تعود قضية شغب الملاعب إلى الواجهة، بين الفينة والأخرى، إثر انتهاء إحدى مباريات البطولة الوطنية بأعمال شغب وعنف وتخريب الممتلكات، إذ يعتبر البعض أن شغب الملاعب هو لعنة تطارد كرة القدم المغربية، فما هي أبرز الأحداث التي عرفتها السنوات الأخيرة؟ شغب الملاعب القاتل كان حدثا مؤلما وفارقا في تاريخ شغب الملاعب، حيث تحولت نهاية مباراة لفريق الرجاء البيضاوي مع نظيره الشباب الحسيمي، بتاريخ 19 مارس 2016، إلى مجزرة بملعب محمد الخامس، حيث وقع خلاف بين فصيلين مشجعين لفريق الرجاء البيضاوي، عقب نهاية المباراة. تطور الخلاف مخلفا ثلاث ضحايا، بينهم طفل يبلغ من العمر 14 سنة، و54 جريحًا، منهم ست حالات خطيرة أدخلت قسم الإنعاش، بينهم أربعة قاصرين. وبدأت أحداث الشغب عندما ألقى بعض أنصار فريق الرجاء البيضاوي الألعاب النارية على بعضهم البعض، فتطور الأمر بسرعة إلى مواجهة مباشرة، ما خلق هلعا بين الجماهير الموجودة على المدرجات، ما سبب بدوره في حدوث تدافع عنيف بين المتفرجين، وأخرج الوضع عن السيطرة، مخلفًا قتلى وعشرات الجرحى، بالإضافة إلى خسائر فادحة في تجهيزات الملعب. مشجعو فرق كرة القدم لهم تاريخ حافل في أحداث الشغب، أهمها «الخميس الأسود»، في أبريل من سنة 2013، عندما اجتاح عدد كبير من جماهير الجيش الملكي شوارع الدارالبيضاء، مخلّفين وراءهم الرعب والخراب، قبل أن تسيطر عليهم القوات الأمنية، وتعتقل منهم المئات. وكانت بداية هذه الأحداث، التي وصفت بالأعنف على الإطلاق بين الفريقين، إثر اعتزام المشجعين على تصفية الحسابات القديمة وزرع المزيد من الرعب، فأحدثوا فوضى عارمة، وخربوا الممتلكات، وألحقوا خسائر كبيرة في ملك الغير، وكسروا زجاج الحافلات والسيارات. وانطلق الشغب خارج أسوار مركب محمد الخامس، واستمر في الشوارع وفي مدرجات الملعب، ما دفع السلطات الأمنية إلى استنفار قواتها، واعتقال 193 مشجعا اشتبه في تورطهم في أعمال التخريب التي عرفتها بعض أحياء الدارالبيضاء. ورغم مطالبة عائلات الموقوفين في ما سمي حينها بأحداث «الخميس الأسود» بإطلاق سراح أبنائها أو التخفيف من عقوبتهم، فإن المحكمة قضت بحبس 23 مشجعا بين 15 يوما وشهرين وأداء غرامات مالية. وبعد صدور الأحكام، قامت العائلات بالاحتجاج أمام وزارة العدل في الرباط، كما دخلت هيئة حقوق الإنسان على الخط للمطالبة بمحاكمة عادلة للمتهمين، خاصة أن أغلبهم قاصرون مازالوا يتابعون دراستهم في الإعداديات والثانويات، قبل الإفراج عن بعضهم، مقابل إتمام آخرين عقوبتهم الحبسية. الاحتجاج في الوقت الذي ساد فيه الصمت في صفوف المجتمع المدني والأحزاب السياسية إزاء قضية مقتل الشابة «حياة»، التي لفظت أنفاسها الأخيرة عقب تعرضها لطلقات نارية أطلقتها البحرية الملكية، قرر منخرطو مجموعة «إلتراس اللوس ماطادوريس» الخروج للاحتجاج، في إطار ما أطلقوا عليها «جمعة الغضب»، تزامنا مع المباراة التي كانت تجمع بين المغرب التطواني والكوكب المراكشي. الجماهير التي كانت تعد بالمئات، أغلبهم من الشباب واليافعين، رفعت شعارات قوية تندد بمقتل «حياة»، محملة الدولة مسؤولية مقتلها. اتفق مشجعو «المغرب التطواني» على ارتداء اللون الأسود نوعا من الحداد، حيث لونت شوارع مدينة تطوان التي مروا منها بالأسود، مرددين شعارات من قبيل: «حياة ماتت مقتولة والدولة هي المسؤولة»، «بالروح بالدم نفديك يا حياة». شعارات المحتجين لم تتوقف عند هذا الحد، بل رفعوا شعارات تمجد دولة إسبانيا من قبيل «viva espania»، وتطالب بإسقاط الجنسية المغربية، كما