بعد تأخر دام أزيد من أربع سنوات، يتوقع أن تصادق الحكومة اليوم، في مجلسها الأسبوعي، على مشروع قانون ينظم ممارسة الطب الشرعي، وهو أول قانون من نوعه بعد تأخر دام لعقود. هشام بنيعيش، طبيب شرعي، قال ل”اليوم24″ إن أهمية هذا القانون تكمن في “توفير رؤية بخصوص ممارسة الطب الشرعي”، مؤكدا أن “ممارسة هذا التخصص لم يكن مؤسسا لها حتى اليوم، ويمكن أن تمارس من قبل مختلف الأطباء دون أن يكون لهم تكوين متخصص أو كفاءات محددة”. وأضاف بنيعيش أن “مشروع القانون حدد لأول مرة من هم الأطباء الشرعيون الذين يمكنهم ممارسة الطب الشرعي، واعتبرهم أحد مساعدي القضاء، وفي ذلك اعتبار معنوي مهم وحصانة لهم من مختلف التأثيرات”. وجاء في مقدمة مشروع القانون أن الطب الشرعي “يعتبر أحد الطرق العلمية التي تساعد على كشف الجريمة، والتعرف على الحقائق وجمع الأدلة والقرائن والكشف عن مرتكبي الجرائم وتقديمهم للمحاكمة”. ويعد مشروع القانون أحد مخرجات الهيئة العليا للحوار الوطني من أجل إصلاح منظومة العدالة، التي خصصت له ندوة جهوية بفاس في نونبر 2012، والتي أوصت بإعداد قانون خاص ينظم المهنة بدل أحكام متفرقة في أكثر من قانون، والاستجابة لتوصيات الحركة الحقوقية المغربية التي اعتبرت أن تنظيم الطب الشرعي يعد أحد مداخل تعزيز العدالة الجنائية وضمانات المحاكمة العادلة. في هذا السياق، اعتبر أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن تنظيم الطب الشرعي بقانون من “شأنه أن يساهم في معالجة إشكالية الإثبات والتوثيق في كل الادعاءات التي تتعلق بممارسة التعذيب، والوفيات في مراكز الاحتجاز”، وأضاف أن مهنة الطب الشرعي ظلت “تمارس لحد الآن من قبل أطباء لا خبرة لهم”. ويبلغ عدد الأطباء الشرعيين الذين لهم تكوين متخصص في الطب الشرعي 14 طبيبا فقط، وبحسب دراسة سبق أن أنجزها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكشف عنها سنة 2013، فإن المغرب يعاني من “تأخر كبير” في تنظيم الطب الشرعي، مشيرا إلى أن عدد الأطباء قليل، وأن المغرب لا يتوفر سوى على وحدة استشفائية جامعية وحيدة في هذا التخصص. وكان وزير العدل والحريات السابق، مصطفى الرميد، قد شجّع المنظمات الحقوقية على تنظيم تكوينات في الطب الشرعي، وهو نداء استجاب له منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، الذي أطلق مشروعا تكوينيا لمدة سنة، نظم في إطاره 6 دورات تكوينية لأطباء وقضاة. وقال عبدالعلي حامي الدين، رئيس المنتدى، ل”اليوم24″ إن أهمية مشروع القانون تكمن في “توفير إطار قانوني لأول مرة، كما من شأنه تشجيع الأطباء على التخصص في هذا المجال”، وأضاف أن “التفاعل الإيجابي للنيابة العامة في كل ادعاءات التعذيب يستلزم إيجاد ما يكفي من الأطر الطبية المتخصصة في الطب الشرعي لسد الخصاص”. ونص مشروع القانون على إحداث وحدات للطب الشرعي في المستشفيات الجامعية والجهوية والإقليمية، كما نص على إحداث مجلس وطني للطب الشرعي يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، تتمثل مهامه في تنظيم الطب الشرعي ووضع المعايير العلمية والمهنية لممارسته، وتأطير الأطباء الشرعيين، وإعداد تقارير سنوية عن ممارسة الطب الشرعي ورفع التوصيات الكفيلة بتحسينه إلى الحكومة. واعتبر مشروع القانون أن الطبيب الشرعي من “مساعدي القضاء”. وبسبب النقص الكبير في عدد الأطباء المتخصصين، فقد وسّع القانون من الفئات التي يمكنها ممارسة هذه المهنة إلى الأطباء الذين يتوفرون على تكوين معترف به في مجال الطب الشرعي، وأيضا على الأشخاص الحاصلين على ترخيص من طرف المجلس الوطني للطب الشرعي لممارسة مهام الطب الشرعي.