يعد تكليف الملك محمد السادس للأمين العام لحزب الاستقلال المعارض، نزار بركة، تسليم رسالة خطية إلى الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبدالعزيز، أول أمس، سابقة في عهد الملك، وتعبّر، بحسب محللين، عن تأكيد مغربي تحسين العلاقات بين البلدين في إطار حسن الجوار بينهما، وطي التوتر الذي حدث على خلفية تصريحات الأمين العام السابق للحزب نفسه، حميد شباط، علاوة على سياق الخطوة الذي يتميز بالشروع في التحضير للمائدة المستديرة الثانية حول الصحراء. تكليف الملك أمين عام حزب معارض بمهمة توصيل رسالة ملكية إلى الرئيس الموريتاني يُعد سابقة، إذ جرت العادة أن يكلف الملك رئيس الحكومة أو وزراء أو رئيسي مجلسي البرلمان بمهمات من هذا القبيل، لكن لأول مرة جرى تكليف رسمي لرئيس حزب في المعارضة. غير أنه بالرجوع إلى التاريخ، فقد كان الملك الراحل الحسن الثاني يُكلف باستمرار قادة أحزاب المعارضة، حينئذ، بمهمات من هذا القبيل، أي الاتصال برؤساء دول وحكومات، وتسليم رسائل لهم، خصوصا تلك التي تتعلق بالوحدة الترابية للمغرب. ومن أبرز هؤلاء: علال الفاسي (الاستقلال)، وعلي يعتة (التقدم والاشتراكية)، وعبدالرحيم بوعبيد (الاتحاد الاشتراكي) وآخرون. وسافر نزار بركة إلى موريتانيا على رأس وفد استقلالي نهاية الأسبوع بدعوة من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا لحضور مؤتمره الثاني نهاية الأسبوع المنصرم. وبحسب مصادر مطلعة، فإن نزار بركة حين سافر إلى موريتانيا لم يكن في برنامجه ما يفيد تسليم رسالة ملكية، وكان مقررا وفق برنامج الوفد الحزبي الذي ترأسه أن يعود إلى المغرب أول أمس الاثنين، ما يعني أن قرار تكليفه بالمهمة الملكية جاء لاحقا على يوم سفره إلى موريتانيا، أي خلال وجوده هناك. الخطوة لها أبعاد متعددة؛ وبحسب قيادي استقلالي تعد دعوة حزب الاستقلال إلى حضور المؤتمر الثاني لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية معناه أنه “تجاوز التداعيات التي خلّفها تصريح الأمين العام السابق للحزب، والتي كانت عارضة، وفي إطار حديث عن التاريخ”. وكان حميد شباط قد تحدث في لقاء حزبي سنة 2016 عن مرحلة تاريخية، حيث كانت موريتانيا جزءا من المغرب، وهو التصريح الذي اقتطع من سياقه، ووظف ضد شباط لإبعاد حزب الاستقلال من تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 2016. لكنها تصريحات أثارت غضب القيادة الحزبية في موريتانيا، التي احتجت بدورها على الموضوع. وتنطوي خطوة تكليف نزار بركة بمهمة ملكية على رساليتن، بحسب عبدالمجيد بلغزال، حقوقي ومحلل سياسي. الرسالة الأولى، تتمثل في تأكيد الملك محمد السادس مرة أخرى أن تصريحات حميد شباط كانت خارج السياق، والدليل أن الذي حمل الرسالة الملكية هو الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال، وحفيد علال الفاسي، المتهم لدى جزء من الموريتانيين بأنه حزب توسعي. الرسالة الثانية هي تأكيد من الملك على الوحدة الترابية لموريتانيا، وأن أي تصريح مخالف لهذه القناعة، لا معنى له. وكان الملك محمد السادس قد أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز في دجنبر 2016، عقب تصريحات حميد شباط، أكد فيها حرص المغرب على “حسن الجوار والتضامن بين البلدين”، وعلى الإقرار النهائي للمغرب ب”الوحدة الترابية للجمهورية الإسلامية الموريتانية وفقا لمقتضيات القانون الدولي”. وهي المكالمة التي جاءت حينها في سياق يتسم بجمود العلاقات بين البلدين. واعتبر بلغزال أن المبادرة الملكية تنطوي على رسالة ثالثة موجهة إلى موريتانيا وإلى الجزائر، حيث إن جهات داخل موريتانيا كانت تستغل مثل تصريحات شباط لدفع العلاقات بين البلدين نحو التوتر، والاقتراب في الوقت نفسه من الجزائر، هذه الأخيرة التي تُسوّق لدى الموريتانيين فكرة تزعم من خلالها أن أي تقدم في تسوية نزاع الصحراء، سيدفع المغرب للطمع مجددا في التراب الموريتاني، وهي ادعاءات مغرِضة ضد المغرب وجاره الجنوبي. يأتي كل ذلك في سياق الإعداد للمائدة المستديرة الثانية حول الصحراء، حيث بدأت هذا الأسبوع مشاورات أولية بين المبعوث الأممي هورست كوهلر وبين المغرب في فرنسا، وكذا بين المبعوث الأممي وجبهة البوليساريو في ألمانيا. ويعوّل المغرب على موريتانيا للعب دور إيجابي من أجل تحقيق تقدم نحو طي هذا النزاع المفتعل الذي عمّر طويلا.