لم يعد أمام عبدالإله بنكيران ما يفعله غير فتح فمه أمام كاميرا سائقه، متعدد المهام والوظائف، ومنها مهمة المصور الخاص لرئيس الحكومة السابق. بنكيران اليوم، امتهن مهنة “مي لالة” التي تفتح فمها لتخوض في كل شيء دون أن تغادر صالون منزلها، حيث يتحلق حولها مجموعة من نساء الجيران والأقارب. الدور نفسه تقريبا يقوم به اليوم بنكيران، لكن عبر “اللايف” ليدخل ال”حتيت” إلى الفضاء الأزرق ويتحلق حوله مجموعة من الناس كل من مكانه، من البيت، المقهى، البار.. للاستماع إلى هلوسات رجل يقبل التقاعد المالي ويرفض التقاعد السياسي. مشكلة بنكيران، اليوم، لم تعد تخفى عن أي مبتدئ في حقل السياسة، فالرجل يحاول العودة، من رماد “نار التقاعد” التي احترق بها، عبر “لايفات” سائقه، لذلك لا يفوت أي فرصة لكي يطل علينا من صالونه الشهير، متحدثا في كل شيء، غايته أن يعود سالما غانما إلى إخوته الذين رموه في بئر التدبير الحكومي، وهم يهرولون نحو انتخابات 2021. أولى استراتيجيات بنكيران التي عبّر عنها في “لايف” أول أمس الأحد، وفي “لايفات” فيسبوكية سابقة، والتي أصبحت للأسف تملأ ورق الجرائد وصفحات المواقع عوض الأنشطة الحزبية والندوات، وتغطي على الأجناس الصحفية الكبرى، هو “الحكير السياسي” لقد أصبح الرجل “يحكر” على قيادات اليوم، التي رسم لها أن تظهر بجلاء وقوة في الحقل السياسي، مثل عزيز أخنوش، الذي أجابه “يلا الملك كيدير كلشي أنت لاش تصلاح؟” هذه العبارة التي لم يخجل بنكيران من أن يتفوه بها على “اللايف” تفرض عليه بدوره الاستماع إلى سؤال: “وأنت رئيس حكومة لاش كنتي كتصلاح؟ أنت الذي لم تفوت تصريحا أو حوارا دون أن تذكر فيه بأن الملك هو الذي كان يقوم بكل شيء، وأنت، كرئيس حكومة، مجرد مساعد له؟”. ثاني المواضيع التي لا يكف بنكيران عن الحديث فيها، هذه الأيام، هو موضوع “تدريس اللغات ولغة التدريس”، تحدث فيها منبها إلى أنه لا اتفاق حول تدريس المواد العلمية بلغة أخرى غير اللغة العربية، وأيضا أن لا أحد ضد تدريس اللغات الأجنبية. لقد أصبح بنكيران يكرر هذا الموضوع في كل خرجة له، وهو أمر له معنى واحد، وهو أن سي بنكيران “المتقاعد” مازال يعوّل بشكل كبير الخط الشعبوي، لعله يعيده إلى معترك السياسة، فتحذيره المتكرر إلى المغاربة حول موضوع حساس، ليس له أي معنى آخر غير أن بنكيران ينظر إلى أعطاب التعليم العمومي في المغرب كورقة سياسية يمكن تحريكها في أفق 2021.
ربما لا يعرف بنكيران، أيضا، أنه فقد في الفضاء العام مصداقية انتقاد السلوك “الكارثي” لمجموعة من الفاعلين السياسيين، وفي مقدمتهم أخنوش (اللي ما فيدوش) والذي أريد له أن يتزعم الأحزاب الإدارية التي تتماهى مع مشاريع جهات في الدولة، في مسعاها إلى التحكم في الحقلين السياسي والاقتصادي. لقد أصبح المتابع العادي لا يفرق بنكيران عن باقي السياسيين الذين ترسخت لدى المغاربة صورة ذهنية عنهم باعتبارهم كائنات تدخل السياسة لتحقيق مصالح شخصية، وهذا واضح ويمكن الوقوف عليه من خلال التعليقات التي تتقاطر على صفحة بنكيران في الفايسبوك. إن رئيس الحكومة السابق، الذي تحول في لحظة ما بفضل خطابه السياسي الشعبوي إلى أيقونة سياسية في نظر البسطاء، وأيضا بعض المتتبعين المبدئيين، دخل بدوره إلى الصف مع باقي إخوته السياسيين، بعدما قبل التمتع ب”ريع سياسي” عبارة عن تقاعد استثنائي.