تراجع مؤشر ثقة الأسر إلى 82.5 نقطة خلال الفصل الثالث من سنة 2018، عوض 87.3 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق، و85.5 نقطة المسجلة في الفترة نفسها من السنة الماضية. يتم حساب مؤشر ثقة الأسر على أساس 7 مؤشرات تتعلق أربعة منها بالوضعية العامة، في حين تخص الباقية الوضعية الخاصة بالأسرة وهي: التطورات السابقة لمستوى المعيشة، آفاق تطور مستوى المعيشة، آفاق تطور أعداد العاطلين، فرص اقتناء السلع المستديمة، الوضعية المالية الراهنة للأسر، التطور السابق للوضعية المالية للأسر والتطور المستقبلي للوضعية المالية للأسر. وتكتسي أهمية هذا المؤشر، حسب نجيب أقصبي، المحلل الاقتصادي، من قدرتها على تكريس الواقع الاقتصادي والسياسي، أو تقلل من شأنه، انطلاقا من منح الأسر فرصة للتعبير عن شعورها حيال وضعها المعيش. لكن، هل فعلا تتطابق نتائج هذا المؤشر مع ما تعيشه المملكة من تحولات؟ بالنسبة إلى أقصبي، فالنتائج تتطابق إلى حد كبير، “على اعتبار أن المغرب يغلي منذ سنة على الأقل، سواء تعلق الأمر بقضايا الشباب أو هواجس الطبقة الوسطى والفقيرة”. الجانب الاقتصادي يلعب دورا كبيرا في شعور المواطنين حيال معيشهم اليومي. ويفصل المتحدث ذاته، في حديث مع “أخبار اليوم”، هذه النقطة بالقول: “عندما تكون الناس متشائمة من المستقبل، تقوم بشكل أوتوماتيكي بتقليص نسبة ادخارها، في حين يقتضي الواجب عكس ذلك، أي تقليص النفقات، وزيادة نسبة الادخار لحماية أنفسهم من تأزم الوضعية في المستقبل، وهنا تكمن المفارقة”. ولشرح أكثر دقة لهذه النقطة، يردف أقصبي أن تدهور الواقع الاقتصادي يساهم في ذلك، من خلال ضعف أغلب المؤشرات، من نسبة نمو وارتفاع نسبة البطالة، الشيء الذي يجعل الإمكانيات ضعيفة. وبالتالي، تتجه الأسر لمدخراتها حفاظا على مستوى العيش نفسه. فالأسر التي كانت تدخر بعض المال لم تعد تقوم بذلك، بينما الأسر التي لم تكن تدخر، تصبح مضطرة لترشيد نفقاتها ما أمكن. هذه القراءة تتطابق مع الأرقام التي تضمنها بحث المندوبية، إذ إن معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها لا يتجاوز 3.8 في المائة، فيما صرحت 62.7 في المائة من الأسر، أن مداخيلها تغطي مصاريفها فقط، بينما استنزفت 33.5 في المائة من الأسر من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض. هذا، وقد تراجع معدل ادخار الأسر بشكل كبير مقارنة مع الفصل الثاني من سنة 2018، إذ صرحت خلاله 21 في المائة من الأسر بأنها قادرة على الادخار، بينما رأت نسبة 79 في المائة من الأسر عكس ذلك. وبخصوص تطور الوضعية المالية للأسر خلال 12 شهرا الماضية، صرحت 29.6 في المائة من الأسر بأنها شهدت تحسنا، مقابل 11.4 في المائة رأت العكس. وبذلك بقي هذا التصور سلبيا حيث بلغ ناقص 18.2 نقطة مقابل ناقص 15.2 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق، وناقص 14.5 نقطة المسجلة خلال الفصل ذاته من 2017. وخلال الفصل الثاني من سنة 2018، بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة 37.5 في المائة، في ما اعتبرت 30.4 في المائة منها أنه مستقر، مقابل 32.1 في المائة قالت إنه يعرف تحسنا. وتبقى البطالة من أبرز الهواجس التي تؤرق بال المغاربة، إذ إن عدد العاطلين بالمغرب يصل إلى مليون و103 آلاف عاطل، أي