كانت الساعة تُشير إلى الخامسة مساءًا من يوم الثلاثاء فبراير العام الجاري، لم يتردد “محمد” وهو رئيس جمعية “مستقبل الأرز والآروي” بالجماعة القروية تونفيت وسط غربي البلاد، في امتطاط سيارته وتوجه إلى الغابة بمنطقة “إفرض” بعدما تناقلت إلى مسامعه، أنباء عن وجود أشخاص مجهولين يهمون بقطف أشجار الأرز بغية سرقها وبيعها في السوق السوداء، فور وصول “محمد” مصطحبًا معه إبنه الصغير، هم بتصوير النازلة لتوثيقها ضمن الخروقات التي ترصدها جمعيته البيئية، تفاجأ بالهجوم عليه من طرف أشخاص مجهولين قال إنهم “عصابة ملثمة مدججة بالهراوات والمقالع الصوفية والحجارة”. عطاوي يقول إنه رصد أحد أفراد “شبكة تهريب الأشجار” أثناء رميه بالحجارة بعد الهجوم عليه يحكي “محمد” ل”اليوم24″ تفاصيل ذلك المساء “الأسود” بعدما نجا من الموت المحقق كما يقول، ” كان إبني يُرافقني وهربت بعدما بدأت الحجارة تتطاير فوق رؤوسنا وتهشم زجاج السيارة الأمامي، غير أن “العصابة” طاردتني مكونة من تسعة أشخاص..هرعت بسيارتي والحجارة تتطاير، وكدت اسقط من أحد المنحدرات الصخرية رفقة إبني لولا الألطاف”. الفاعل المدني والبيئي يتهم “مافيات تهريب الأشجار” بمحاولة قتله وتهشيم زجاج سيارته أثناء تصويرهم ووفقًا للمتحدث المذكور، أصبحت “شبكات تهريب الأشجار” أكثر صلابة وقوة من ذي قبل في منطقة “تونفيت” التي تقع ضواحي مدينة “ميدلت” مكان تواجد غابة تمتد على مساحة 49 ألفا هكتارًا من غابات الأرز والبلوط والأصناف الأخرى، والسبب يعود لما أسماه ب” حاميها حرميها” في إشارة إلى تواطأ بعض الجهات المسؤولة والنافذة مع هذه “المافيات”. النهب يمتد على 49 هكتارًا.. وبالعودة للمشكل، أصبحت غابات “تونفيت” محط أطماع العديد من شبكات تهريب الأشجار، وأفادت المندوبية السامية للمياه والغابات في المنطقة، أنها ضبطت العام الماضي أزيد من 300 مخالفة وحجزت العشرات من السيارات المستعملة في تهريب الأشجار، غير أنه بالنسبة للفاعل البيئي والحقوقي “محمد العطاوي” الذي قال ل”اليوم 24″ إن ذلك غير كافي، مشيرا إلى أن هناك تقصيرًا في حماية الغابات المذكورة والتي تتوفر على أشجار يفوق عمر بعضها ال100 سنة. بعض من الأشجار المسروقة “اليوم24 “حاول أخذ رأي المندوبية السامية للمياه والغابات في شتى الأتهامات التي توجه لها في المنطقة، بالتقصير والتواطؤ، غير أن المسؤولين عن القطاع المذكور في المنطقة، لم يردوا بعدها، على اتصالات الجريدة المتكررة. وأشار “عطاوي” الفاعل بالمنطقة ل”اليوم24″ لقد أديت ثمن دفاعي عن البيئة وهذه الغابات، طردوني من العمل حيث كنت أشتغل تقني محلف بالجماعة القروية “تونفيت” وقضت المحكمة بالحكم لصالحي بإرجاعي للعمل في مرحلتي الابتدائي والاستئناف، غير أنهم لم يُنفذوا القرار بعد، مشيرا إلى أن هناك لوبيات كبيرة تتحكم في “خريطة شبكات التهريب والتي تُدر عليها أزيد من 120 مليون سنتيم في اليوم” وأوضح المتحدث ذاته، “بصفتي تقني محلف بالجماعة القروية بتونفيت تم توقيفي عن العمل منذ شتنبر 2012 