انطلقت رسميا في مصر الحملةُ الانتخابية للاقتراع الرئاسي المعلَن عن تنظيمه يومي 26 و27 مايو 2014. ولأن الترشّح انحصَر في النهاية في شخصين ينتسبان إلى خلفيتين مختلفتين في المسار وإلى حد ما في التطلعات، أي «عبدالفتاح السيسي»، رئيس المخابرات، ووزير الدفاع على عهد الرئيس مرسي، و»حمدين صباحي»، «الناصري» المعروف بانتسابه إلى الصفّ الاشتراكي والقومي عموماً، فقد تميزت خطابات المتنافسين بقدر واضح من التشابه في الأهداف الكبرى، ودرجات مختلفة من التمايزات في التفاصيل في زوايا النظر ووسائل الانجاز. يُقدّم «السيسي» نفسه، بشكل مباشر وعلني أحياناً، وبطريقة مستترة وغير مباشرة طوراً آخر، على أنه منقِذ البلاد، وأن مصر، كلّ مصر، تستدعيه لينقلها إلى برِّ الأمان. والواقع أن شعار «الجيش المنقذ، والجيش المحافظ على الوطن، ظل ثابتاً منذ إسقاط رأس النظام سنة 2011 ، وحتى خلع الرئيس المنتخب «مرسي» وبعده..بل إن عددا يسيرا من المصريين ذهب بهم فوران ما يجري في بلدهم إلى ترديد قول «السيسي هبة من الله». ولذلك، اختار «السيسي»، ومن يدعمه مفتاحَ حملته شعار «تحيا مصر». أما «حمدين صباحي»، فيعتبر نفسه «ابن ثورة 25 يناير 2011»، ومعبِّراً شرعياً عن استمرارها، والأكثر ضامِن ديمومتها، ومحقِّقَ آمالها وطموحاتها. لذلك، اختار مفتاح حملته شعار «حنكمّل حلمنا». فهكذا، يعطي المتنافسان انطباعاً واضحاً أن مصر الوطن، مصر التاريخ، ومصر الاستمرار هي قطب اهتمامهما وتنافسهما، وصراعهما. لكن كيف؟، ووفق أي رؤية؟، وبأي وسائل، يمكن تحقيق هذا الهدف الذي لا يختلف المرشّحان في الدعوة إليه؟. لا يلمس من يتابع ما يجري في أرض الكنانة تفاصيل برنامج» السيسي» ورؤيته لمستقبل مصر. ولأنه قادم من مؤسسة عسكرية وأمنية، فقد ظل الاقتضاب، والتعبير العام، وتوزيع الأحلام والتمنيات، السمات البارزة في تصريحاته. بيد أن وعيَ أهمية دغدغة عواطف المصريين، وشحذ مخزونهم المعنوي، اختياراً استراتيجياً في كل خطاباته. ومن هنا نفهم لماذا ينتقي «السيسي» كلمات من قبيل «مصر أمِّنا»، و»مصر أمانة في عنقنا»، و»تحيا مصر»، وغيرها من التعابير التي تقول كل شيء، ولا تدلّ على أي شيء..ويجهد في إيصالها إلى المصريين مطبوعةً بنوع من «اللحن الشجيّ»، والنبرة العاطفية. ومن جانب منافِسه «حمدين صباحي»، يُلمَسُ في تصريحاته قدراً واضحاً من التفصيل في البرنامج، ودرجةً عاليةً من التماسك والانسجام في الرؤية. فعُمدة ما ينوي تحقيقه، إن أصبح رئيساً منتخباً، إنهاء عهد «الدولة الرخوة»، الدولة الفاشلة، والدولة العجوز. وإرساء أسس دولة جديدة، جمهورية جديدة، لا وجود فيها لرموز «نظام مبارك»، والعائلة السياسية ل «مرسي». أما وسائلها إلى ذلك، فكثيرة ومتنوعة، يتصدرها القضاء على الفساد، وسوء توزيع الثروة، وتوسيع دائرة الحريات والمشاركة السياسية، واستعادة أرصدة قوة مصر إجمالاً. ينطبق على تناظر خطابي «السيسي» و»حمدين صباحي» قول جلال الدين الرومي: «فيه وفيه». في كلام «عبدالفتاح السيسي» قدر كبير من العاطفة ودرجة قليلة من الصراحة. وفي خطاب «حمدين صباحي»، كثير من «الإرادوية»، وقليل من الواقعية. لذلك، إذا كان قصد المتنافسين نبيلاً من زاوية المحافظة على مصر وصيانة هيبتها، والعمل على استبدال الدولة الرخوة بدول قوية، فعّالة، وشرعية، فإن السبُل المعلن عنها من قبل المرشحين ليست سالِكةً، ولا تنطوي على المؤشرات المقنعة بأنها ستُسعف المصريين، كل المصريين، في الوصول إلى برّ الأمان..لسبب طبيعي ومنطقي، هو أن مصر تشكو من جرح الانقسام، والانشقاق، والتقطع في أوصال نسيجها الاجتماعي.. وإن الخروج من هذا الوضع التاريخي المعقد، لا تُنجزه لغة التهديد، أو الترغيب والتخويف، ولكن تُحققه روح الحوار، والبحث عن المشترك، وبناء التوافق. وأولى خطوات الحوار الناجح حصول اعتراف متبادل بين الفاعلين والفرقاء السياسيين والاجتماعيين، ليُصار بعدها إلى تحديد أجندة الحوار وأولوياتها، ومواعيد انجازها. قد يقول قائل، هذا ما تولى الجيش القيام به الصيف الماضي، وهو سائر فيه.. الجواب، نعم قام به فعلا، ويسعى إلى استكماله اليوم..لكن في غياب قطاعات مازالت تحتفظ، على الرغم من أخطائها السياسية، بمواقع وازِنة في النسيج الاجتماعي المصري.. وإن بناء مصر الجديدة، يحتاج إلى مشاركتهم، ولا يطيق ابتعادهم أو إبعادهم.