منذ ساعات الصباح، شرعت العاصمة الإسماعيلية في استقبال آلاف الزوار، ومعهم المريدين، الذين يحجون لإحياء احتفالات ذكرى المولد النبوي في حضرة الشيخ الهادي بنعيسى. ” اليوم24″ ينقل لقرائه أسرار احتفالات ” الميلود”، وما يصاحبها من طقوس يمتزج فيها المقدس بالمدنس، بحثا عن عالم الخلود في حضرة ” القبة”. قبل يوم الاحتفال.. دأبت مدينة مكناس، منذ عقود، على إحياء ذكرى المولد النبوي، حيث تشرع عاصمة السلطان المولى اسماعيل في استقبال الوفود، التي تحج من مدن مغربية مختلفة، لتأكيد انخراط كل طائفة في طقوس الجذبة، والتحيار، وما يرافقهما من عادات شعبية ضاربة في التقليد. نصب الخيام، واحتلال موقع تحت قبة الضريح، وتوزيع الأدوار بين أفراد القبائل.. شروط أساسية تسبق يوم الاحتفال بالمولد النبوي، يسهر عليها ” مقدمين” يمثلون كل قبيلة، خاصة قبائل منطقة الغرب، ومعهم قبائل حمادشة بضواحي مكناس. الثلاثاء.. اليوم الموعود! كل المؤشرات كانت توحي ب” نسف الاحتفال” بسبب الأمطار، خاصة وأن أجواء الصباح كانت غائمة، أعقبتها عاصفة رعدية، اعتقد الجميع معها أن احتفالات ” المولود” أجلت للموسم المقبل، قبل أن نتفرج الأجواء، وتعود الحركة إلى شوارع مدينة مكناس، خاصة الشوارع المؤدية إلى ضريح ” الشيخ الكامل”. ضيوف مكناس توجهوا نحو المحطة الطرقية ” سيدي سعيد”، ومنهم من نزل مشيا عبر ساحة الهديم، وحي السكاكين، وأيضا عبر أحياء الزرهونية، سيدي بابا، وجه عروس.. قاصدين وجهة واحدة وهي موقع الضريح، لحضور انطلاق رحلة المشي، والجذبة، التي تبدأ في حدود الساعة التاسعة والنصف صباحا. الفرجة الكبرى! على إيقاع ” الغيطة والطبل” انطلقت أولى الطوائف، القادمة من منطقة ناحية سيدي سليمان في منطقة الغرب، تلتها طوائف أخرى من ضمنها طائفة “الحمادشة”، التي تخلق فرجة كبرى بسبب ” المخيال الشعبي” المرتبط باللون الأسود، في إشارة لعتروس أسود، توحي حركات أعضاء فرقة حمادشة أنهم متعطشون لدمه، خاصة حينما يشرعون في تداول حركات تحمل دلالات ” الافتراس”، وهذا ليس غريبا ما دام ” الافتراس” شكل، على امتداد تاريخ الاحتفال”، شرطا ضروريا لاكتمال طقس الجذبة. باب الضريح.. السرعة القصوى! منظر غريب عاينه زوار ضريح الشيخ الكامل، يتمثل في انطلاق المريدين بسرعة فائقة نحو قبة الضريح؛ شيوخ، شباب، نساء، أطفال.. يطلقون أصواتا مرعبة قبل التوجه حفاة نحو المزار، في مشهد أرعب مئات الحاضرين، الذين عجز بعضهم عن متابعة تفاصيل ” الرحلة السنوية الغريبة”، فيما ظل آخرون يرددون ” يا لطيف يا لطيف”. تحت القبة.. الِّسر يبقى هنا! داخل ضريح الهادي بنعيسى، الذي تجمع تحت قبته مئات المريدين، كل شيء مباح إلا استعمال آلة التصوير، فهي في نظر العديد من المريدين، والقيِّمين، خصما يستوجب إبعاده، لاستمرار الطقوس، ولإعادة إنتاج ” اللاشعور الجمعي”، الذي يتغذى على عبارات من قبيل ” شاي الله الهادي بنعيسى”، و” طلبو التسليم”.