و عزلي من طرف وزير الداخلية الأسبق في يونيو عام 2014” مُشيرا إلى أنه حاز على قرار نهائي قضى بإلغاء قرار العزل الصاد في حقه، كما طالب بتنفيذ الحكم رقم 2345 بتاريخ 15يونيو من عام 2017 المؤيد لقرار 451 الصادر في فبراير من 2018 تحت ملف عدد 860/7205/2017 عن المحكمة الإدارية بالرباط و امتنع وزير الداخلية الحالي عبد الوافي لفتيت عن التنفيذ القرار المذكور والذي صُدر تحت عدد ملف 828/2018/1 بعلة وجود صعوبة قانونية بحسب المتحدث ذاته. “عطاوي” والذي كان عضو في المكتب التنفيذي ل”لهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب” أسرّ ل”اليوم24″ أن غابة جماعة سيدي يحيى ويوسف، على سبيل المثال، تضيع منها 120 مليون سنتيم يوميا أي بمعدل 20 أرزة تقطع وتهرب يوميًا، أما جماعة اكوديم فتضيع وتهدر منها 12 مليون سنتيم يوميا، بينما جماعة انمزي تستنزف منها 42 مليون سنتيم يوميا بمعدل 6 أرزة . عطاوي أفاد أن المجلس الجماعي للمنطقة قام بقطع أشجار لتمرير طريق “أكوديم ايت مرزوك” بقيادة أكوديم وأفاد تقرير كان قد انجز في إطار رصد تفصيلي لعمليات سرقة الملك الغابوي حصلت “اليوم24” على نسخة منه، أن الخشب من صنف الأرز يخضع للسوق السوداء بالأطلس الكبير، وخاصة بإقليم ميدلت الذي توجد فيه المقاطعة الغابوية تونفيت ذات 49 ألف هكتار، وذكر التقرير أنه سبق لجمعيات بيئية وعلى رأسها “جمعية تونفيت مستقبل الأرز والآروي” المختصة في الحماية البيئية لشجرة الأرز أن ضبطت شاحنة واحدة من أصل الشاحنات الخمس المحملة بالخشب الصناعي المهرب، هذه الشاحنة المحجوزة من طرف السلطات المختصة الدرك الملكي وحراس المياه والغابات بتونفيت الذين نصبوا حاجزا أمنيا وحجزوها بعد أن كانت محملة ب22 متر مكعب من الخشب الصناعي من النوع الرفيع والذي مصدره غابة قيادة تونفيت وبالخصوص القطاع الغابوي التابع لجماعة سيدي يحيى ويوسف. وأكد التقرير أنه بعد التحقيق عرف أن الشاحنة كانت متجهة صوب مدينة مراكش، حيث يباع فيها المتر المكعب بثمن يتراوح ما بين 3 و4 ملايين سنتيمم مخصص لتزيين المشاريع العمرانية المنتشرة بتمسنا ونواحيها ومشاريع العمران والضحى. مطالب بفتح تحقيق.. ضياع 60 مليار و225 مليون سنتيم سنويا من غابات تونفيت وكشفت المعطيات التي وصلت لها “اليوم24” أنه في الرقعة الجغرافية تونفيت يسجل فيها ضياع ما قيمته 60 مليار و225 مليون سنويا، إلى هنا تُفيد جمعية “تونفيت مستقبل الأرز والآروي” أنه “يستوجب فتح تحقيق في مجمل هذه العائدات الغابوية التي تضيع في زمن وشعارات ترشيد النفقات والبرنامج الوطني للبيئة والتنمية المستدامة” . وسجل تقرير سابق لحماية المال العام أنه على صعيد جماعة “سيدي يحي اويوسف” فتقطع وتهرب يوميا 20 شجرة أرز والتي يستخلص منها 5 أمتار مكعب من الخشب الصناعي، دون احتساب 10 أمتار ستير من خشب التدفئة يتركه المهربون دون أن يستفيد منه سكان قيادة تونفيت كوسيلة للتدفئة في فصل الشتاء. وأفاد التقرير أن الجماعة القروية لسيدي يحي ايوسف، رخصت في