحقيق والإشراف المستقلة في المجلس التي تعالج حالات محددة. كما أن خبراء الإجراءات الخاصة يعملون طواعية؛ علما أنهم ليسوا جزءًا من موظفي الأممالمتحدة ولا يحصلون على راتب مقابل عملهم. إنهم مستقلون عن الحكومات والمنظمات ويؤدون وظائفهم بشكل مستقل. صدى دولي إلغاء زيارة المقرر الأممي تفاعلت معه وسائل الإعلام الدولية، إذ أوردت وكالة الأنباء الفرنسية قائلة: “أعلن مقرر خاص في الأممالمتحدة معني باستقلال القضاة والمحامين أول أمس الثلاثاء “عن عدم التمكن من زيارة المغرب” هذا الأسبوع “لعدم وجود ضمانات” من حكومة الرباط. بدورها، ذكرت وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي” أن الحكومة المغربية كانت دوما ودائما تفتخر بأن المقررين الأمميين يزورون المملكة بانتظام، كما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة؛ لهذا، فإن “إلغاء زيارة غارسيا سايان شيء غير مسبوق”، كما أنه لم يكن من المتوقع أن تنشر الأممالمتحدة للعلن أسباب الاختلاف في مثل هكذا حالة. وأردفت الوكالة: “إلى حدود الساعة لم تتحدث الحكومة المغربية عن إلغاء زيارة المقرر الأممي”.