مطرح ليس ككل المطارح، تجاوز مستوى علوه اليوم 54 مترا، متربعا على عرش مطارح النفايات في المغرب، ليس بمساحته وبحجم نفاياته فحسب، وإنما بكونه من أكثر الملفات تعقيدا على مستوى المطارح منذ إقامته سنة 1986. بعدما ظل ملف مطرح مديونة في البيضاء يراوح مجالس المدينة، لم يتمكن أي منها من فتحه وحلحلة عقدته المتشعبة لحدود الساعة، اليوم وبعدما ضاق بنفاياته يفرض نفسه على رأس المشاكل العالقة بين مجلس المدينة وبين شركة إيكوميد المفوض لها تدبيره منذ سنة 2008. الاتفاق كان يقضي بإعادة تأهيل المطرح والانتهاء من العملية خلال سنة 2010 قبل الانتقال لمرحلة تأسيس مطرح مراقب، بحسب ما ورد في بنود العقد الذي يجمع الطرفين تتوفر "اليوم24" على نسخة منه. بعد مرور عشر سنوات على الاتفاق المبرم بين الطرفين، لازال مطرح مديونة يراوح مكانه، فلا تم تأهيله ولا تم الانتقال إلى مطرح جديد بمواصفات قيل إنها ستكون عالمية على مستوى معالجة وتثمين الأزبال. أولى حلقات مسلسل الخلاف بين مجلس المدينة وشركة "إيكوميد" بدأت سنة 2016، بعدما طفا الخلاف على السطح برفع الشركة دعوى قضائية على المجلس، بسبب "إخلال الأخير بالوفاء ببنود الاتفاقية وتأخر توصلها بمستحقاتها المالية لمدد تتراوح بين خمسة وستة أشهر"، بحسب ما أكده مسؤول من داخل الشركة ل"اليوم24". الخلاف بين الطرفين بلغ ذروته خلال الأشهر الأخيرة بعد قرار المجلس فسخ العقد مع "إيكوميد" وعزمه الانتقال من مرحلة طمر النفايات فقط إلى تثمينها، وهو ما لم تنجح فيه الشركة بحسب مجلس البيضاء. مسلسل شد الحبل هذا، يدفع لطرح العديد من التساؤلات حول حيثيات الأزمة المشتعلة بين الطرفين، ما سبب الخلاف القائم بين المفوض والمفوض له؟ لماذا تعجز الأطراف المعنية لحدود اليوم على حلحلة ملف مطرح مديونة الشائك؟ المجلس يفسخ العقد في دورته التي انعقدت في ماي الماضي، قرر مجلس مدينة البيضاء فسخ العقد مع "إيكوميد"، معللا ذلك بعدم نجاح الشركة في الوفاء بالمهام المنوطة بها، واكتفت بالاشتغال على طمر النفايات التي أضحت ثروة مهمة يجب العمل على استغلالها عوض الاكتفاء بطمرها فقط، بحسب تصريح لمحمد الحدادي، نائب عمدة العاصمة الاقتصادية المكلف بقطاع النظافة ليومية "اليوم24". الحدادي سجل أن المطرح ينتج يوميا أكثر من 3200 طن من النفايات، وهو ما دفع المجلس إلى السعي لخلق مصانع خاصة تعمل على حرق وتدوير النفايات، وبالتالي "لم يعد معقولا العمل فقط على شراء الأراضي وتحويلها لمطامر"، فالسياسة المزمع سلكها مستقبلا هي العمل على تثمين النفايات والاستفادة من عائداتها في أكبر مدينة في المغرب. إيكوميد ترد إلغاء العقد من طرف واحد اعتبرته الشركة تعسفيا وخرقا لبنود الاتفاق، واستنادا على ذلك طالبت بتعويضها على الخسائر المالية الكبيرة التي تكبدتها، بحسب مذكرة وجهتها لعدد من مؤسسات الدولة، من بينها رئاسة الحكومة ووزارتا الداخلية والاقتصاد. للحصول على توضيحات أكثر بخصوص موقف الشركة وطبيعة مطالبها، تواصلت "اليوم24″ مع عبد الله آيت وادي، مستشار الرئيس التنفيذي للشركة ومسؤول سابق عن المطرح. الأخير أكد أن المجلس مدين