هذه الجريدة في سياق خاص، والتي ميزته كصوت نقدي للسلطوية والفساد. وإذا كان بوعشرين يؤدي ضريبة خطه التحريري المنحاز للشفافية والمنهجية الديمقراطية، فإن الحال في المغرب مازال كما كانت تصفه به افتتاحيات بوعشرين، إن لم يكن قد ساء اجتماعيا وتنمط سياسيا. طاجين 7 أكتوبر البارد نشرت في: 04 يناير 2017 من كان يتصور أن طاجين السابع من أكتوبر سيبرد، وسيتحول إلى «أكلة بايتة» بلا طعم تقريبا، بعدما مكث الطاجين ثلاثة أشهر في ثلاجة كبيرة، حيث كان الغرض هو امتصاص قوة اللحظة السياسية التي خرجت من صناديق الاقتراع، والتي أعطت تفويضا صريحا لحزب العدالة والتنمية لمواصلة نهج الإصلاح في ظل الاستقرار… هذا ما جرى بالضبط.. لقد لعب «البلوكاج» دوره في إفساد الطبخة، والعودة إلى الخطاطة السابقة التي يلعب فيها المخزن الدور الرئيس في ميلاد الحكومات وموتها، لكن، هذه المرة جرت الأمور بقفازات حريرية لبسها الملياردير أخنوش، الذي اخرج الورقة الحمراء في وجه شباط بعدما ضمن أن أحدا من الأحزاب الأخرى، غير التقدم والاشتراكية والاستقلال، لن يتحالف مع حزب العدالة والتنمية، وأن بنكيران، إذا كان يتصرف على أساس أرقام صندوق الاقتراع، فإنه لا يعرف شيئا عن علم الرياضيات السياسي في المغرب، حيث الرقم غير مهم، ولكن المهم هو المعامل الذي يضرب فيه الرقم «le coefficient»، فيصبح رقم 37، مثلا، وهو عدد المقاعد التي حصل عليها الأحرار في مجلس النواب، يوازي 125، عدد المقاعد التي حصل عليها العدالة والتنمية في اقتراع السابع من أكتوبر. هي، إذن، أقلية معطلة لأي تحالف سياسي «minorité de blocage». بعد إبعاد الاستقلال عن التركيبة الحكومية المقبلة، سيحاول الآن أخنوش أن يُدخل حليفيه الجديدين (الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي)، اللذين فضلا ركوب ظهر الحمامة، وسلما مصيرهما إلى أخنوش والداعمين له في مسار تشكيل بام ثانٍ «pam bis» يلعب دور إفراغ السياسة من معناها، والانتخابات من جدواها، والتعددية من روحها، ثم سيمر الجميع إلى المرحلة الأخيرة من إقبار نتائج الاقتراع بالاستحواذ على مفاتيح السلطة الحقيقية في الحكومة (الوزارات السيادية ووزارة القطب الاقتصادي)، وترك الفتات لبنكيران، ثم نرجع إلى وصفة «رئيس الحكومة الذي يمارس شبه سلطة خمسة أيام، وفي نهاية الأسبوع يصبح المعارض رقم واحد في المملكة». هذه مرحلة انتهت، ولا بد من وضع النقاط على الحروف من أجل المرور إلى مرحلة أخرى. ثلث المصوتين أعطوا أصواتهم لحزب العدالة والتنمية في تصويت سياسي من أجل تغيير قواعد اللعبة السياسية، وليس من أجل التعايش معها، والاشتغال تحت سقف السلطوية الناعمة. وإذا كانت الحكومة المقبلة ستشكل في القالب القديم، فإنها ستصبح جزءا من المشكلة المغربية وليست جزءا من الحل. البلاد محتاجة، في السنوات الخمس المقبلة، إلى إعادة الاعتبار للسياسة، ولإرادة الأمة، ولصناديق الاقتراع، وللأحزاب