منذ تفجيرات الدارالبيضاء سنة 2003، طورت السلطات المغربية مقاربة استباقية لتعقب وتفكيك الخلايا الإرهابية التي وصل عددها إلى حوالي 168 خلية، وإيقاف 2963 شخص في الفترة الممتدة بين 2001 إلى حدود شهر فبراير 2017، تتنوع في إنتمائاتها الإيديولوجية، بين الولاء لتنظيم القاعدة بشقيه المركزي والإقليمي في "المغرب الإسلامي"، أو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بعد سنة 2014، علاوة على المجموعات الجهادية المحلية. وإلى حدود سنة 2014، مثلت منطقة الساحل والصحراء، أهم معاقل الاستقطاب والتهديد الأمني للمغرب، لا سيما محاولات تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" تصدير العمليات الإرهابية إلى الداخل المغربي، أو من خلال تكوين خلايا استقطاب مقاتلين مغاربة لصفوف التنظيم. وقد استنفرت أنشطة القاعدة في منطقة الساحل والصحراء الأجهزة الأمنية بالمغرب التي تمكنت من تفكيك عدد من الخلايا المرتطبة به. ولكن مع صعود نجم تنظيم "الدولة الإسلامية"سنة 2014، تحولت أنظار المغرب إلى بؤر صراع أخرى، خاصة في المنطقة السورية والعراقية، وذلك بسبب تحول ولاء الجهاديين من القاعدة نحو تنظيم "الدولة الإسلامية". يحاول هذا التقرير رصد ديناميات التيار الجهادي في المغرب في المرحلة بين سنتي 2011 و2017، عبر تحليل المعطيات التي توفرها المصادر المفتوحة حول الخلايا المفككة، لا سيما المعطيات التي أوردتها وزارة الداخلية والمكتب المركزي للأبحاث القضائية، وتم نشرها في وسائل الإعلام. وفي هذا السياق قمنا بتجميع المعطيات الخاصة ب 44 خلية إرهابية، كعينة تمثل نصف مجموع الخلايا المفككة التي تم تفكيكها خلال تلك الفترة، والتي يصل عددها إلى 87 خلية. وقد تم اختيار هذه العينة لأنها توفر معطيات كافية نستطيع من خلال تحديد المناطق التي ينحدر منها هؤلاء الجهاديون وأيضا مرجعيتهم الأيديولوجية. وتجدر الإشارة إلى أن التقرير كان يطمح أيضا لتحليل أعمق للخصائص السوسيولوجية (لا سيما السن، والمهنة، والتجارب الإسلامية السابقة...) للخلايا التي تم تفكيكها ولكن المعطيات التي توفرها المصادر المفتوحة لا توفر كل هذه المعطيات، ولهذا تم الاكتفاء فقط بالمعطى الجغرافي والايديولوجي في هذا التقرير. في المحور الأول من التقرير قمنا برصد المجهودات الأمنية في تفكيك البنيات الجهادية، الأمر الذي مكننا من متابعة تطور أنماط الظاهرة الجهادية في السنوات الأخيرة والتحول الذي عرفته هذه الظاهرة بعد دخول تنظيم داعش للساحة سنة 2014. وفي المحور الثاني عملنا على توصيف وتحليل التوزيع التنظيمي/الإيديولوجي، وأيضا توزيعها الجغرافي من خلال انتماءات أعضائها لمدن وجهات المملكة.
