قبيل ثاني انتخابات تشريعية في عهد محمد السادس، أسس نور الدين عيوش جمعية «2007 دابا»، وكان هدفها المعلن هو رفع نسبة مشاركة المغاربة في الانتخابات، والهدف الخفي هو محاصرة زحف العدالة والتنمية. هذا ما صرح به كريم التازي، وكان من مؤسسي الجمعية قبل أن ينسحب منها، ففشلت «2007 دابا» في تحقيق هدفيها المعلن والخفي. قبيل انتخابات 2011، التأمت ثمانية أحزاب تحت القيادة المعلنة لصلاح الدين مزوار، والخفية لإلياس العماري، لمواجهة البيجيدي، فقذفها بنكيران بقفشته الشهيرة: «عمركم شفتو حمامة كتجر تراكتور؟»، وفشلت فشلا ذريعا. في 2016، جرى إخراج كرنفال ولد زروال، فقام، من حيث أراد العكس، بحملة دعائية للبيجيدي أكثر مما قامت به الحصيلة الحكومية. وشخصيا، أعرف ليبراليين ويساريين قرروا، مباشرة بعد مسيرة ولد زروال، التصويت للبيجيدي، فكانت نتيجة 7 أكتوبر صادمة لمن باع وهم سحق البيجيدي ولمن اشتراه. كيف، إذن، ستكون انتخابات 2021؟ وما الذي يُطبخ لطرد شبح البيجيدي الذي لم يعد مرغوبا فيه، بالرغم من أنه أصبح مثل كلب بلا أسنان؟ خلال كل الانتخابات التي سبق ذكرها، كان الشعار، الذي يرفع لمواجهة العدالة والتنمية، يعتمد التحذير من نموذج سياسي مشكوك في ولائه الوطني، وكان هذا الشعار مقبولا نسبيا. ما لم يكن مقبولا ولا مُجديا، هو الوسائل والعناصر التي اختيرت لمواجهة البيجيدي، وأساسا المال الفاسد والنخب الفاسدة، لذلك، كانت النتيجة تحسم منذ البداية، ليس لأن الحزب الإسلامي كان يقدم برنامجا انتخابيا خارقا، بل لأنه كان يرشح عناصر غير فاسدة (والفساد في التحديد الأخلاقي وحتى القانوني للمغاربة له معنيان؛ مالي وجنسي)، لذلك، يبدو أن الحزب السري فهم، متأخرا، أنه لا يمكن هزم الإسلاميين بالتشهير الإيديولوجي، والقول إنهم يريدون أخونة وأسلمة الدولة، ببساطة لأن أساس الدولة المغربية ومرتكزات نظامها السياسي ومصادر تدين المغاربة أصولية، وهذا ما وعته أحزاب الحركة الوطنية قبل البيجيدي، فحزب الاستقلال والاتحاد الوطني ثم الاشتراكي، كانت أحزابا جماهيرية، يوم كان المهدي بنبركة يجلس على المنصة نفسها إلى جانب شيخ الإسلام بلعربي العلوي، وعبد الرحيم بوعبيد جنب الحبيب الفرقاني، وعلال الفاسي يتحدث في التعادلية وينشر كتب سيد قطب، وهذا الأمر التقطه إسلاميو المغرب بذكاء، لذلك، ابتعدوا مبكرا عن الانخراط في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، مادام علال الفاسي يفي بالغرض. لقد اهتدى الحزب السري الآن إلى أن الطريقة الوحيدة التي بقيت أمامه لإسقاط العدالة والتنمية، هي البحث بين أفخاذ قيادييه، ومطاردتهم وتصويرهم، وإطلاق حملات تشهير بهم من الآن وإلى غاية 2021. وقد انطلقت الحملة اللاأخلاقية، بشكل تجريبي، عقب وفاة المرحوم باها، الذي لم يتورع عناصر الحزب السري عن إطلاق إشاعة مفادها أنه «بيدوفيل»، وأنه انتحر تجنبا لفضيحة جنسية، ثم مع توفيق بنحماد والنجار من لدن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وما تلى الاعتقال التحكمي لتوفيق بوعشرين من ترويج تعرض إحدى النساء المستنطقات في ملفه للاغتصاب أيضا من لدن وزير ينتمي إلى البيجيدي، وما تبع ذلك من إعادة فتح ملف آيت الجيد، وإطلاق حملة من لدن صحافة التشهير، التي لم تتوقف إلى الآن عن تقديم عبد العلي حامي الدين، دون تحفظ، باعتباره قاتلا، ثم مرورا إلى آمنة ماء العينين، حيث نجح الحزب السري، بشكل مبهر، في جعل زعيمة تقدمية عقلانية، مثل نبيلة منيب، تغض الطرف عن سؤال: من وظف المال العام وسخر موظفي الدولة وإمكانياتها لتعقب امرأة عزلاء، وتصويرها أو قرصنة صورها والتشهير بها بشكل قذر؟ حيث خرجت منيب تثرثر عن النفاق والمنافقين والدرك الأسفل من النار، بلغة تنافي قيم الحرية والحداثة التي يفترض أنها تدافع عنها. وانتهاءً بالسُّم في الدَّسم الذي قُدم لعبد الإله بنكيران، الذي لم يكتف بابتلاعه والصمت، بل لبس «قفاز السلطة»، بتعبير المؤرخ المعطي منجب، وخرج مهاجما من يطالبون ببناء دولة المؤسسات الحديثة، وربط المسؤولية بالمحاسبة التشريعية، لتشمل حتى الأعطيات والمعاشات الاستثنائية، وهو ما فهم منه أن بنكيران يرد الجميل بهذه الخرجة الشاردة التي استهجنها إخوانه قبل منافسيه وخصومه. وعلى ذكر منجب، وهو أكبر المثقفين العلمانيين الذين أدوا ثمن محاولته التقريب بين اليسار والإسلاميين، فقد حكى لي أخيرا، نقلا عن مسؤول كبير، قوله: «بما أننا لا يمكن أن نقنع المغاربة بأن السلطة «نقية»، فلنقنعهم بأن الكل متسخ». ويمكن القول إن ذلك قد بدأ، فبعدما كنا أمام حزب «الظلاميين» و«الإرهابيين» و«أعضاء التنظيم الدولي للإخوان المسلمين»، أصبحنا أمام حزب «القتلة» و«المنافقين» و«الفاسدين أخلاقيا»، و«الملهوطين ماليا»… لقد نشرت الصحافة، في اليومين الأخيرين، أن أخنوش، الذي أكد الكثير من المتابعين أنه احترق سياسيا بعد حملة المقاطعة الشعبية، سيوظف بدوره أموال المحروقات للفوز بانتخابات 2021، وأنه شكل لذلك فريقا كبيرا من الخبراء المغاربة والدوليين، لتنفيذ خطة إعلامية كبيرة وغير مسبوقة في المغرب. إذن، يمكن أن نتنبأ من الآن بأن خطة أخنوش الإعلامية، إذا ركبت الموجة نفسها التي امتطاها الحزب السري في تعقب «فضائح» البيجيديين والتشهير بهم، لن تكون سوى وقود لطاحونة بنكيران في الانتخابات المقبلة. لكن، هل مازال بإمكان بنكيران إدارة الطاحونة بالقوة السابقة؟ هذا ما لا أعتقده.6