رفعوا العلم الإسباني خلال مسيرتهم باتجاه ملعب سانية الرمل، كما رفعوها بعد انتهاء المباراة. وعرفت مدينة تطوان استنفارا أمنيا، حيث طوق رجال الأمن المسيرة من كل جنباتها، فيما تحولت المسيرة، التي انطلقت في بدايتها بشكل سلمي، إلى «مناوشات» بين المحتجين ورجال الأمن، نتج عنها تخريب بعض الممتلكات العمومية في شوارع المدينة. الشعارات التي رفعت في المسيرة والأعلام الإسبانية لقيت استهجان بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا أن هذه الخطوة غير مسؤولة من طرف المحتجين، فيما اعتبر آخرون أن رد الفعل هو من جنس الفعل، ولا يجب مؤاخذة الشباب بطريقة تصريف غضبه على مقتل الشابة «حياة». مشجعو المغرب التطواني معروفون أيضا بأعمال الشعب، بعد انتهاء المباريات، غير أنه خلال كل تلك المحطات لم تكن هناك إصابات أو ضحايا، بل تقتصر تلك الأعمال على الفوضى وتخريب الممتلكات العمومية، وسبق للسلطات أن استدعت عددا من المشجعين للتحقيق معهم في بعض الأحداث. محاربة الظاهرة في كل مرة تنتهي فيها المباريات بأعمال الشغب، تؤكد الجامعة المغربية لكرة القدم أنها لن تتسامح بأي شكل من الأشكال مع كل من يسهم في إثارة الفوضى والشغب في الملاعب الكروية، حيث تشدد في بلاغاتها على أنها لن تتردد في تطبيق القانون، واتخاذ جميع الإجراءات الردعية التي يكفلها القانون ضد كل من سولت له نفسه العبث بسمعة كرة القدم المغربية، مشيرة إلى أن بعض الفئات من الجماهير الدخيلة على كرة القدم تحاول استغلال الملاعب الكروية لزرع الفتنة والكراهية من خلال شعارات وعبارات تحريضية على الشغب، مؤكدة أن الملاعب الكروية تبقى فضاء لنشر القيم والأخلاق الرياضية، داعية الجماهير الرياضية إلى التصدي لبعض الفئات الدخيلة على كرة القدم. وقد عانت بعض الفرق عقوبات الجامعة بسبب أعمال الشغب التي تصدر عن مشجعيها، كان آخرها قبل أيام، حيث فرضت الجامعة عقوبات ثقيلة على نادي الرجاء البيضاوي، الذي يعتبر من أكثر الفرق التي فرضت عليها عقوبات في هذا الشأن، وشملت غرامة مالية وإقامة مباراتين دون جمهور، غداة أعمال شغب بين مشجعيه وقوات الأمن خلال مباراة ضد الكوكب المراكشي، أوقف على إثرها 65 شخصا. وقالت الجامعة في بيان لها إن المباراة شهدت «قيام مجموعة من مشجعي فريق الرجاء الرياضي بأعمال شغب في المدرجات، تمثلت في إلحاق خسائر مادية بمنشآت الملعب الكبير لمدينة مراكش، ورشق أفراد القوات العمومية بالكراسي، مشيرة إلى أن اللجنة المركزية للتأديب التابعة لها، اطلعت على تقريرين لحكم المباراة ومندوب اللقاء، وقررت فرض عقوبات على نادي الرجاء، تشمل: إجراء مباراتين دون جمهور، وإصلاح الأضرار التي تسبب فيها مشجعوه بالملعب، وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم. وبالإضافة إلى العقوبات التي تفرضها الجامعة، تواجه السلطات أعمال العنف بالاعتقالات، حيث يصل عدد المعتقلين على خلفية أعمال الشغب إلى المئات في بعض الأحداث. غير أنه رغم الاعتقالات والعقوبات التي تفرض على الفرق، مازالت أعمال الشغب مستمرة في الملاعب المغربية. وسبق لوزارة الداخلية أن خرجت بقرار يقضي بحل روابط «الألتراس» خيارا لمجابهة الشغب، والحد من تنامي العنف داخل الملاعب، والذي اتخذ أبعادا خطيرة بعد تسجيل وفاة مشجعين على هامش مباراة الرجاء وشباب الريف الحسيمي. وتباينت ردود الأفعال على قرار تجميد حركة «الألتراس» نتيجة افتقارها إلى الصفة القانونية، وتسببها في تسجيل العديد من الوفيات وإلحاق أضرار بالممتلكات العمومية.