جهود المغرب في تفكيك الخلايا الإرهابية في شهر أكتوبر 2014، قدم السيد ياسين المنصوري، المدير العام للإدارة العامة للدراسات والمستندات (جهاز الاستخبارات الخارجية)، في اجتماع للجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن الدولي، المعطيات الخاصة بنشاط عناصر من السلفية الجهادية، خاصة ممن اختاروا السفر إلى سورياوالعراق والالتحاق بمجموعات متطرفة، مظهرا أن أعدادهم وصلت 1203 من المغاربة المسافرين من المغرب، 218 منهم معتقلين سابقين و 254 قتلوا في المعارك الدائرة هناك أو قاموا بعمليات انتحارية، وهم موزعين بين 219 شخص في سوريا و 35 آخرين في العراق مع وجود 500 شخص ينتظرون السفر لهذه المنطقة. إلا أن هذه الأرقام عرفت تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، حيث صرح كل من السيد عبد الحق الخيام في شتنبر 2016، والسيد محمد مفكر الوالي المدير العام للتعاون الدولي بوزارة الداخلية في شهر فبراير 2017 أن الرقم وصل إلى أزيد من 1600 مغربي،في حين تشير بعض مراكز الأبحاث إلى أرقام أكبر، حيث قدر عدد المقاتلين المغاربة بحوالي 2100 شخص،حسب الدراسة التي نشرها مركز فيريل في سنة 2015. وفي شهر فبراير 2018 صرح السيد عبد الحق الخيام مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج) لجريدة Le monde الفرنسية، بأن السلطات الأمنية فككت ما مجموعه 49 خلية "إرهابية" منذ تأسيسه في سنة 2015، أي بمعدل خلية كل شهر تقريبا، مضيفا بأن أغلبية الخلايا التي تم تفكيكها تنتمي إلى تنظيم داعش، كما أن المشاكل الأمنية التي تطرحها "الهجرة الجهادية" نحو الدول التي تعرف صراعات مسلحة، كانت حاضرة في تصريح الخيام، حيث ذكر أن المكتب تابع حالة 97 من العائدين، 84 منهم قدموا من المنطقة العراقية السورية و13 من ليبيا، فضلا عن 53 شخصا، تم طردهم من دول أخرى. وهذا التصريح الذي أدلى به الخيام، يوضح مواكبة الفاعل الرسمي للظاهرة الإرهابية بالمغرب، من خلال إيجاد مؤسسة أمنية (البيسيج) تعنى بالظاهرة، خاصة مع تنامي الأنشطة الإرهابية بفعل الصعود المتنامي في حينه لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وقدرته على استقطاب مغاربة، سواء للالتحاق بصفوفه أو للقيام بعمليات داخلية. وفي ما يرتبط بالتوزيع الزمني لتفكيك الخلايا الإرهابية، فإن سنة 2014 و 2015 عرفت أوج نشاط هذه الخلايا، حيث فككت الأجهزة الأمنية في سنة 2014، 22 خلية مقابل 21 خلية تم تفكيكها في سنة 2015، ومنذ هذه السنة عرف المغرب انخفاضا في عدد الخلايا التي تم توقيفها، وصولا إلى 9 خلايا في 2017، وهو الرقم الأقرب لما كان يسجل في سنوات 2011 و 2012، بمعدل تفكيك 4 أو 7 خلايا إرهابية في السنة. وما يمكن ملاحظته أن عدد الخلايا المفككة تراجع سنة 2017، بالمقارنة مع السنتين الماضيتين 2015 و 2016، فالحصيلة التي تم تسجيلها حسب وزارة الداخلية في 2015، كانت 21 خلية، ليتراجع العدد إلى 19 خلية في سنة 2016، وتسع خلايا إرهابية فقط خلال 2017. وهو تراجع يمكن تفسيره أيضا، وإضافة للجهود الأمنية، بالتراجع الذي شهدته الساحة العراقية والسورية لتنظيم الدولة الإسلامية، وتوالي الهزائم التي أفقدته عددا من معاقله الرئيسية في كلا الدولتين، مما أفقد التنظيم بريقه الذي حظي به في أوج قوة إشعاعه خلال سنتي 2014 و 2015.
الانتماء الإيديولوجي للخلايا المفككة تنقسم الخلايا 44 التي اشتغلنا على تحليل معطياتها، إلى ثلاث أصناف: أولا مجموعات تحمل فكر تنظيم القاعدة، النوع الثاني يتعاطف أو ينتمي إلى أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية، أما البقية فهي عبارة عن تنظيمات محلية صغيرة تم تأسيسها من طرف مغاربة. ومن الناحية الجغرافية تتوزع هذه الخلايا على مجمل التراب المغربي، مع وجود تفاوتات في الانتماء الجغرافي لا سيما مناطق الشمال، الذي سيتم التعرض له في المحور الخاص بالتوزيع الجغرافي لأعضاء الخلايا. منذ سنة 2011 لم تتمكن التنظيمات الجهادية من بناء قاعدة تنظيمية قوية في المغرب باستثناء عناصر قليلة أعلنت ولائها لتنظيمات في الخارج، وأخرى قررت الالتحاق بها في ساحات المعارك والقتال في بؤر التوتر، فضلا عن عناصر أخرى باشرت تأسيس خلايا محلية دون القدرة على توسيع نشاطها أو عناصرها المستقطبة. ويظهر من خلال