بمعدل بلغ 9.1 في المائة على المستوى الوطني. الحكومة تتوقع أن ينخفض المعدل سنة 2021 إلى 8.5 في المائة، وهو الأمر الذي فشلت فيه الحكومة السابقة بالرغم من الوعود التي أطلقتها. أما الصعوبة الأكبر التي تواجهها، فهي ارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب، بحيث وصل إلى 26.5 في المائة، و42 في المائة بالنسبة إلى شباب المدن. وبالعودة إلى تفاعل الأسر المغربية مع هذه الظاهرة المقلقة، تتوقع 74.9 في المائة منها ارتفاع مؤشرات البطالة خلال السنة المقبلة، مقابل 9.7 في المائة فقط، رأت العكس. هكذا يتأصل منطق “الاستفادة” بصرف النظر عن الجانب الاقتصادي، يشهد المغرب تحولا قيميا يكرس هذا التخوف الكبير الذي يخيم على المغاربة. فعندما لا يحس المغاربة بالأمان على المستوى الاقتصادي، يؤثر ذلك، حسب عبداللطيف كداي، أستاذ علم الاجتماع بكلية علوم التربية بالرباط، بشكل سلبي على النموذج الأسري. كيف يحدث ذلك؟ الجواب من وجهة نظر كداي، هو أن التحولات المتسارعة التي يشهدها المغرب، والتي تمس قدرة الأسر على توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، تغير مفهوم القيم داخل الأسرة والمجتمع. “فالربح المادي هو الهدف اليوم، ولا تهم طريقة أو أسلوب الحصول عليه”. ويضيف كداي أن العامل الاقتصادي يلعب دورا حاسما في هذا التغير القيمي، الذي أصبح معه نموذج الإنسان المغربي الناجح هو من يتوفر على أكبر قدر من المال، بدل العلم والثقافة والقيم. وأفرز هذا التحول ظهور منطق “التهافت” و”التسابق” على تحقيق الربح. وحول أصل هذه الطريقة في التفكير، يوضح المتحدث ذاته، في حديث مع “أخبار اليوم”، أنها تعود بالأساس لخوف دائم من تأمين المستقبل. إذ لم يعد يقتصر الأمر على العامة، بل أصاب هذا الداء حتى النخب. “الكل أصبح يريد الاستفادة من موقعه، ومن الامتيازات التي يوفرها له هذا الموقع ما أمكن، وهذا تحول اجتماعي خطير يؤشر على أن لا أحد فينا يفكر لبناء المستقبل”، يسجّل كداي، قبل أن يضيف أن “الحكومات بدورها لا تفكر في المستقبل ولا تخطط له، بقدر ما تدبر الأزمة بشكل يومي”. والأسرة، التي تعتبر أهم مؤسسات صناعة القيم، سقطت في هذا الفخ بدورها، فالمستقبل بالنسبة إليها شيء مخيف لا أحد يستطيع ضمانه، يوضح كداي، ويضيف أن “المؤشرات السلبية في مختلف المجالات، في ظل عدم وضوح قواعد اللعب، تجعل العديدين يتصورون أن المجتمع سيكون كارثيا في المستقبل، وقد تقع أشياء كثيرة”. من جهته، يشرح علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع، عوامل فقدان الأسر الثقة في واقعها المعيش، بالقول: “عندما يرى المواطن أن الأسعار مرتفعة في الأسواق، وعندما يبحث عن عمل فيجد البطالة مرتفعة، ثم يريد تسجيل أبنائه في المدرسة فيجد منظومة تعليمية فيها اختلالات كبيرة، وهي الاختلالات نفسها التي تعيشها المؤسسات الصحية وقطاع السكن، ثم أضف إلى ذلك القهر والضغط من طرف بعض السلطات، إذن، عندما ينظر المواطن إلى واقعه هذا، أمر طبيعي أن يتملكه الخوف”. ويبرز الشعباني أنه إضافة إلى الإحساس بالخوف وفقدان الثقة، يصبح المواطن فاقدا للإرادة في مواجهة كل هذه التحديات، لافتا الانتباه إلى أن “غياب الوعي عند المواطنين بالتحولات التي تقع حولهم، يؤثر في واقعهم المعيش، وعلى مستقبلهم أيضا”.