بعد الصورة القاتمة التي قدمها التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية بخصوص طريقة تعامل السلطات المغربية في شمال المملكة مع المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، في ظل أكبر أزمة للهجرة السرية بين المغرب وإسبانيا في القرن الحالي؛ عاد تقرير جديد تستعد مجموعة محاربة العنصرية ومواكبة الأجانب والمهاجرين (GADEM) لتقديم تفاصليه يوم الاثنين المقبل، حصلت “اليوم24” على نسخة منه، لرسم صورة سيئة بخصوص حملة ترحيل المهاجرين الأفارقة غير النظامين منذ يوليوز الماضي من مدن الشمال إلى وسط وجنوب المملكة. التقرير كشف أرقاما ومعطيات مثيرة تفيد أن الأجهزة الأمنية أوقفت ورحلت بالقوة ما بين يوليوز الماضي وبداية شتنبر الجاري ما يزيد عن 6500 مهاجر إفريقي غير نظامي إلى وسط وجنوب المملكة، من بينهم نساء وقصر أطفال رضع. وأضاف أنه “منذ يونيو 2018، تمت هاته العمليات الأمنية بشكل منتظم في شمال المغرب، وبشكل رئيس في الثغرين المحتلين سبتة ومليلية وطنجة وتطوان والناظور ووجدة”. وأضح، كذلك، أن “الهدف من هذه العمليات واضح: ترحيل أكبر عدد ممكن من المهاجرين الأفارقة من المناطق الحدودية”، مبرزا أن العمليات الأخيرة- التي وصفته منظمة العفو الدولية بالقاسية وغير القانونية- ليست جديدة في حد ذاتها. كما جاء في التقرير أن عمليات الاعتقال والترحيل الجماعيين للمهاجرين إلى مدن الجنوب، تذكر بما حدث في السنوات الأخيرة التي شهدت تعبئة قوية للأمن لترحيل المهاجرين من الشمال كما حدث في فبراير ومارس 2017، أو في فبراير 2015 بعد الإعلان نهاية عملية التنظيم الأولى من قبل وزارة الداخلية. وضرب المثل بمدينة تيزنيت التي رُحل إليها بالقوة بداية هذا الشهر 1000 مهاجر من شمال المملكة. هذا دون احتساب الذين رُحلوا إليها في وقت سابق والذين يمكن أن يكونوا غادروا المدينة، نظرا إلى هدف المهاجرين هو العودة إلى الشمال في انتظار الفرصة المواتية للإبحار صوب الجنوب الإسباني، فيما باقي المهاجرين نقلوا إلى “أكادير، وبني ملال، والدار البيضاء، والداخلة، والراشيدية، وأسفي، وفاس، والقنيطرة، وجدة، ومراكش، والرباط، سطات”. وأشار التقرير إلى أن شمال المملكة كان دوما يثير الاهتمام، غير أن سياسة الهجرة الجديدة التي تبناها المغرب منذ 2013 لم تُنتهك بسبب هذا النوع من التعامل الأمني القمعي. أكثر من ذلك فالحكومة المغربية حاولت تبرير التدخلات، بالتأكيد على أن الهدف منها هو “محاربة شبكات الاتجار بالبشر”. ورغم سياسة إدماج المهاجرين الأفارقة التي اعترف بها التقرير، إلا أنه يرى أنها “تقتصر على التزامات دون اتخاذ الكثير من الإجراءات الحقيقية وتستثني شريحة كاملة من المهاجرين”، أي الأشخاص الذين لم يتمكنوا من تسوية وضعهم الإداري خلال عمليتي التنظيم اللتين تم إجراؤهما في عامي 2014 و2017 أو في إطار إجراء القانون العام الذي يصعب الوصول إليه، وفق التقرير. الحملة الأمنية لترحيل المهاجرين لم تمر دون تسجيل سقوط ضحايا، إذ كشف التقرير مصرع مهاجرين. ويشرح أنه “بالقرب من القنيطرة، قفز رجلان مكبلان إلى بعضهما البعض من حافلة، متوجهة من طنجة إلى جهة أبعد جنوبا، للفرار من الترحيل القسري”. وأوضح أن الضحية الأولى تتعلق بمواطن مالي يبلغ من العمر 16 سنة فقط. ومات على الفور نتيجة الإصابة التي تعرض لها. أما الضحية الثاني فينحدر من غامبيا، توفي بعد يومين من الغيبوبة في المستشفى. وأردف أن أسرة المهاجر المالي تعرفت عليه ودفن في المغرب. مصدر مطلع بGADEM أكد للجريدة أن المشرفين على التقرير، قاموا بالعديد من الزيارات الميدانية والمقابلات مع المهاجرين والنشطاء الحقوقيين والجمعيات المعنية بقضايا الهجرة، مبرزا أن الأرقام التي قدمت دقيقة ولا يمكن التشكيك فيها. كما كشف أن أسرتي الضحيتين تستعدان بتنسيق مع بعض الهيئات الحقوقية والجمعوية لمتابعة الدولة المغربية قضائيا. هذا وكانت هبة مرايف، مديرة برنامج الشرق الأوسط شمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، أدانت الكيفية التي تتعامل بها السلطات المغربية في الشمال مع المهاجرين السريين، مؤكدة أن: “هذه الحملة المروعة على المهاجرين واللاجئين في المغرب قاسية وغير قانونية على حد سواء. إنها تمثل انتكاساً يثير القلق من قبل حكومة قدمت في عام 2013 التزامات جديدة بشأن سياسة اللجوء والهجرة لجعل المغرب بلداً يمتثل للمعايير الدولية.” ودعت الجهات المعنية في المملكة إلى التراجع عن سياسة ترحيل المهاجرين من الشمال إلى وسط وجنوب المملكة، إذ أوضحت قائلة: “يجب على السلطات المغربية أن توقف على الفور هذه المداهمات التمييزية، وأن تفي بالالتزامات الإيجابية التي تم التعهد بها خلال السنوات الخمس الماضية لاحترام الحقوق الإنسانية للمهاجرين”. وبدل ذلك نصحت الرباط بالحفاظ على الصورة الإيجابية التي قدمتها منذ 2013 في التعامل مع المهاجرين، ومن أجل ذلك، أكدت على أنه “للمضي قدماً، يجب أن تعتمد (الرباط) قانونا للجوء يحدد الإجراءات والحماية الصحيحة بما يتماشى مع القانون الدولي”.