الحرة، وللقضاء المستقل، وللإعلام الحر، وللاقتصاد المنتج، وللإدارة الموضوعة في خدمة المواطن… وكل هذه الأوراش الكبرى والمعقدة تحتاج إلى حكومة قوية، وراءها شرعية انتخابية واضحة، ومسنودة بأغلبية منسجمة، وبخريطة طريق دقيقة نحو الإصلاح العميق للدولة من أجل الدخول إلى زمن انتقال ديمقراطي لا رجعة فيه ولا تراجع عنه. إن السلطوية مثل ماء البحر، كلما شرب الإنسان منها زاد عطشا. تغريدات ساخرة نشرت في 06 يناير 2017 عندما تخرج السياسة من المنطق إلى اللامنطق، ومن المعقول إلى اللامعقول، فأول شيء يفعله المغاربة هو إخراج سلاح السخرية من السياسة والسياسيين، وهي طريقة عفوية للرد على ألاعيب السلطة والنخب السياسية، وبعث رسالة من الجمهور إلى الواقفين خلف مسرح العرائس.. رسالة تقول «عقنا بكم».. إليكم بعض التعليقات الساخرة من تدوينات شعب «الفايسبوك» على البلوكاج السياسي الذي يعطل خروج الحكومة، وحول شروط أخنوش الغريبة، وحول موقف الاتحاد الغامض، وحول التلاعب بأرقام الاقتراع. مواطن يكتب: «بعد إبعاد شباط عن التحالف الحكومي المقبل، لم يبق لعزيز أخنوش سوى شرط واحد لا غير: إبعاد حزب العدالة والتنمية عن التحالف الحكومي.. فهمتي ولا لا؟». مدون آخر يذكر شعب الفضاء الأزرق بشرط سري لدخول عزيز أخنوش إلى الحكومة الثانية لبنكيران.. شرط لم تكشفه الصحافة الورقية ولا الإلكترونية.. إنه شرط بسيط يتمثل في «إدخال فريق حسنية أكادير إلى الحكومة. آش فيها زعما؟ باش تكمل اللعبة». مواطن آخر ينصح بنكيران «بالتوقف في إحدى محطات الغاز التابعة لمجموعة عزيز أخنوش، لتعلم آخر نظرية في الحساب تقول إن العدد 37 أكبر من العدد 125، والدليل أن صاحب 37 مقعدا في البرلمان هو الذي يملي شروطه على صاحب 125، والفاهم يفهم… المشكل: كيف نفسر للأطفال هذه النظرية الجديدة؟». شابة أخرى تعلق على سلوك الأحرار تجاه المفاوضات مع بنكيران، وتقول: «بنكيران لم يقرأ جيدا ظهير تعيينه. إنه عين رئيسا للحكومة لدى أخنوش المكلف بتشكيل الحكومة»… محمد لا يعتبر أن الخطأ خطأ أخنوش، لكنه تفريط بنكيران في موقفه الأول من الاحتفاظ بالاستقلال، ويقول له: «الله يعطينا وجهك يا سيد بنكيران نهرسو به الكركاع». مدونة أخرى تصف البلاغ الأخير للأمانة العامة للحزب، قائلة: «إنه يشبه سمكة الصول المدهونة بالصابون». إدريس يسأل رئيس الحكومة عن آخر نكتة حامضة في جعبته، ويقول له: «منذ خمس سنوات وأنت تحكي لنا النكت الحلوة والحامضة، لكن حصيلتك اليوم أكبر نكتة سياسية في تاريخ المغرب، حيث ذهب مليونا مواطن للتصويت لك، لكن الحمامة الزرقاء أطفأت نور المصباح». فايسبوكية أخرى رجعت لنقد شباط اللاذع لبنكيران، واتهامه بأن «أقدامه غير مباركة»، بدعوى أن دولة التشيك شهدت فيضانات خطيرة عندما كان بنكيران ينوي زيارتها، وقالت له: «السي شباط، علاش مقلق من عدم دخول الحكومة، ياك اقدام بنكيران غير مباركة؟»