بينما شرعت محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء في النظر في ملف معتقلي حراك الريف منتصف نونبر الماضي، أذاعت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الأمريكية تقريرا حول مجريات المحاكمة في المرحلة الابتدائية، تحدثت فيه عن “شبهات التعذيب” في حق المعتقلين الذي أدينوا بأحكام بلغت 20 عاما، استنادا على “اعترافاتهم” أمام الشرطة، ثم تراجعوا عنها أمام قاضي التحقيق وهيئة الحكم. واتصلت “أخبار اليوم” بوزراء في الحكومة للرد على تقرير “هيومن رايتس ووتش”، غير أن لا أحد أجاب عن هاتفه في حينه. المنظمة التي تعنى بحقوق الإنسان في العالم، قالت إن المحكمة الابتدائية “لم تشرح في حكمها المكتوب” الذي يقع في 3100 صفحة، “لماذا تجاهلت التقارير الطبية التي أشارت إلى أن بعض المتهمين على الأقل تعرضوا للعنف على أيدي رجال الشرطة خلال أو بعد اعتقالهم”. ودعت المنظمة محكمة الاستئناف التي شرعت في النظر في القضية، إلى “النظر في الأدلة التي تفيد بتعذيب الشرطة للمتهمين، عندما تراجع أحكام الإدانة ضد متظاهرين ونشطاء من منطقة الريف”. وهي الأدلة التي رفضت المحكمة الابتدائية النظر فيها. ونقلت التقرير عن أحمد بن شمسي، مدير التواصل والمرافقة لدى المنظمة مكلف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أنه “لا يجوز لمحكمة أن تتجاهل، بكل بساطة، أدلة تفيد بوقوع تعذيب. على محكمة الاستئناف رفض أي اعترافات مشبوهة، وضمان عدم إدانة أي شيء، إلا جرائم حقيقية”. هيومن رايتس ووتش فحصت أساسا تقارير أطباء شرعيين كلفوا من قبل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بفحص المعتقلين، وقالت المنظمة “أشارت تقارير المجلس الطبية إلى أن الإصابات التي تعرض لها بعض المحتجزين، كانت إما “شديدة الاتساق” أو “متوسطة الاتساق”، مع ادعاءات التعرض للعنف على أيدي الشرطة”، مشيرة إلى تلك التقارير التي تسربت إلى وسائل الإعلام قال المجلس بشأنها إنها “لم تكتمل، ولم تصبح رسمية بعد”. واستندت المنظمة الأمريكية في بلورة قناعتها حول “شبهات تعذيب” تعرض لها معتقلو الريف، إلى “الأجزاء ذات الصلة بالحكم القضائي، كما راجعت 41 تقريرا للطب الشرعي، منها 19 من إنجاز طبيبين كلفهما المجلس الوطني لحقوق الإنسان، و22 من إنجاز طبيب كلفته المحكمة الابتدائية للدار البيضاء. وحضرت هيومن رايتس ووتش 17 من جلسات المحاكمة ال86، ودرست 55 من وثائق المحاكمة، وأجرت مقابلات مع 10 من محاميي الدفاع و6 من أقارب النشطاء المسجونين”. وهكذا “استنادا إلى محاضر الجلسات أمام قاضي التحقيق المكلف بالقضية، قال فيها 50 من أصل 53 متهما إن الشرطة في مقر “الفرقة الوطنية للشرطة القضائية” في الدارالبيضاء، ضغطت عليهم بطريقة أو بأخرى لتوقيع محاضر استنطاق تدينهم من دون قراءة محتواها. قال 21 منهم إن الشرطة هددت باغتصابهم أو زوجاتهم أو بناتهم”. ونقلت عن المحامية بشرى الرويسي، عضو هيئة دفاع المعتقلين، قولها إن “17 من المتهمين أخبروها بأنهم تعرضوا للعنف البدني أثناء الاستنطاق، بما في ذلك الصفع والضرب واللكم على الوجه مع تقييد أيديهم، أو إدخال “جفافات” قذرة في أفواههم”. بيد أن المحكمة “في حكمها المكتوب”، تقول إن ادعاءات المتهمين بالتعرض للتعذيب “غير جدية وعارية من كل إثبات”، وبالتالي إن طلب الدفاع لإبطال اعترافاتهم “يتعين رفضه”. ولاحظت المنظمة أن المحكمة استندت في قرارها إلى 22 فحصا طبيا أمر بها قاضي التحقيق أجريت في 6 يونيو 2017، وفي حالات أخرى إلى فحوص أجراها طبيب السجن في سجن عكاشة بالدارالبيضاء، لكنها سجلت أن “تقارير الطبيب المكلف من قبل المحكمة وطبيب السجن تتفاوت بشكل كبير مع تقارير فريق المجلس الوطني لحقوق الإنسان”. ونقلت المنظمة عن الحقوقي والمحامي محمد المسعودي قوله، إن المحكمة انتهكت حقوق المتهمين بطرق أخرى، ورفضت سماع شهود اعتبرهم الدفاع عنصرا حاسما في توفير أعذار لمتهمَين اثنين على الأقل. وفي حالات استمعت المحكمة إلى 3 شهود قدمهم الدفاع، لكنها قالت إن شهاداتهم غير مقنعة. كما منعت المتهمين من الوصول إلى عشرات أشرطة الفيديو وتسجيلات التنصت على المكالمات الهاتفية، التي يستند الحكم إليها باعتبارها أدلة أساسية. وقال بن شمسي ضمن التقرير، إن “عدم اعتبار أدلّة التعذيب والاعترافات القسرية، وغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة، شوّه المحاكمة الابتدائية في قضية الحراك. مجريات محاكمة الاستئناف ستُظهر لنا ما الغرض من كل هذا: تحقيق العدالة، أو سحق النضال من أجل العدالة الاجتماعية”.