أن يقرر محمد يتيم تطليق زوجته سواء بمبادرة منه، أو باتفاق بينهما، فهذا شأن يخصه ولا يهم أحدا أن يعرف الأسباب. كثير من الأزواج تستحيل بينهم العشرة، ولو بعد سنوات من الزواج، ويلجؤون لأبغض الحلال، مثلما أن كثيرا من الأزواج يواصلون عشرة العمر إلى آخر رمق. أن يقرر يتيم خطبة شابة تصغره بسنوات، أو في عمر أبنائه، فهذا أيضا شأنه الخاص. فالشابة المعنية ليست قاصرا، ولا يوجد ما يمنع زواجها منه شرعا أو قانونا. لا أريد الدخول في جدل تناوله العَشاء معها في باريس وهما في مرحلة خطوبة لأن نظرة مجتمعنا لخطيبين في مطعم يتناولان الطعام ليست سيئة بالضرورة، لكن الأمر بالمقابل يُسائل المنظومة الشرعية والفكرية للحركة التي نظر من خلالها يتيم منذ سنوات. أن يثير هذا الزواج كثيرا من الفضول في المجتمع، فهذا أمر طبيعي، خاصة أن الأمر يتعلق بشخصية عمومية، ولا أستبعد أن يكون يتيم قد توقع مسبقا أن يجر عليه هذا التطور في حياته الخاصة بعض المتاعب، ويسلط عليه الأضواء التي قد تكلفه منصبه. لكن، ربما، ما لم يحسب له حسابا هو أن يكون “مراقبا”، حتى وهو خارج الوطن، يمشي في شوارع باريس إلى جانب خطيبته فيجد بعد شهور أن صوره رفقتها قد غزت مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت حديث الخاص والعام. الترصد والتشهير، ونشر الصور الخاصة أصبح سلاحا رائجا في السنوات الأخيرة. استُعمل ضد نادية ياسين، من العدل والإحسان، وضد توفيق بوعشرين، وضد عدد من الحقوقيين، ومن المستغرب أن وزيرا وقياديا من حجم يتيم يسقط في هذا الفخ، خاصة أنه وزير. لكن بعيدا عن جدل الصور والطلاق والخطوبة، من المفيد تأمل النقاش الفكري الذي رافق هذه الواقعة. وأوله يتصل بموضوع الحجاب، فكثيرا ما تم ربط التدين لدى المرأة في فكر ووعي الحركة الإسلامية بالحجاب. لكن يتيم، القيادي الإسلامي، كسر هذه القاعدة وخلخل هذه المسلّمة. السيدة التي خطبها تلبس تنورة وشعرها مكشوف، وهذا ما شكل صدمة داخل أوساط نساء ورجال العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح. ثانيا، أن يتيم دافع عن خروجه رفقة خطيبته لتناول العشاء في باريس، وقال إن ذلك تم بموافقة أهلها، وبعد خطوبة رسمية. وهذا تطور أحدث بدوره رجة، ولهذا سأله البعض من أبناء حزبه وحركته عن “المبررات الشرعية”، فيما رأى فيه خصوم البيجيدي ساخرين، دليلا على اقتناع يتيم ب”الحريات الفردية”. البعض ممن دافع عن اختيارات يتيم الشخصية ذهب بعيدا في تبرير ما قام به، منهم أحمد الشقيري الديني، الوجه المعروف في حزب العدالة والتنمية، الذي اعتبر أن ارتباط يتيم بسيدة غير محجبة، “يحمل رسائل سياسية ودعوية لا تخفى على ذي بصيرة”، وقال إن: “الحجاب لم يعد معيارا للتدين كما كان من قبل”. يتيم نفسه دافع عن اختياره، وبرره بأن الإسلام “أباح الزواج من الكتابية”، فأحرى أن تكون مسلمة غير محجبة. بل إنه دعا إلى مراجعة عدد من التصورات “المحكومة بالنزعة الطائفية أو الانتماء الحركي أو السياسي،”، مضيفا أن مسألة الحجاب التي كانت مرتبطة فيما سبق في الأصل بالانتماء التنظيمي أو الحركي لم تعد كذلك، كما أنها “لم تعد كما كانت من قبل معيارًا للتدين والالتزام الأخلاقي”. السؤال المطروح هو هل كان يتيم فعلا، يقصد توجيه رسائل سياسية ودعوية لخلخلة مثل هذه القناعات الراسخة؟ وهل لهذا اختار عن سبق إصرار الارتباط بسيدة غير محجبة.. أم كما يقول المثل “الحبّ سلطان.. لذلك، فهو فوق القانون”..