… أكبر نكتة لم ترد على لسان الفايسبوكيين، بل تلك التي صرح بها إدريس v للصحافيين، بعدما علم أنه أصبح خارج التشكيلة الحكومية المقبلة. قال الرفيق لشكر: «حتى الصواب ما دروش معانا بنكيران، ولا أحد قال لنا شكرا وتبارك الله عليكم، ولذلك سيصعب علينا الاستجابة لأي طلب آخر، ويبدو ما كاين جدية». أعترف بأن لشكر يتفوق على الفنان حسن الفذ في القفشات الساخرة وحس الفكاهة… وهل تظن يا سيدي أن هناك من سيدق باب الاتحاد الاشتراكي ويطلب منه طلبا آخر، بعدما اخترت، يا سيد لشكر، أن تدخل إلى قلب أخنوش؟ ها هو تخلى عنك وذهب مسرعا إلى حلفائه فعلا. لا توجد جدية في السياسة، لكن القانون لا يحمي المغفلين، وأنت محامٍ وتعرف هذا الفصل من القانون، لكن يبدو أنك نسيت كل ما تعلمته في المحاكم، وفي مقرات حزب كبير انتهى به المطاف إلى أن يصبح محل سخرية وشفقة في وسائل الإعلام التي بدأت تدعو أصحاب القلوب الرحيمة إلى الشفقة على حال الاتحاد الاشتراكي. سياسي آخر قال إن الحكومة تشبه العروس، وعندما تشبع هذه العروس ضربا وركلا وإهانة فكيف ستبدو جميلة في عيون الضيوف؟ هذا ما وقع لحكومة بنكيران.. تعرضت لكل أصناف الإهانة حتى قبل وصولها إلى منصة الحفل، فلكم أن تتصوروا حالتها والمدعوون قسمان؛ البعض يشمت بها، والبعض يبكي من أجلها. في جميع الأحوال هذا لم يعد عرسا، سمه ما شئت… خلاصة كل هذه التغريدات الساخرة أن الرأي العام لم يتقبل هذا البلوكاج، ولم يتقبل كل هذه الألاعيب السياسية القديمة والجديدة، حتى إن البعض قال إن الفائز الأكبر من كل هذا المسلسل، الذي يشبه مسلسل «سامحيني» التركي، هو الحزب الذي قاطع الانتخابات وهجر صناديق الاقتراع، لهذا، حذارِ من بعث الرسائل الخطأ إلى الناس، والاستمرار في احتقار ذكائهم، والمبالغة في إهانة النخبة السياسية.. هذه لعبة خطيرة، خطيرة جدا. رعب في بلاد الحرمين نشرت في 27 سبتمبر 2017 صدمت وأنا أطالع مقاله في “واشنطن بوست”، وتصورت، في البداية، أن هناك تشابه أسماء.. ليس جمال خاشقجي معارضا ولا حتى نقديا تجاه نظام الحكم في المملكة العربية تشبيب-في-السعودية-ينتظر-التحديث” السعودية، فكيف يوقع مقالا “ناريا” في أهم صحف الولاياتالمتحدة الأميركية تحت عنوان “السعودية بلغت حدودا لا تطاق في القمع”. عرفت جمال منذ سنوات، التقينا في رحلات مهنية في القاهرة وإسطنبول ولندن ونيويورك وأبوظبي.. كان دائما يتحدث بلغة معتدلة عن بلاده، ودائما كان أمله في الإصلاح يتجدّد تلقائيا مع تغير ملوك السعودية. عندما كان رئيسا للتحرير في صحيفة الوطن، كان رأسه مطلوبا من الأصولية-تخسر-مقعدا-في-تونس-1″ الوهابيين المتشددين، والتهمة: “هذا قلم ليبرالي”. نعم، هذا الانتماء الذي يفتخر به الكتاب في العالم يعد تهمة في مملكة آل سعود، حيث يبسط الحكام سلطتهم على الدولة، فيما يسيطر رجال الدين على المجتمع . تحول جمال، في ظرف أسبوع، من صحافي يدافع عن سياسة بلاده في القنوات التلفزية، إلى