المبيان رقم (2)، أن التنظيمات الخارجية، تتوزع بين تنظيم الدولة الإسلامية بشقيه المركزي في سورياوالعراق، وأيضا فرعه في ليبيا، ثم تنظيم القاعدة بشقيه المركزي والفرعي المتمثل في تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي والذي يتخذ من منطقة الساحل في الصحراء الكبرى مقرا له. قبل شهر أبريل 2014، كانت معظم الخلايا التي قامت الأجهزة الأمنية بتفكيكها، ينتمي عناصرها إلى تنظيم القاعدة، في حين ومنذ ذلك التاريخ، ومع توالي انتصارات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ارتفع عددا لخلايا المفككة المرتبطة بتنظيم "الدولة الإسلامية"، إذ بلغت نسبتها حوالي%57. أما بخصوص الخلايا المنتمية لتنظيمات محلية، فلم تتجاوز %7 من مجموع الخلايا، حيث لم تعلن السلطات تبعية أعضاء الخليتين إلى أي من تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية، مما يفيد بأنها تتبني الفكر الجهادي من دون ارتباط عضوي مع تنظيمات جهادية في الخارج. وتعتبر جماعة الموحدين/التوحيد من ضمن المجموعات الغير منتمية تنظيميا وايدولوجيا والتي تم تفكيكها، وهي جماعة تضم 20 شخصا، اتخذت من إقليمالناظور قاعدة خلفية لتكثيف أنشطتها، حيث نسجت علاقات مع عناصر متطرفة في مدينة مليلة، وأيضا مع عناصر في دول أوروبية. أما جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي تضم خمسة أشخاص يتركز نشاطهم في مدينة طنجة، من خلال فرض "احترام الشريعة الإسلامية"، وممارسة دور "الشرطة الدينية". يمكن تفسير جاذبية تنظيم الدولة الإسلامية أساسا بارتفاع وتيرة الصراع في بؤر التوتر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة الساحة العراقية والسورية والليبية. حيث ساهمت الانتصارات العسكرية التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية منذ بروزه سنة 2014 – لا سيما قدرته على ضم العديد من المدن الكبرى، كالموصل في العراق والرقة ودير الزور في سوريا، وأيضا إعلانه الخلافة في يونيو 2014، وانفصاله عن تنظيم القاعدة من نفس السنة–ساعد على خلق دعاية بارزة لهذا التنظيم بين الشباب والتيارات الجهادية في المغرب، مما ساهم في تعزيز عمليات الاستقطاب، سواء من أجل "الهجرة الجهادية" نحو هذه البؤر، أو لتشكيل خلايا محلية/غير مرتبطة تنظيميا بتيارات جهادية خارجية، من أجل تنفيذ هجمات أو عمليات إرهابية. وهو ما يفسر ارتفاع عدد الخلايا المفككة من طرف الأجهزة الأمنية في سنتي 2014 و 2015. ومع التحركات العسكرية ضد التنظيم في كل من العراقوسوريا وليبيا، وتوالي خسرانه للأراضي التي سيطر عليها في السابق، بدأ نجم التنظيم في الأفول منذ سنة 2016، إلى حدود سنة 2017، كما أن الجهود الأمنية المغربية في تفكيك الخلايا والقيام بعمليات استباقية، كان له دوره في الانخفاض الذي شهدته السنتين الأخيرتين، من حيث نشاط المجموعات الإرهابية وأعداد الخلايا المفككة.
الانتماء الجغرافي والمجالي للخلايا المفككة بخصوص التوزيع الجغرافي للخلايا المفككةتم التوصل إلى نتائج دالة، تظهر تصدر كل من مدينة طنجةوفاسومراكشوالناظور لقائمة المدن المعنية بالخلايا المفككة، خلال الفترة التي تم اعتمادها لإنجاز هذا التقرير (2011 إلى 2017). ويظهر من خلال المبيان أسفله، طبيعة التوزيع الجغرافي للخلايا المفككة. إذ يظهر أن جهة طنجةتطوان، احتلت صدارة الجهات من حيث تكرار المدن بأعضاء الخلايا التي تم تفكيكها في المرحلة بين سنة 2011 و 2017، تليها جهة فاسمكناس، ثم جهة الشرق وجهة مراكشآسفي، ثم الرباطسلاالقنيطرة، ثم الدارالبيضاءسطات. إن الأرقام الخاصة بكرونولوجيا تفكيك الخلايا الإرهابية في المغرب من سنة 2011 إلى سنة 2017، تظهر بأن المغرب اليوم، يشهد تهديدا إرهابيا أقل من السنوات الماضية، فمن 22 خلية تم تفكيكها في سنة 2014 إلى 9 خلايا في سنة 2017، يؤكد بأن تطورات الساحة القتالية في بؤر التوتر خاصة منطقة الساحل وسورياوالعراق وليبيا، قد أرخى بظلاله على التطورات الأمنية في البلاد. بالمقابل، لا زالت هناك تخوفات من استمرار حالة اللاستقرار في منطقة الشرق الأوسط على الوضعية الأمنية في المغرب، لا سيما عودة المقاتلين من بؤر التوتر من جهة وأيضا مؤشرات تحول داعش وانتقاله لبقع جغرافية أخرى. *عن المعهد المغربي لتحليل السياسات محمد قنفودي