محمد مصباح: مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات بمَ تفسر عودة الجدل حول مطلب الملكية البرلمانية؟ أظن أنه مرتبط بعاملين اثنين؛ الأول، يتعلق بالأزمة السياسية التي يعيشها المغرب، فهي وضعية خاصة عرّفها المستشار الملكي عباس الجيراري بأنها «أزمة»، بمعنى أن هناك انحباسا سياسيا. ويتمثل العامل الثاني في أن النقاش تفجر بالتزامن مع مرور 7 سنوات على دستور 2011، وهي فترة كافية لمختلف الفاعلين لإنجاز تقييم معين، ولمعرفة مناطق التقدم أو التأخر. وهي عوامل تتطلب من مختلف الفاعلين نقاشا سياسيا جديا دون مزايدات، خصوصا أن النقاش حول الملكية البرلمانية ليس جديدا، بل بدأ بُعيد الاستقلال، واستمر إلى اليوم، وهذه الخلفية التاريخية تفترض أن يكون النقاش هادئا وعقلانيا. وأعتقد أنه من مصلحة المؤسسة الملكية أن تستمع إلى نبض الشارع، وأن تعرف عن قرب توجهات الرأي العام، وليس العكس. هل عودة هذا الجدل يعني أن الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011 استنفدت؟ نعم، يظهر لي أن حزمة الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011 وصلت إلى مداها، وأن المغرب بحاجة إلى حزمة إصلاحات جديدة، أي إلى جيل جديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، محورها الرئيس فصل السلطة عن الثروة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومكافحة الفساد، وهي القضايا التي خرج من أجلها الناس إلى الشوارع، سواء في حراك الريف أو جرادة أو غيرهما. وتحقيق هذه الأهداف غير ممكن إلا في ظل الملكية البرلمانية. ففي الملكية التنفيذية، كما هي الآن، لا يمكن محاسبة رئيس الدولة، أما في الملكية البرلمانية يصبح مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة قابلا للتطبيق، لأن الحكومة تصبح هي السلطة التنفيذية، وتصبح مسؤولة بشكل كامل أمام الشعب، وحينها يصبح المسؤول الحكومي أو البيروقراطي المسؤولين الوحيدين عن تنزيل السياسات العمومية، أما الملك فله اختصاصات رمزية وسيادية وتحكيمية، لكنه لا يتدخل نهائيا في تنفيذ السياسات. رغم أن النقاش حول الملكية البرلمانية قديم، فإنه كانت هناك ردود فعل متشنجة ضد حامي الدين. لماذا؟ تصريحات عبد العلي حامي الدين فجّرت ما كان مكبوتا، كما أظهرت أن هناك رغبة لدى أكثر من جهة في تطويق النقاش العمومي حول هذا الموضوع، لأن السلطة لا تريد نقاشا سياسيا حقيقيا حول فصل السلطة عن الثروة، أو ربط المسؤولية بالمحاسبة، وربما هناك جهات في الدولة تعتقد أنها قدّمت أكثر مما ينبغي سنة 2011، ويجب لجم أي نقاش سياسي الآن. وماذا عن النخبة السياسية التي تبدو متواطئة في هذا الاتجاه، كما تكشف ذلك ردود الفعل؟ عملية الانتقال من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية تتطلب تفاوضا مستمرا ومسارا تراكميا بين النخب القديمة والنخب الجديدة، وهو تفاوض ينبغي أن يكون واضحا وعقلانيا ومعلنا للرأي العام، كلما تعلق الأمر باختصاصات الملك، واختصاصات رئيس الحكومة، وغيرهما. لكن لدينا نخبة سياسية تفتقر إلى الرؤية والشجاعة الكافية، ولدينا نظام سياسي غير مستعد للتنازل عن صلاحياته ومصالحه، ولا يشعر بأنه وصل إلى درجة الأزمة التي تخنقه وتجبره على التنازل، لكن، لا بد أن ننتبه أيضا إلى أن من مستلزمات هذا الانتقال وجود مؤسسات متينة، بحيث يمكن أن تسهم بفعالية في نجاح الانتقال، وخصوصا وجود نظام قضائي فعال وعادل، وأيضا وجود مجتمع مدني قوي ومؤثر، وهي قضايا غير مرتبطة بدور النخبة السياسية، لكنها تؤثر.