ممنوع من الكتابة في صحيفة الحياة المملوكة للأمير خالد بن سلطان، ومن مساعد لمدير المخابرات السابق، تركي الفيصل، إلى معارض في أميركا. وقد وقع هذا كله بسبب ثلاث جمل، كتبها جمال في “تويتر”، ينتقد فيها اعتقال 30 شخصية سعودية قبل أسبوعين. كتب جمال في “واشنطن بوست” بيانه الأول معارضا، “حين أتحدث عن الخوف والملاحقات والاعتقالات والتشهير بالمفكرين والقادة الدينيين الذين يجرؤون على التعبير عن آرائهم، ثم أقول إنني من السعودية، هل يخلّف ذلك صدمة لدى المستمع؟”. لا ينتظر جمال جوابا من أحد، ليجيب هو نفسه في ما يشبه يقظة ضمير: “تألمت قبل سنوات، حين تم اعتقال مجموعة من أصدقائي. لم أقل شيئا حينها. لم أرد أن أخسر وظيفتي والحرية-ومحاربة-الارهاب” حريتي. كنت خائفا على أسرتي. اتخذتُ قرارا مختلفا اليوم. غادرت وطني وأسرتي وعملي، وها أنا أرفع صوتي. أي اختيار غير هذا سيكون خيانة لمن يقبعون الآن في السجن. باستطاعتي الحديث، فيما كثيرون لا يستطيعون. أريد أن يعرف العالم أن السعودية لم تكن دائما كما هي اليوم. نحن السعوديين نستحق ما هو أفضل”. لم يفهم أحد إلى الآن لماذا أقدم ولي العهد الشاب، محمد بن سلمان، على اعتقال 30 شخصية فكرية وعلمية وإعلامية ودينية في يوم واحد، على الرغم من أنهم جميعا بايعوه، وأيدوا رؤيته المسمّاة 2030، ولم يعرف عنهم سوى نوع من المسافة الصغيرة لأنفسهم، حتى يسمع صوتهم في مجتمع مخنوق. هناك من قال إن تهمة المعتقلين عدم تأييد قرارات ولي الأمر بما يكفي، وقال آخرون إنهم إسلاميون أو قريبون من “الإخوان المسلمين”، وقال ثالث إن قلوبهم مع قطر. هل الانتماء إلى تيار بريطانيا-والإسلام-السياسي-1” الاسلام السياسي تهمة في السعودية التي توجد على رأس قائمة الدول المصدرة للنفط ومسلم-تطرف-أو-متطرف-أسلم-1″التطرّف؟ يقول جمال الخاشقجي عن هذه التهمة “أجد دائما انتقادات المسؤولين السعوديين للإسلاميين مضحكة، باعتبار أن السعودية هي أم الإسلام السياسي، بل وتصف نفسها بأنها دولة إسلامية في نظامها الأساسي للحكم”. هكذا يصنع نظام سلطوي مغلق من أصدقائه أعداء، ومن صحافييه معارضين، ومن مواطنيه مهجرين، ومن رعاياه لاجئين في أميركا التي تنشر صحفها لخاشقجي انتقاداته الحادة لإدارة دونالد ترامب، في حين تقدم الرياض على منعه من ذلك حتى في مدونته الشخصية على “تويتر”. يحتاج المرء إلى ابتلاع كمية كبيرة من حبوب الهلوسة، لكي يعرف كيف يفكر النظام السعودي، وكيف يتصور أن له رؤية ل2030 وهو يعيش في القرون الوسطى، ويتخذ من إشاعة الخوف والرعب بين مواطنيه أسلوبا في الحكم .. لا يمكن أن تخصخص شركة أرامكو، وتستورد أحدث منتوجات الغرب، وتبني جزرا للسياحة الداخلية، وتضع نظاما للضرائب وتصلح التعليم وتعد بالرفاه، وفي الموازاة مع ذلك، توسع السجون، وتزيد عدد معتقلي الرأي، وتحتكر السلطة في يد واحدة، وتنشر الرعب بين خلق الله.. هذا اسمه عزف لحنيْن على آلة واحدة.