ل"إيكوميد" بما مجموعه 140 مليون درهم وهذا ليس سوى جزء من الخلاف، وأضاف أن "إيكوميد" لم تحصل على الأرض التي تم الاتفاق عليها لتأسيس المطرح والبالغ مساحتها 82 هكتارا، والسبب بحسب آيت وادي تفويت الأرض المعنية لشركة خاصة بالعقار، في المقابل حصلت "إيكوميد" على أرض مجاورة للمطرح تبلغ مساحتها 35 هكتارا ولم يتم تسليمها حتى سنة 2016، وهو ما يعتبر إخلالا من وجهة نظر الشركة بالعقد من طرف مجلس البيضاء. آيت وادي أكد أن "إكوميد" اضطرت للاشتغال في ملحقات للمطرح الحالي كحلول ترقيعية في انتظار الحصول على الأرض المتفق عليها، بيد أن الأمور خرجت عن سيطرتها بعدما تجاوز علو المطرح 45 مترا، بينما في الأصل كان يتوجب الاكتفاء ب 15 مترا فقط. ذات المصدر أكد أنه لحدود الساعة، الشركة لم تحصل على الأرض المشار لها في العقد، وبالتالي "فالمخل في هذه القضية ببنود الاتفاقية هو المجلس، لأن الشركة لا يمكنها إنجاز المشاريع المطلوبة طالما أنها لا تتوفر على الأرض لإقامة المطرح"، وهو ما كلفها 11 مليارا من الخسائر بحسب المسؤول في الشركة. بخصوص سياسة تثمين النفايات التي يعتزم مجلس المدينة اعتمادها ما دفعه لفسخ العقد مع "إيكوميد"، سجل آيت وادي أن الاتفاق لم يشمل تثمين النفايات في البداية، وإنما كان متفقا أن يتم الانتهاء من مرحلة الطمر وحفر آبار وقنوات خاصة بشفط الغازات التي يتم تحويلها إلى طاقة كهربائية. طبيعة هذه المعامل والمصانع تتطلب لإنجازها ما بين 4 و5 مليارات درهم باستعمال تقنيات حديثة، منها الحرق وغيرها من الطرق بغرض استخراج الغازات من المطامر. التصريحات السالفة دفعتنا إلى التساؤل حول سبب عدم تفويت الأرض المقدر مساحتها 82 للشركة إن كان فعلا تم الاتفاق عليها في العقد الذي يجمع الطرفين؟ السؤال نقلناه لمجلس المدينة في شخص محمد حدادي، نائب رئيس المجلس. الأخير أجابنا بكون العقد تم إبرامه في عهد المجلس السابق، وحينما استعصى عليه توفيرها منح للشركة المفوض لها أرضا مجاورة للمطرح الحالي تقدر مساحتها ب 35 هكتارا، المساحة يرى الحدادي أنها كافية لمدة خمس أو ست سنوات أخرى، وهو ما تنفيه "إيكوميد". وحول ذات السؤال، أجابنا الحدادي بانتماء الأرض المعنية لجماعة المجاطية ولاد طالب ولا يملك المجلس بحسبه سلطة التصرف فيها.
جماعة المجاطية "لا حول لها ولا قوة" للحصول على تفاصيل أكثر بخصوص قضية التراخيص المرتبطة بالمطرح، تواصلت "اليوم24" مع شفيق أمين هاشم، رئيس جماعة المجاطية ولاد طالب، الأخير نفى نفيا تاما بأن تكون للجماعة صلة بالموضوع لكونها ليست المعنية بمنح تراخيص لإقامة أي مطرح حتى وإن كان فوق المجال الترابي التابع لها، فالمسؤول الأول والأخير عن المطرح هو "مجلس المدينة، وهو من وقع الاتفاق مع إيكوميد وليست جماعة المجاطية". شفيق أمين هاشم عبر في هذا الصدد أن الجماعة اكتفت بالتعبير عن رفضها واستنكارها إزاء طريقة تدبير المطرح الحالي المتسمة بالعشوائية، وأضحت قنبلة موقوتة تهدد الدواوير المجاورة والقطاع البيئي في المنطقة. مبرزا أن الجماعة "لا تملك سندا قانونيا أو إداريا يخول لها الترخيص أو عدم الترخيص لتأسيس أي مطرح".