الآونة الأخيرة ل13 آلة نشر خشب الأرز الصناعي ضدا على القانون والظهير الشريف المنظم للغابات، والذي يمنع مثل هذه التراخيص وسط المجالات الغابوية. أما على صعيد جماعة أكوديم فالترخيص شمل محلين للنجارة تستهلك على الأقل أربعة أمتار مكعبة لليوم الواحد أي ما قيمته 120.000.00 درهم، وحسب المعطيات السالفة، فإن مجمل ما تخسره الدولة كعائدات غابوية، يفيد التقرير، يربو عن 164 مليون سنتيم يوميا. هذا دون احتساب ما يضيع جراء تهريب الأرز بكل من غابات آزرو وأجدير و صفرو وبالخصوص بالمقاطعة الغابوية “تيفرت” عمالة إفران التي ضاعت منها 400 شجرة أرز ذات الحجم الكبير والتي تراوحت أعمارها ما بين 350 و 400 سنة. رسائل دونَ جواب.. في خضم مسلسل عمليات سرقة ونهب أشجار الغابة، راسلت جمعية ” مستقبل الأرز والآروي” بالمنطقة عددٍ من المسؤولين، أبرزهم مدير التنمية الغابويّة، وقال أعضاء جمعية “مستقبل الأرز بالمنطقة” ل”اليوم24″ راسلنا بصفتنا عدة جمعيات من المجتمع المدني بالمنطقة مندوبية المياه والغابات بغية عقد لقاء من أجل كشف المستور، وتحقيق العدالة، غير أنه لم يلتقينا أحد أو رد على مراسلاتنا. مراسلة إلى مدير التنمية الغابويّة من طرف جمعيات من المجتمع المدني بالمنطقة وفي مراسلة أخرى، وجهت إلى المندوب السامي للمياه والغابات بالرباط، من طرف رئيس جمعية “مستقبل الأزر والآروي” من أجل طلب عقد لقاء، تساءلت فيها الجمعية، إن كانت المندوبية السامية للمياه والغابات على اطلاع بما يقع في المنطقة، طالبة من جديد عقد لقاء بشكل مستعجل، غير أن الجمعية إلى حدود اليوم لم تتلقى أيّ رد من الجهات المعنية. التصفية والإغتيالات تمتد على حلبة “الغابة” ومن جهتها، دخلت على خط هذه القضية، وما يتعرض له الفاعل المدني والبيئي في المنطقة “محمد العطاوي”، اللجنة التحضيرية الوطنية لحزب تامونت للحريات، وهو حزب ذي توجه أمازيغي، حيث أفاد في بلاغ له، أن شبح الاغتيالات لا زال يطارد المناضلين في مغرب اليوم، وذكر البلاغ أنه في 12 من فبراير من العام الجاري تعرض لمحاولة “قتل” من طرف عصابة ملثمة مدججة بالهراوات والمقالع الصوفية والحجارة، اثناء قيامه بتوثيق للجرائم البيئية التي تقترفها “مافيات” شجر الأرز بمنطقة ” إفرض ” على مقربة من مقر الحراسة والرصد للمخالفات الغابوية، التابع لمشتل إفرض بمركز التنمية الغابوية لتونفيت باقليم ميدلت. وأكد البلاغ الذي وصل “اليوم24” نسخة منه، أنه في خضم هذا الاعتداء اتصل “محمد العطاوي” برئيس مركز الدرك في رقمه المهني إلا أن الهاتف أغلق في وجهه، فاستغاث بزوجته التي توجهت في حينه لمركز الوقاية المدنية بتونفيت للاتصال بمركز الدرك، فطلب منها الانتقال الى مركز الدرك لتسجيل شكواها، ولما اتصلت بمركز الدرك أغلق الخط في وجهها هي ايضا. وطالبت اللجنة التأسيسية للحزب المذكور بفتح تحقيق للكشف عن ملابسات محاولة ما أسمته ب” الإغتيال “التي تعرض لها بحضور ابنه وتقديم جميع المتورطين فيها من مافيات الارز وغيرهم أمام العدالة لتقول كلمتها.