الأزمة تصل لأمريكا أزمة مجلس البيضاء مع "إيكوميد" تصل إلى ردهات الشركة الأم في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد تلويح أحد محاميها هنالك برفع دعوى للمركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، الشركة تطالب اليوم بتعويض عن فسخ العقد من طرف واحد وبتعويض يشمل السنوات 16 المتبقية لانتهاء أجل العقد، والذي يناهز بحسب تقديرات الشركة 75 مليون دولار، استنادا على عملية حسابية اعتمدت على حساب معدل ربح الشركة حاليا وضربه في عدد السنوات المتبقية لانتهاء العقد المبرم. مبلغ التعويض اعتبره مجلس المدينة خياليا وغير منطقي وينهك ميزانية العاصمة الاقتصادية. الطرفان في قفص الاتهام وسط تبادل الاتهامات بين مجلس مدينة الدارالبيضاء الحالي وشركة "إيكوميد"، تقرير للمجلس الأعلى للحسابات سنة 2015 وجه أصبع الاتهام للطرفين معا، التقرير رصد اختلالات في تسيير وتدبير قطاع النظافة في العاصمة الاقتصادية، مبرزا عدم الالتزام بمجموعة من الاستثمارات والمشاريع من طرف المجلس المسير للمدينة والشركة المشرفة على جمع النفايات خلال الفترة الممتدة بين 2004 و2013. المجلس الأعلى للحسابات وقف عند تفاوتات وصفها بالكبيرة قدرت بنحو 36.11 مليون درهم خلال الفترة ما بين 2009 و2013، علاوة على رصد وجود فرق على مستوى حجم النفايات المصرح بها من طرف الشركة وتلك المحتسبة من طرف شركة جمع ونقل النفايات المنزلية بنسبة تجاوزت 603 ألف طن. قضاة مجلس جطو سجلوا أنه كان من المفروض أن يتم الشروع في استغلال مطرح مراقب جديد سنتين بعد دخول عقد التدبير المفوض حيز التنفيذ مع الإغلاق النهائي للمطرح الحالي بمديونة بحلول سنة 2010، إلا أنه لا شيئ تحقق من ذلك، علاوة على تخلي الجماعة عن إجراءات اقتناء أرض تندرج ضمن أملاك الدولة بمساحة 82 هكتارا بجوار المطرح الحالي بمديونة، واقتنت في المقابل أرضا أخرى بمساحة أقل، مشيرا في ذات الآن إلى أن الشركة المفوض لها تخلط النفايات المنزلية بالنفايات الصحية والصيدلية دون اعتماد عملية فرزها، وسلك إجراءات قبلية للتأكد من عدم خطورتها. إلى متى؟ أمام هذا الوضع الذي يتخبط فيه مطرح مديونة للنفايات، تبقى العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام مطروحة حول أكبر مطرح للنفايات في المغرب، هل الخلل يكمن في غياب حكامة ناجعة للمدن بسبب نمط الاقتراع المعتمد في الجماعات الحضرية الذي يفرز أغلبية غير متجانسة داخل المجلس، كما سبق وأن أشار إلى ذلك المجلس الأعلى للحسابات في أحد تقاريره، وهو ما يفضي بالتالي إلى عدم القدرة على تسيير شؤون المدينة في جو هادئ ومسؤول، ينتج عنه صعوبات في المصادقة على الميزانيات الجماعية وفي إنجاز بعض مشاريع التنمية الحضرية؟ هل هنالك من يملك مصلحة في استمرار الوضع الحالي للمطرح؟ ولماذا عجزت مختلف الجهات المعنية لحدود الساعة في حلحلته وإنقاذ المدينة من خطر بيئي يتهدد سكانها؟ أم أن هنالك جهات ولوبيات تأبى فك عقدة مطرح مديونة بسبب مصالحها الاقتصادية؟ تساؤلات وغيرها يطرحها البيضاويون في مدينتهم التي بوأت رتبا متقدمة عالميا على مستوى التلوث، وتطمح في ذات الآن لأن تصبح مدينة ذكية وهي لا تزال بعد تعاني من نفاياتها. 6 النفايات ثروة مهدرة أيبدو أن العاصمة الاقتصادية للمملكة لم تنجح في تحويل حجم نفاياتها إلى ثروة تنعكس على التنمية المحلية للمدينة، على الأقل وإن كانت أصابع الاتهام توجه للوبيات تستغل الوضع الحالي لمطرح مديونة لكونه "يبيض ذهبا". في عصرنا اليوم، اتجهت عدد من الدول لإعادة تدوير النفايات للاستفادة منها في مجالات الطاقة وغيرها. في هذا الإطار، أقر المغرب البرنامج الوطني للنفايات المنزلية سنة 2008 يمتد على مدى 15 سنة بغلاف مالي قدر بحوالي 37 مليار درهم، الهدف من البرنامج ضمان جمع النفايات المنزلية في المدن وتخزينها بنسبة 90 في المائة عوض 70 في المائة، مع إنجاز مطارح منظمة ومراقبة في كل الجماعات الحضرية، لكن على ما يبدو أن البرنامج لم يحقق ما سطر له. دراسة للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية سنة 2016، سبق وأن أشارت إلى أن نسبة إعادة تدوير النفايات في المملكة لا تتجاوز 10 في المائة، إذ تجد النفايات المنزلية مصيرها غالبا نحو الحاويات أو في مجاري المياه ونسبة كبيرة منها لا تخضع للمعالجة. ونتيجة لذلك، تقدر الكلفة الاقتصادية لتدهور البيئة في المغرب ب 0.5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي بحسب المصدر نفسه، أي ما يفوق نصف مليار دولار، وذلك راجع لضعف آليات معالجة النفايات.